د. متوكل: ما حدث مع الحكومة حجة دامغة على فشل فرضية التغيير من خلال المؤسسات

Cover Image for د. متوكل: ما حدث مع الحكومة حجة دامغة على فشل فرضية التغيير من خلال المؤسسات
نشر بتاريخ

نشرت جريدة المساء، يوم السبت 15 أبريل 2017، حوارا مطولا مع الدكتور عبد الواحد متوكل، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ورئيس دائرتها السياسية، بسط فيه رؤية الجماعة لمجموعة من القضايا الوطنية الراهنة؛ من قبيل تشكيل الحكومة الجديدة، التحول الديمقراطي، خيار العمل من خارج المؤسسات الرسمية للدولة، إضافة إلى قضايا أخرى يميط النص الكامل للحوار اللثام عنها:

سارعتم إلى انتقاد حكومة سعد الدين العثماني فور تعيينها؛ ما هي مبرراتكم؟

قصة الحكومة ينطبق عليها ذلك المثل الذي يقول تمخض الجبل فولد فأرا، فبعد حوالي ستة أشهر من المخاض العسير جاء المولود مشوها، لا نسب له ولا هوية. وكان الشعار المرفوع طيلة تلك المدة، ويزعمون أنه كان هو السبب في هذه المدة التي استطالت، هو ضرورة وجود حكومة قوية ومنسجمة. لكن لما خرجت هذه الحكومة اتضح أنها أبعد عن الانسجام، خليط هجين لا شيء يجمع بين مكوناتها. إنها إهانة للشعب المغربي ولا سيما الذين صدقوا اللعبة وذهبوا إلى صناديق الاقتراع وظنوا أنه سيكون لصوتهم اعتبار. ولذلك نحن نعتقد أن هذا الحدث يعتبر دليلا آخر لمن كان يحتاج إلى أدلة أخرى، وحجة دامغة على الفشل الذريع للمقاربة التي تزعم أنه بالإمكان الدفع أو السعي إلى تحول ديمقراطي من خلال المؤسسات. وبصفة عامة يمكن القول إن ما حدث مهزلة وعبث بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

قلتم إن التحول الديمقراطي من خلال المؤسسات غير ممكن؟ ما هو البديل الذي تقدمون؟

ما حدث مع الحكومة دليل إضافي على استحالة المقاربة التي ترى أنه بالإمكان الوصول إلى تحول ديمقراطي من خلال المؤسسات الشكلية محدودة الصلاحيات. والحل في تقديرنا هو العمل من خارج هذه المؤسسات الصورية. لماذا يا ترى يراد لنا أن نحصر أنفسنا وخيالنا وذكاءنا في خيار واحد، وقد رأينا مآل هذا الخيار؟ فكل الأحزاب التي اتبعت هذا الخيار أقدمت على ما يشبه الانتحار السياسي. إذن لمَ يطلب منا أن نسلك نفس الخيار وقد رأينا رأي العين نتيجته المنطقية والعملية والتي أصبحت معروفة لدى الجميع. وهذا الكلام لا نقوله نحن فقط فالصحافة تكتب والسياسيون يكتبون عن هذه المهزلة والبؤس الذي وصل إليه المشهد الحزبي ببلدنا.

الآن النظام بعث برسائل واضحة جدا، مفادها أن هناك جهة واحدة ووحيدة هي التي تحكم وتقرر في كل شيء وهو والقصر ومحيطه، أما الأحزاب والانتخابات  فهي مجرد هوامش لا معنى لها ولا أثر لها في القرار السياسي أو في تشكيل الحكومة أو في تشكيل البرلمان أو غيرها من هذه المؤسسات.

إذن جماعتكم خيارها هو العمل من خارج المؤسسات؟

نعم.

بمعنى؟

بمعنى أننا نشتغل من داخل المجتمع من خلال توعيته والرفع من منسوب الوعي بداخله. وندعو للتكاثف والتعاون من أجل الدفع نحو التغيير الذي يحتاجه البلد، وهذا هو الخيار الذي نحسب أنه ممكن أن يكون له أثر في المستقبل. وقد رأينا التجربة في العديد من الدول.

وتجربة ما سمي بالحراك العربي كانت من خارج المؤسسات المزورة وكان يمكن أن تذهب بعيدا لولا اعتبارات أخرى ليس المجال لذكرها. وبالمغرب كان الحراك في مرحلة معينة قد أحدث رجة دفعت النظام إلى أن يقوم ببعض المبادرات وإن لم تكتمل لظروف يعرفها الجميع. المهم والذي أود أن أؤكد عليه هو أن هناك مجالا واسعا من خارج هذه المؤسسات يمكن استثماره لتحقيق التغيير المنشود.

تحدثتم عن الحراك العربي إذن أنتم تقصدون حركة 20 فبراير التي كنتم أحد مكوناتها الأساسية، ما الذي دفعكم إلى الانسحاب منها؟

على كل حال هذه قصة يطول فيها الكلام، وأحسب أنه سيأتي الوقت الذي يتم فيه التقويم لتلك اللحظة التاريخية الهامة. وأعتقد أنه يمكن القول إجمالا إن الطبقة السياسية في المغرب لم تكن في مستوى المرحلة، وعوض أن تتكاثف وتدفع نحو التغيير أصبحت مشيطنة للحراك جملة أو منشغلا بعضها ببعض، وعوض أن تتوجه إلى الخصم الحقيقي والمصدر الحقيقي للمشاكل التي يعيشها المغرب، أصبحوا يتوجهون إلى بعضهم البعض ولا سيما إلى العدل والإحسان. لقد كان شيئا مذهلا وكأن جماعة العدل والإحسان أصبحت هي المشكل في المغرب، وهذا شيء مؤسف جدا. لقد كانت بعض الأطراف تتوجس وتظن أن الجماعة ستستحوذ على كل شيء وأنها ستقيم الخلافة، وهذا نوع من المكر. لا شك أن المخزن قد كان له دور في ذلك من أجل تحوير وتحويل النضال الذي كان من المفروض أن ينصب على الملفات والقضايا الحقيقية التي يعانيها المغرب فإذا به يتحول إلى مسار آخر. وبعض المكونات لم يعد لها شغل على ما يبدو إلا العدل والإحسان وتركت النظام جانبا مما سهل عليه الالتفاف على الحراك.

إذن خرجتم من 20 فبراير تحت ضغط المكونات السياسية التي كانت تشارك في الحركة؟

ذلك سبب من أسباب أخرى، ولعلك إذا كنت تتابع الندوات التي كانت تعقد فلا شك أنك لاحظت ما كان يروج في كثير من هذه اللقاءات والندوات، وأنا أعتبر أن لحظة 20 فبراير كانت من الفرص الضائعة في المغرب. والبلاد ضيعت عدة فرص تاريخية مهمة كان يمكن أن تنقلها خطوات بعيدة جدا على طريق التغيير الحقيقي، الفرصة الأولى هي فرصة التناوب الأول الذي كان مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي التي للأسف الشديد فشلت. والفرصة الثانية كانت مع مجيء الملك محمد السادس حيث رفع المحيط الملكي عددا من الشعارات مثل العهد الجديد والمفهوم الجديد للسلطة وغيرها، لكن ثبت أن تلك الشعارات لم تكن صادقة وكان الهدف منها فقط أن يكون هناك نوع من الانتقال السلس للمُلْك، تم تعود الأمور إلى ما كانت عليه وهو ما حصل. أما الفرصة الثالثة فتمثلت في الربيع العربي الذي كان فرصة مهمة جدا. لكن للأسف الشديد لم تستغل. وطالما أن الطبقة السياسية في هذا البلد لم تدرك قيمة ائتلاف الجميع من أجل تحقيق التغيير المنشود فإننا سنبقى بعيدين عما يحتاجه هذا البلد من إصلاح وتغيير ديمقراطي حقيقي.   

بعد حوالي ست سنوات على انسحاب الجماعة من 20 فبراير كيف تنظرون إلى انسحابكم؟ وهل تأسفون اليوم على هذه الخطوة؟

نحن لم نأسف، لأن حركة 20 فبراير قبل انسحابنا كانت قد استنفدت أغراضها، ولم يعد في إمكانها تحقيق مكتسبات إضافية.  لقد حققت الحركة ما يمكنها تحقيقه بالشروط التي اشتغلت فيها، وما سوى ذلك لم يكن هناك من إمكانية لتحقيقه. ولكن لا زلنا في حواراتنا وفي الندوات التي نحضرها نتوجه إلى الجميع ونقول تعالوا لنجلس سويا لننظر لمستقبل هذا البلد قبل أن تنفلت الأمور من أيدينا، لأننا واعون بأنه إذا لم نفعل وانفلتت الأمور فإن ذلك قد يفتح الباب على المجهول والمحذور، ومن أسوإ المحاذير خروج قرار المغاربة من أيديهم وبالتالي سيصبح من الصعب أن يتفق الفرقاء داخل الوطن الواحد، وها نحن نرى ما يقع في بعض الدول العربية حيث أصبحت أطراف أخرى خارجية هي من يتحكم في مصير تلك البلدان.

تحدثتم عن ثلاث فرص ضائعة من بينها حكومة التناوب التي قادها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، هناك من يتهمكم في جماعة العدل والإحسان بأنكم ساهمتم في فشل حكومة اليوسفي؟

هذا غير صحيح، نحن دائما في هذه المراحل كنا هدفا وكنا نتلقى الضربات تلو الأخرى، وأنشطتنا كانت تمنع فكيف يمكن أن نكون قد ساهمنا في هذا الأمر؟ من أضاع تلك الفرصة هم الأحزاب المشاركة في تلك الحكومة، وهي التي ضيعت تلك الفرصة ولم تتماسك ولم تتمسك بالمواقف المطلوبة، وكان على الأقل إن لم يتحقق التغيير الذي يتطلع إليه الجميع كان من الممكن أن تذهب بعيدا على درب التغيير المرجو.

هناك كثير من القوى السياسية في المغرب تتوجس من وصول الجماعة إلى السلطة عبر الديمقراطية وتتخوف من انقلابها عليها؟ كيف تنظرون أنتم إلى الديمقراطية؟

يا سيدي الجماعة الآن خارج اللعبة، فما الذي يمنعهم من تطبيق الديمقراطية؟ هذا كلام فارغ. احتكار السلطة لا يمكن أن يقول به من يريد أن يؤسس لتغيير حقيقي ونهضة حقيقية، وهو غير ممكن لعدة أسباب؛ أولا لا يمكن لحزب معين إذا وصل إلى الحكم أن يكون أداؤه السياسي دائما في المستوى المطلوب ويحظى برضا الشعب دائما، هذا مستحيل. إذن أيهما أولى أن تصل إلى الحكم وإذا فشلت في الأداء ترجع وتشتغل في انتظار فرصة أخرى، أم أنك تصل وتتمسك حتى تطرد كما طرد بنعلي والقذافي وغيرهما. إذن هذا الأمر غير ممكن وغير واقعي، ونحن اليوم في القرن 21 وقد ثبت بالتاريخ وبالوقائع أنك لا يمكن أن تفرض نفسك على الشعب، وتحقق تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة تحفظ للإنسان كرامته ومعناه.

إذا كنت بالفعل تريد أن تحقق التنمية والإقلاع الاقتصادي وأن تخرج من التخلف يستحيل أن تفرض نفسك على الشعب حتى وإن كانت أفكارك جيدة، النظام الذي نرجوه لا بد أن يكون فيه ذهاب وإياب وتداول وألا يكون فيه طريق واحد فقط وهذا هو المأمول الذي نرجو أن يتأسس بهذا البلد.

في سنة 2015 أبديتم استعدادا للدخول إلى الحقل السياسي بشروط، هل هذا المطلب ما زال مطروحا اليوم في ظل المتغيرات التي عرفتها الساحة السياسية؟

ربما يتصور الناس أننا نطلب شيئا خارقا، نحن نطلب ممارسة العمل السياسي كما يمارس في العالم، لكن الوضع في المغرب هو أن النظام لا يقبل أقل من فرض شروطه، فيشترط على من يريد ممارسة العمل السياسي أن يلتزم حدودا ضيقة ما أنزل الله بها من سلطان. وهذا نحن نرفضه ونريد أن نمارس العمل السياسي كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية، الذي يقتضي منح الأحزاب فرصة للاشتغال بحرية ووفق القانون ومؤسسات بصلاحيات حقيقية، لكن هذا غير متوفر في الظروف التي نراها الآن والواقع هو الآن أبلغ من أي كلام.

إذا حصلت على 100 مقعد أو 30 مقعدا فالأمر سيان لأن النظام هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وهو الذي يضع من يريد في المعارضة ويضع من يريد في الحكومة. هل هذا هو العمل السياسي الذي يمكن أن ينتج وأن يكون له تأثير في المجتمع وأن يؤسس لنهضة سياسية واقتصادية واجتماعية؟ أبدا. هذا الاحتكار الكلي للقرار السياسي لا يمكن أن يحقق التنمية أو أي نهضة لهذا البلد أو حتى أن يخرجه من الأزمات المتراكمة.

بعد سنوات من العمل الفردي طالبتم في إطار الانفتاح على باقي القوى السياسية بفتح حوار مع باقي القوى السياسية، ما جدوى هذا الحوار ومبرراته؟

هذا الحوار بدأناه منذ سنوات من خلال ندوات متعددة، في إطار الوعي بما يمر به البلد وبطبيعة الظروف التي يعيشها والتغيير الذي نرجوه جميعا وما يقتضيه هذا التغيير، وهو ما حملنا على التأكيد على أنه لا سبيل ولا يمكن لأي طرف مهما كانت قوته ومهما كانت شعبيته أن ينهض بمهمة التغيير وحده. ومن أجل ذلك نحن ندعو وسنستمر في الدعوة إلى أنه ينبغي أن نلتقي وأن نتحاور لنؤسس لنظام سياسي في هذا البلد يحترم المغاربة ويضمن مؤسسات بصلاحيات حقيقية، وحكومة منسجمة تحكم وتنبثق عن انتخابات حقيقية، ومؤسسة برلمانية تكون بصلاحيات حقيقية، وقضاء مستقلا استقلالا فعليا. لقد ضاع كثير من الوقت من عمر هذا الشعب وضاع البلد معه، وهناك بلدان انطلقت في الوقت الذي انطلقنا فيه وذهبت بعيدا ونحن لا زلنا نعيش الأزمات تلو الأزمات. والآن المغرب يواجه أزمات اجتماعية خطيرة جدا. فحينما نرى مثلا أن هناك خصاصا يقدر بالآلاف وفي الوقت ذاته نجد النظام يتواجه مع 150 أستاذا متدربا ويكسر عظامهم لكونهم يرفعون طلبات بسيطة تتمثل في الاطلاع على نتائجهم بعدما تم ترسيبهم ظلما وعدوانا. ولهذا فنحن نتخوف وأيدينا على قلوبنا ونقول تعالوا لكي نتحاور قبل أن يفوت الأوان ويندم الجميع ولات ساعة ندم. هذه دعوتنا ونرجو أن تجد الآذان الصاغية.

هل وجدتم هذه الآذان؟

هناك أناس من اليسار بدؤوا يتجاوبون، خاصة خلال الذكرى الرابعة لوفاة الإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه، وأصبح بعضهم أيضا ينظم مناسبات حوارية ويدعونا إليها، لكن نحن لا نريد أن نؤسس لإتلاف يضم مكونين أو ثلاث مكونات، بل نريد أن تتوسع الدائرة لكي تشمل أكبر عدد من مكونات هذا البلد لكي يكون له التأثير المطلوب.

واجهت مجموعة من الأطر الإدارية المنتمية إلى جماعتكم حملة إعفاءات من المهام، كيف دبرتم هذا الملف؟

يبدو بأن عقل الدولة أصيب بعطب بليغ، وأخشى أن يكون لا دواء معه، لأن البلد غارق في المشاكل والدولة اكتسبت مهارة عالية في خلق المشاكل هي في غنى عنها.

وما حدث لأطر الجماعة نموذج منها، فأن تقوم بإعفاء مجموعة من الناس فقط لأنهم ينتمون لتيار معين أمر غير مقبول. والدولة في الوقت الذي قامت فيه بهذه الأشياء لا تدري أنها تعطي نتائج عكسية. فهي حينما تعفي أناسا أصحاب كفاءة وسمعة ومصداقية ويشهد لهم الجميع بالأداء الجيد وبالاستقامة والنزاهة ماذا تنتظر؟ فهي توسع من حيث لا تشعر دائرة الغاضبين والناقمين عليها. وإذا كانت تريد أن توصل إلينا رسالة مفادها أن تخيفنا لكي نتراجع أو نستسلم فأعتقد أن الدولة جربت معنا ما هو أشد من ذلك من خلال الاعتقالات والسجون ولم تفلح ولن تفلح بإذن الله.

ما هي الإجراءات التي اتخذتموها بخصوص هذا الموضوع؟

سنسلك كل السبل المشروعة والقانونية، وقد شرعنا في عدد منها سواء الاحتجاجية أو القانونية أو الحقوقية. وهناك مبادرة مجتمعية حقوقية واسعة تأسست من أجل التضامن مع هؤلاء، ولن نسكت بطبيعة الحال عن هذا الظلم البيّن، وبالتالي سنتبع كل الوسائل المشروعة من أجل فضح هذا الاعتداء الشنيع.

هل تعتبرون أن إعفاء أطر الجماعة داخل الإدارات من المسؤولية يؤشر على تغير في تكتيك الصراع بين الدولة والجماعة؟

لا أعتقد، لأنه ومنذ أن تأسست الجماعة لم يتغير موقف النظام منها، وقد استعمل وسائل شتى من أجل إضعافها أو إرباكها وشق صفها، وكان في مرحلة من المراحل يراهن على رحيل الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمة الله عليه وينتظر وفاته، وأنه بعد وفاته ستتشتت الجماعة وتتفرق. وانتظر ذلك اليوم على أحر من الجمر فخيب الله ظنه واستمرت الجماعة كما كانت متماسكة وقوية ومستمرة. فإذن هو يغير الأساليب أما الموقف من الجماعة فلم يتغير وقد استعمل كل الأساليب من أجل ضرب الجماعة ومن أجل محاصرتها. فإذن هذه الهجمة الأخيرة على عدد من أطر الجماعة تضاف إلى الأساليب الأخرى التي اعتمدها من أجل تخويف الناس من الجماعة ولن يفلح في ذلك بحول الله.

هل إشكال دخول الجماعة إلى الحقل السياسي مرتبط بطبيعة هذا الحقل أم بطبيعة النظام السياسي؟
في الحقيقة لا يمكن أن تفصل بينهما، فالنظام السياسي الموجود عندنا الآن يتمثل في وجود جهة معينة تحتكر كل شيء، تحتكر القرار السياسي وتحتكر الثروة وهذه هي المشكلة، ومشكلتنا مع النظام السياسي بهذه الطبيعة وبهذه المواصفات. ونحن نرى بأنه لا يمكن للعمل السياسي من خلال هذه المؤسسات الهامشية، أن يصنع أي شيء. ونحن الآن في القرن 21 ومن غير الممكن أن يسير البلاد شخص واحد. فلابد إن كنت تريد أن يتقدم بلدك أن يشترك أهل البلد في صناعة القرار وأن يتحملوا مسؤوليتهم. والنظام يصر على تهميش الجميع ويصر أن يبقى القرار بيده وحده وهذا أمر غير مقبول.

ما هو السقف الذي تطالب به جماعتكم من أجل دخول الحقل السياسي، هل هو الملكية البرلمانية الذي رفعته حركة 20 فبراير أم أنه أعلى من ذلك؟

نحن نقول لا ينبغي لأي طرف أن يملي رأيه أو تصوره على باقي الأطراف. ونقول إن صورة النظام الذي نتطلع إليه ينبغي أن يكون نتاج نقاش مجتمعي. دعونا نتناقش وما يمكن أن يصدر عن هذا النقاش نعتبره هو الممكن في تلك المرحلة وقد يرضيني وقد لا يرضيني وقد يرضي الطرف الآخر وقد لا يرضيه. لكن أن يكون المخرج هو نتاج نقاش عمومي عوض أن آتي أنا بتصوري جاهزا وأقول إنه التصور الذي أريده لشكل النظام وهذا غير واقعي لأن كل اتجاه قد يكون له تصوره المثالي. فإذن لا بد من النقاش وإذا توافق الجميع على صورة معينة نقرها ونقول هذا هو الذي توصلنا إليه في هذه المرحلة التاريخية.

الجماعة اليوم هي عمليا تراقب الحقل السياسي، هل تكتفون بالمراقبة أم لكم دراسات خاصة بالمشاكل الكبرى التي تعرفها البلاد؟

لدينا مركز دراسات يتوفر على مكاتب متخصصة في الصحة والتعليم والصناعة وغيرها تشتغل على تشخيص الوضع وتنظر في البدائل الممكنة وتدرس تجارب دول أخرى لترى ما يمكن أن يستفاد من تلك التجارب، لكن للأسف نحن نعاني من الحصار والتعتيم. وهذا المركز يصدر كل سنة كتابا يسميه “المغرب في سنة” يتضمن متابعة للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

هل كانت هناك محاولة للحوار عبر وسطاء خلال السنوات الخمس الماضية بين الدولة والجماعة؟

لا لم تكن هناك أي محاولات اتصال، لأن النظام لديه تصور خاص ويعتقد أن الربيع العربي قد تحول إلى خريف ويجب أن يعود الوضع إلى سابق عهده وهو ما ترجمه خلال تشكيل الحكومة الحالية، ولذلك فالنظام لا يجد ضرورة في محاورة الآخرين إلا تحت الضغط. ولما كنا في السجن بداية التسعينيات وكانت الأزمة في الجزائر وكان هناك المد الإسلامي يتنامى بعث النظام محاورين للحديث إلينا وفتح حوار معنا وعندما آلت التجربة الجزائرية إلى ما آلت إليه نسي كل شيء.

تم أخيرا منع أعضاء من جماعتكم من المشاركة في ندوات وأنشطة بتركيا ما سبب هذا المنع؟

نحن أنفسنا نطرح هذا السؤال ترى ما هو السبب؟ لأنه إذا كان أعضاء الجماعة يسافرون إلى جميع دول العالم من أمريكا وكندا وفرنسا وإسبانيا وغيرها، فكيف يمنعون من دخول تركيا؟ لا زلنا ننتظر تفسيرا.  يقول البعض ربما إن النظام قد أغلق مدارس الفاتح ويضغط على تركيا لكي ترد التحية بمثلها.