د. متوكل: العمل الإغاثي كان أهم أولوياتنا وآثرنا العمل في صمت في الأيام الأولى للفاجعة.. وهذا تقديرنا لما قبل وما بعد الزلزال (حوار)

Cover Image for د. متوكل: العمل الإغاثي كان أهم أولوياتنا وآثرنا العمل في صمت في الأيام الأولى للفاجعة.. وهذا تقديرنا لما قبل وما بعد الزلزال (حوار)
نشر بتاريخ

اعتبر الدكتور عبد الواحد متوكل في حوار أجرته معه بوابة العدل والإحسان حول الزلزال الذي ضرب مناطق متعددة في المغرب في الثامن من شتنبر 2023 أن فحص صور تلك المناطق التي ضربها الزلزال، والتقارير التي يتحدث فيها الأهالي عن أنفسهم، “نجد أننا أمام مناطق شاسعة جدا تعاني البؤس والهشاشة والإهمال”.

وتابع رئيس الدائرة السياسية حديثه فقال: “مؤلم جدا أنه بعد أزيد من ستين عاما من الاستقلال نجد أنه لا يزال في المغرب من يحمل المرضى والجرحى والنساء الحوامل والموتى على الحمير والبغال. وليتهم يجدون مكانا قريبا للإسعافات الأولية، أو سيارات مجهزة كافية لنقل الحالات الحرجة إلى حيث يؤمل وجود العناية المطلوبة”.

والعجيب الغريب، وما أكثر العجائب والغرائب في هذا البلد، يضيف متوكل: “هو أن هذه المناطق المنكوبة غنية بمواردها الطبيعية، من ذهب وفضة وكوبالت وغير ذلك، تحتكرها شركات لا نعرف عن شروط الاستغلال وعن المستفيدين الحقيقيين شيئا إلا ما يرشح من هنا وهناك. فلا شك أن مناطق بهذه الهشاشة في أوضاعها العمرانية وبنياتها التحتية ستكون معرضة لأخطار كبيرة جدا إن تعرضت لهزات أرضية وفيضانات أو غير ذلك”.

واعتبر متوكل أن الجماعة آثرت العمل الميداني المستعجل والمكثف والدؤوب في هدوء تام وبعيدا عن الأضواء “كان موقفا اتخذناه بتقدير منا وعن قصد. فمنذ اللحظات الأولى عقدنا اجتماعا طارئا وتدارسنا الموضوع من كل جوانبه، وخرجنا بمجموعة من التوجيهات وصلت في الحين إلى إخواننا وأخواتنا في كل المناطق، ولاسيما القريبة من الجهات المتضررة”. وشدد على أن الأولوية كانت: “للعمل الإغاثي والإنساني، وأن لا نحرص على لافتة ولا عنوان، وأن نعمل في هدوء، لأن المصاب جلل، والحالة حالة استعجال قصوى تطلب عملا لا كلاما، وأن نقوم بمبادرات خاصة لإرسال ما تيسر من معونات أو نشترك مع من لديه الاستعداد للاشتراك، وأن نعتمد كل الطرق المشروعة والامنة لإيصال ما تيسر من دعم للمتضررين”.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

1.      تابعتم ككل المواطنين واقعة الزلزال الذي هز المغرب قبل أسبوعين، بداية كيف عشتم اللحظة على المستوى الشخصي والعائلي وفي محيطكم القريب؟

كنت جالسا في غرفتي، منهمكا في بعض أشغالي، وفجأة تحركت الأرض من تحتي، واضطرب أثاث البيت بقوة. أدركت على الفور أنها هزة أرضية، فأخبرت زوجتي ومن كان حاضرا معنا في المنزل من أفراد العائلة الذين كان بعضهم يتساءل حول ما يجري، هل اهتزت الأرض فعلا أم إنما خيل إليهم ذلك؟ ثم علا ضجيج الناس بالأزقة والشوارع، وخرجنا إلى باب المنزل كما خرج الجيران. وقف الناس في مجموعات صغيرة، يحكي بعضهم لبعض كيف عاش تلك اللحظات، وماذا كان يصنع وبم أحس وكيف كان رد فعله لما أيقن أنه زلزال. وعجبت كيف تعبر غريزة حب البقاء عن نفسها لدى الإنسان من خلال سلوكيات أحيانا غاية في السذاجة. قضى كثير من الناس ليلتهم خارج مساكنهم، قريبا منها أو وسط الأزقة والشوارع. وأين سيقضون الليلة الموالية والتي بعدها والتي بعدها؟ وهل كانت تلك الأماكن آمنة فعلا؟ تذكرت قول الله جل وعلا: “قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”. لا أعيب على أحد اللجوء في مثل هذه الظروف إلى الملاذات الآمنة، ولكن التماس النجاة في أي شيء وإن كان لا ينجي هو المثير للاستغراب. ثم بدأت الإشاعات، كما هي العادة في مثل هذه المناسبات، عن هزة جديدة مرتقبة وتكون أقوى من الأولى، وقد تحدث بذلك، تقول الشائعة، العالم الفلاني والخبير الفلاني الذي لا يخطئ في توقعاته. لم ألتفت إلى شيء من هذه الترهات. بعد حوالي ربع ساعة، دخلت أنا وزوجي المنزل. وبينما ذهبت هي لتستريح لعياء كان بها، بقيت في تواصل مع عدد من الإخوة والأقارب إلى وقت متأخر من الليل لأعرف المدى الذي بلغه الزلزال وقوته وعن المناطق المتضررة وحجم الأضرار التي وقعت بها. انتابني شعور ساعتها أن المغرب ربما يكون قد حلت به كارثة حقيقية، وهو ما سيتأكد فجرا.

2.      ما المعاني الأولى التي تبادرت إلى ذهنكم واستقرت في قلبكم عن الزلزال وأبعاده، وعن كيفية تعامل المؤمن مع مثل هذه الظواهر القاهرة؟

لعل أول ما يتبادر إلى الذهن في مثل هذه الظروف هو هذا التناقض بين ما هو عليه الإنسان حقيقة وما قد يدعيه من دعاوٍ عريضة ويركبه من صلف وغرور. حتى إذا جاء الفزع رجع إلى حقيقته وكبر وهلل وحسبل واسترجع. لقد كانت هزة لثوان معدودات وبدرجة معينة كافية ليخرج الناس مسرعين إلى الساحات والطرقات التماسا للنجاة، وليكتشف الإنسان مرة أخرى إن نسي، وكثيرا ما ينسى، أنه مخلوق ضعيف لا حيلة له ولا قوة أمام قدرة الله العزيز الجبار. وحري بالمؤمن العاقل أن يعرف أن الموت لا يكون بالكوارث وحدها، وإنما بها أو بدونها، وأن يكون بالتالي دائم الاستعداد. فالموت لا يأتي إلا بغتة، ولا فرصة للنجاة أو الإمهال لمن حلت ساعته. وكم من الناس من كانت له آمال وبرامج في اليوم الموالي للزلزال، فقضوا ولم يتمكنوا من تحقيق مآربهم. ومن الناس من يسوف التوبة، ويرجئ الإقلاع عن الذنوب حتى إذا أدركته المنية فجأة، ضاعت منه الفرصة إلى الأبد. وهل تنفع يوم القيامة يا حسرتى ويا ليتني… من هنا نعلم أن الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية، هي من آيات الله التي تذكرنا بعظمة الله وقدرته التي لا حدود لها، وكيف أنه قادر على أن يخسف الأرض بما فيها ومن فيها في ثوان فيذرها قاعا صفصفا كأن لم يمش على ظهرها مخلوق قط. وحري بنا أن نعتبر بهذه الآيات وأن نبادر إلى التوبة، ونعقد العزم على إعمار الأرض بالخير والصلاح، وأن نتعاون جميعا لنأخذ على أيدي الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويجورون ولا يقسطون، وأن ننشر الأمن والسلام والإخاء بين العباد.

3.      مباشرة بعد انجلاء غبار الزلزال مع بزوغ الأشعة الأولى لشمس السبت، هب الجسم المغربي تداعيا إلى عضوه المصاب في الحوز وشيشاوة وتارودانت وتلك الدواوير والمناطق المنكوبة. كيف تابعتم وقرأتم هذا التضامن الذي أبهر العالم؟

بالفعل لقد كان تضامن المغاربة مع إخوانهم في المناطق المنكوبة رائعا، وزاد من روعته أنه كان سريعا وكثيفا. أقبل الناس بعفوية، وتنافسوا في تقديم ما يستطيعون لإغاثة إخوانهم الذين حل بهم البلاء. وقد كانت هناك مشاهد مؤثرة جدا لنساء ورجال ترى من حالهم أنهم يعيشون الفقر المدقع، ومع ذلك جاءوا ليساهموا بما استطاعوا من مواد غذائية وغيرها. والقصص في هذا الباب كثيرة سمعناها من ثقات، فضلا عما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المسارعة للدعم لم تأت من فراغ، وإنما هي أثر من أخلاق الإسلام الراسخة في أعماق قلوب المغاربة، ورثوها أبا عن جد، ورضعوها من ألبان أمهاتهم المؤمنات الصالحات، وعرفوا منذ صغرهم وفي أحضان أسرهم المؤمنة قيمة إغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، وأن من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وأن الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. للأسف الشديد هذه الأخلاق والقيم السامية التي حفظت للمغاربة أصالتهم وللمجتمع تماسكه ومتانة أواصره، وهي التي تصنع التلاحم في أوقات الشدة، وتكون عادة وراء أرقى صور التضامن عند الحاجة، أصبحت مستهدفة، ويعتبرها البعض من تراث الماضي المتخلف، ليفتح بذلك الباب لقيم الأثرة والجشع و”أنا ومن بعدي الطوفان”. وسبحان الله كيف يود بعضهم بجهله أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. ولله في خلقه شؤون.

4.      في الوقت الذي سجل الجميع هذا الحضور الطاغي للشعب بشرائحه المختلفة وعلى امتداد كل مدنه، اختلفت التقديرات حول نوع وزمن وطبيعة تحرك الدولة بأجهزتها المختلفة للتعامل مع الزلزال والحد من خسائره. بعد أزيد من أسبوعين، ما تقييمكم لتعاطي السلطة المغربية مع الزلزال وتداعياته؟

في الحقيقة لما تأكدت لنا أخبار الدمار الواسع الذي أصاب مناطق الحوز وشيشاوة وتارودانت وغيرها من الدواوير والمداشر، أدركنا أن من بقي على قيد الحياة من هذه المناطق سيكونون أمام نكبة مضاعفة. فهناك الزلزال الذي ضرب تلك المناطق وسوى دواوير بأكملها بالأرض، وما خلف ذلك من ضحايا نحسبهم من الشهداء رحمهم الله، وجرحى وأيتام وأرامل ودمار للممتلكات على تواضعها، والنكبة الأخرى هي التدبير السيء المتوقع بل المؤكد للدولة للتصدي لمخلفات هذه الكارثة. لقد كان سوء التدبير متوقعا، وكلنا يتذكر جائحة كورونا وكيف كان تعامل النظام معها. فلا غرابة أن ينحو نفس المنحى مع كارثة الزلزال. والذي فشل في تدبير قضايا أقل خطرا، كيف تنتظر منه أن يفلح في التعامل الجيد مع كارثة خطيرة مثل الزلزال. فالكل يتحدث عن تأخر الدولة في التجاوب المطلوب، والتباطؤ غير المبرر، وغياب الفعالية والمهنية، وعن عدم استعمال الأجهزة المناسبة وفي الوقت المناسب لإنقاذ الذين كانوا تحت الأنقاض، أو إسعاف الجرحى، ولاسيما الذين كانوا في ظروف حرجة، أو توفير الضروريات الأولية لمواساة الأحياء ومساعدتهم على تجاوز الصدمة. والقصة لم تنته بعد، وإن كان ما بلغنا يبكي بل يدمي القلب. ولولا الهبة الشعبية المباركة والسريعة التي انخرط فيها المغاربة لكانت الكارثة أشد مما هي بالفعل.

5.      لوحظ أنه وبعد النداءات الأولى التي صدرت عنكم، سواء في الأمانة العامة أو قطاع الصحة أو الشبيبة، التزمتم الصمت، عدا ما تنشره منصاتكم الرقمية. والسؤال هنا هو: لماذا لم تظهر تلك النبرة الرافضة والخطاب النقدي لفعل السلطة وتحركها في الميدان، والذي يراه البعض أنه متباطئ ولا يتناسب مع الحادث؟

الصمت مقابل العمل الميداني المستعجل والمكثف والدؤوب كان موقفا اتخذناه بتقدير منا وعن قصد. فمنذ اللحظات الأولى عقدنا اجتماعا طارئا وتدارسنا الموضوع من كل جوانبه، وخرجنا بمجموعة من التوجيهات وصلت في الحين إلى إخواننا وأخواتنا في كل المناطق، ولاسيما القريبة من الجهات المتضررة. ومن أبرز هذه التوجيهات أن نمسك في الأيام الأولى للفاجعة عن التعرض للسلطة بالنقد أو اللوم وأن تكون الأولوية للعمل الإغاثي والإنساني، وأن لا نحرص على لافتة ولا عنوان، وأن نعمل في هدوء، لأن المصاب جلل، والحالة حالة استعجال قصوى تطلب عملا لا كلاما، وأن نقوم بمبادرات خاصة لإرسال ما تيسر من معونات أو نشترك مع من لديه الاستعداد للاشتراك، وأن نعتمد كل الطرق المشروعة والامنة لإيصال ما تيسر من دعم للمتضررين. لقد قدرنا، وقد لا يتفق معنا بعضهم، أن الكلام في تلك اللحظة بالذات عن أداء الدولة وأجهزتها المعنية، أو تقييم قرارها الرافض لإعلان المنطقة منكوبة، أو مسألة المعونات الدولية أو غير ذلك فهو لا يفيد المتضررين شيئا، وأن حاجات الناس الملحة والمستعجلة هي الحصول على شربة ماء أو قطعة خبز أو دواء لإيقاف جرح نازف، أو لتسكين ألم عظام مكسورة إلى حين، أو أغطية لمن أصبحوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

6.      ما الدروس الكبرى التي ينبغي على الجميع، دولة ومجتمعا وفاعلين، استخلاصها من “زلزال الحوز”؟ وكيف يمكن البناء عليها لمستقبل أفضل لكل أبنائه خاصة أولئك المهمشين في المغرب العميق، والذي كشف زلزال الحوز معاناة مئات الآلاف منهم؟

الزلزال وأمثاله من الكوارث من الابتلاءات التي يبتلى بها العباد لحكمة يعلمها الله عز وجل. وهو يقع في كثير من البلاد، ويخلف ضحايا وأضرارا تقل أو تكثر بحسب كل حالة. ونحن لا نعترض على قدر الله عز وجل، لكن التقييم والملاحظة أو الاعتراض، إن كانت له دواع، يقع على ما يدخل في دائرة مسؤولية البشر. فهل قام الذين يتولون تسيير شؤون البلاد بهذه المسؤولية على الوجه المطلوب أم لا؟ هذا هو السؤال. فإذا ما تفحصنا صور تلك المناطق التي ضربها الزلزال، والتقارير التي يتحدث فيها الأهالي عن أنفسهم، نجد أننا أمام مناطق شاسعة جدا تعاني البؤس والهشاشة والإهمال. مؤلم جدا أنه بعد أزيد من ستين عاما من الاستقلال نجد أنه لايزال في المغرب من يحمل المرضى والجرحى والنساء الحوامل والموتى على الحمير والبغال. وليتهم يجدون مكانا قريبا للإسعافات الأولية، أو سيارات مجهزة كافية لنقل الحالات الحرجة إلى حيث يؤمل وجود العناية المطلوبة. والعجيب الغريب، وما أكثر العجائب والغرائب في هذا البلد، هو أن هذه المناطق المنكوبة غنية بمواردها الطبيعية، من ذهب وفضة وكوبالت وغير ذلك، تحتكرها شركات لا نعرف عن شروط الاستغلال وعن المستفيدين الحقيقيين شيئا إلا ما يرشح من هنا وهناك. فلا شك أن مناطق بهذه الهشاشة في أوضاعها العمرانية وبنياتها التحتية ستكون معرضة لأخطار كبيرة جدا إن تعرضت لهزات أرضية وفيضانات أو غير ذلك.

وإذا كنا في الجانب القدري لا نملك إلا التسليم والرضى بما قضى الله وقدر، فإن الأمر يختلف فيما يدخل في دائرة الكسب والمسؤولية البشرية التي تخضع للمساءلة والمحاسبة. لذلك ينبغي أن يسأل كل مسؤول عن مسؤوليته، هل قام بالمتعين أم أهمل وضيع؟  كان عمر رضي الله عنه يخشى أن يسأل عن بغلة عثرت لم يعبد لها الطريق. ماذا لو علم أنه سيأتي زمان يعيش آلاف من الناس العزلة والبؤس والهشاشة، فلا طرق معبدة، لا للإنسان ولا للحيوان، ولا مستشفيات مجهزة، ولا مدارس ملائمة، ولا نجدة فعالة عند الحاجة. ولئن كان هذا الزلزال قد خلف ضحايا وآلاما، فإنه من ناحية أخرى كشف عن حجم الإهمال الذي تعاني منه تلك المناطق وحجم الفساد وآثار الحكم غير الرشيد. فالدرس المهم الذي يمكن أن نستخلصه والذي أكدته هذه المأساة هو أنه لا استقامة لأحوال الناس المادية والمعنوية، لا في البوادي ولا في الحواضر، ولا في الجبال ولا السهول، إلا بالحكم العادل والتدبير الرشيد، وهو ما يزال أملا يتطلع إليه المغاربة.

7.      لقد أعلنت الدولة مجموعة من الإجراءات لإعادة إعمار تلك المناطق وتعويض المتضررين. فهل تتوقعون أن تنتهي محنة الناس هناك سريعا وتتحسن أحوالهم بأفضل ما كانت عليه قبل الزلزال؟

لدي تخوف شديد، أرجو أن لا يكون في محله، وهو أن محنة الناس هناك قد تطول. نعم لقد اتخذت الدولة مجموعة من القرارات، بصرف النظر عما إذا كانت كافية أو غير كافية، لكن السؤال هو هل ستكون الطريق سالكة لتنفيذها سريعا؟ فالكل يعرف كيف هي أحوال الإدارة وتعقيداتها، وقلة كفاءة بعض أطرها وعدم استقامة آخرين، وعن حجم الفساد المعشش في دهاليزها. فهل يمكن أن نتصور أنها بهذه الأعطاب ستكون في مستوى المسؤولية، وخلافا للمعهود، ستكون على درجة عالية من النجاعة والفعالية؟ أشك في ذلك. ومرة أخرى أقول أرجو أن أكون مخطئا. هذا إذا كان المطلوب فقط هو أن تعود الأحوال إلى ما كانت عليه قبل الزلزال، أما إذا رفعنا السقف، ويجب أن نرفعه، فإن الأمل في القيام بما يلزم لتوفير شروط حياة كريمة يبقى في تقديري ضعيفا جدا. وإذا ظهر العجز وسوء التدبير، وبدأ النقد واللوم يأتي من هنا وهناك، فإن المخزن سيلجأ إلى أسلوبه المعهود، ويخرج من جعبته ملفا أو ملفات يفتعل بها نقاشا مغلوطا، يشغل به الناس ويصرف أنظارهم عن متابعة مأساة استفحلت مع الزلزال، ولا ندري كم ستستمر. أسأل الله صادقا أن تتنزل الرحمة في قلوب المسؤولين، وأن يأخذوا الأمر بجد، وينهوا محنة سكان تلك المناطق في أقرب وقت ممكن، مثلما فعلت دول أخرى، حيث أعادت الإعمار بعد الزلزال في وقت قياسي. فكل شيء ممكن إذا صح العزم وخلصت النيات.