كثرت أخبار الموت وكثر حديث نفسي عنها وكثر سؤالي لها: متى يحين دوري؟ وماذا أعددت لذلك اليوم؟ أمستعدة أنا للقاء ربي؟ أم أن ذنوبي ومعاصي ستحول بيني وبين لقائه عز وجل؟
أعلم جيدا أن الأمر يتطلب ثوان معدودة لينتهي، ثوان معدودة تقبض فيها الروح لتصعد إلى بارئها. حاولت تكرارا أن أتخيل كيف سيكون إحساسي لحظتها، فلم أكن أجني سوى انقباض في صدري وتسارع نبضات قلبي وارتعاشة تتملك سائر أطرافي، فأهرع لكتاب الله عز وجل راجية أن تخفف تلاوته خوفي وهلعي، وبمجرد فتحي للمصحف الشريف تقع عيني عليها، تستقبلني الآية الكريمة وكأنها تطبطب علي: قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (الزمر، 53)، تخرجني من يأس يكاد يفتك بصدري إلى رجاء في الحنان المنان صاحب الملك والملكوت.
الله عز وجل بعظمته وعزته وجلاله وملكه العظيم يسمعني ويراني وينصت لشكوى قلبي. أنا الأمة الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة، رب العزة يسمعني، بل ويجيبني “يا أمتي لا تقنطي من رحمتي الواسعة وأنيبي إلي واتبعي أحسن ما أنزلت تفوزين بما وعدتك به إني لا أخلف الميعاد”.
سبحانك ربي لا إله إلا أنت، ما أعظمك! ما أرحمك! ما أكرمك!.. تغفر الذنوب جميعا وتمحو الخطايا وتتوب عني.
إلهي.. هل في الوجود أرحم منك فيدعى؟ هل في الملأ إله غيرك ترفع إليه الشكوى؟ يا من به يتعلق الراجون، أسألك ربي مسألة المساكين وأبتهل إليك ابتهال الخاضعين، اللهم هذه أكف الفقر والفاقة والعجز والعوز والضراعة مددتها إليك؛ أرجو رحمتك وبرك وإحسانك وجودك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم لست إلا بك فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
سيول من المياه المالحة تجري على خدي ولساني يردد كلمة واحدة “يا رب، يا رب”.. لحظات فرح ظاهرها حزن بليغ. فرح طقوسه البكاء والنحيب والشعور بالعناية الربانية تتملكك من كل جانب.
كيف لرب ودود رحيم غفور جواد كريم أن ينساك؟ هو الله لا ينسى قلبا ينبض بحبه والشوق إليه والرجاء فيه، فاللهم لك الحمد ولك الشكر، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.