د. عطوش: مشروع قانون المالية 2014 بين الإصلاحات والإكراهات

Cover Image for د. عطوش: مشروع قانون المالية 2014 بين الإصلاحات والإكراهات
نشر بتاريخ

تسليطا للضوء على مشروع قانون المالية لسنة 2014 الجاري حوله النقاش، أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الدكتور هشام عطوش، منسق وحدة الاقتصاد بالمركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، حول مجموعة من القضايا الهامة، منها: أهمية قانون المالية، والخطوط العريضة لمشروع المالية 2014، والإجراءات التي قد تمس بالقدرة الشرائية للفئات الاجتماعية المهمشة، ومدى الخضوع للجهات المانحة الدولية… وغيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة الواردة في المشروع.

فإلى نص الحوار:

ما هي أهمية قانون المالية ليحظى بهذا القدر من الاهتمام والنقاش العمومي؟

يستمد قانون المالية، تقليديا، أهميته من كونه الترجمة السنوية للسياسة العامة للدولة في شتى المجالات. وإذا كانت قوانين المالية لسنتي 2012 و2013 طبعتها في الظاهر السياسة الإرادية التي سرعان ما انقلبت في منتصف السنتين لتعتيم وتعميم وتعويم من خلال إشكالية إيجاد التمويل وتقليص الاستثمارات والقرارات الفجائية خاصة تلك المتعلقة بالزيادة في المحروقات، فإن مشرع سنة 2014 أهميته مستمدة من ثلاث اعتبارات: تغير تركيبة الأغلبية والمعارضة؛ وانتظارات الربيع المغربي التي لم تتحقق بعد؛ وضرورة تنزيل مقتضيات دستور 2011.

فما هي إذا أهم الخطوط العريضة والمعالم لمشروع قانون المالية 2014؟

الميزة الأساسية لمشروع قانون المالية 2014 هو المنحى التقشفي المعلن، ومحاولة كبح عجز الميزانية والذي يظهر من خلال الاحتفاظ بنفس الحجم العام للميزانية لسنة 2013 على الرغم من أن التحديات في السنة القادمة أكبر. وهذا القرار كان يجب أن يتم منذ سنتين عوض إظهار الإرادة ثم التراجع عنها مثلا بإلغاء 25% من النفقات الاستثمارية المبرمجة بميزانية الدولة لسنة 2013 وعدم إنجاز سوى 30% من الباقي متم شتنبر.

الميزة الثانية هو أن المشروع يبشر بسنة سداد المديونية بامتياز 57,3 مليار درهم (أي بزيادة 46% مقارنة ب 2013) مع استقرار نفقات التسيير في 199 مليار وتراجع الاستثمار العمومي في ميزانية الدولة بحوالي 10 مليار درهم مقارنة ب 2013. وإذا كانت نفقات الاستثمار للمنشآت والمؤسسات العمومية سيرتفع (126 مليار درهم) فذلك لا يعني بالضمن ارتفاع مساهمتها في موارد الدولة (تراجع مداخل الاحتكارات والمساهمات ب 13,7% مقارنة ب 2013).

الميزة الثالثة هو تراجع التوظيف العمومي فبعد 26084 سنة 2012 و24290 سنة 2013 فلن يتعدى عدد المناصب المالية 17975 منصب خلال سنة 2014.

الميزة الرابعة تخص الموارد والتي ستنخفض بما يناهز 7% مقارنة ب 2013. ومن المتوقع أن تستمر الحكومة في اعتمادها على تضريب نفس الطبقات الاجتماعية بل والزيادة في الضغط الضريبي عليها من خلال توسيع الوعاء الضريبي للضريبة على القيمة المضافة، في الوقت الذي تتراجع فيه موارد الرسوم الجمركية إلى 7,7 مليار درهم مقابل 9 مليار درهم سنة من قبل. هنا لابد من الوقوف عند تراجع إمكانيات الاستدانة ب 23% مقارنة ب 2013.

الميزة الخامسة هو اعتبار القوانين التنظيمية استكمالا لبناء الهياكل المدسترة والإجراءات التقنية الجزئية في بعض المجالات وعلى رأسها المقاصة والتقاعد والإصلاحات الهيكلية.

والميزات الجزئية كثيرة لا يتسع المجال لذكرها كلها. وحتى لا نغرق القارئ في الأرقام التي يمكن أن تتغير إما بعد المناقشة في البرلمان أو عند دخول قانون المالية حيز التطبيق، فإن وزراء الحكومة الثلاثين التي تصدعت صفوفها لستة أشهر وكذا مسؤولي الحزب الذي رمم الأغلبية والتحق بالحكومة الحادي والثلاثون صرحوا غير ما مرة أن الزمن السياسي لا يسمح بتغيير الوجهة. معنى ذلك أن مشروع 2014 سيبقى على نفس سكة سابقيه مع اعتماد آلية البرامج وتغيير مواقع هذه البرامج في المذكرة التقديمية بحيث أصبحت الإصلاحات على رأس القائمة عوض الحكامة ودعم الطلب سنة 2012 واستعادة التوازنات سنة 2013.

الخطوط العريضة للمشروع يمكن تلخيصها في توجهات ثلاثة: الاستمرار في المشاريع الكبرى ونفس الاستراتيجيات القطاعية، ومواصلة تضريب الطبقات المتوسطة عوض سن الضريبة الاجتماعية على القيمة المضافة، ووضع المستهلك النهائي خاصة الأسر خارج الحسابات وهو ما ينطبق على تضريب مدخلات قطاع الفلاحة وما يمكن أن تجره من زيادة في الأسعار، علما أن الضرائب المباشرة على كبار الفلاحين خاصة المصدرين تبقى مشروعة.

هل نفهم من ذلك أن هناك جديدا أتى به مشروع القانون المالي لهذه السنة؟

جديد مشروع قانون المالية لسنة 2014 هو إيلاء الأهمية لاسترجاع التوازنات الماكرو اقتصادية حفاظا على المظهر الخارجي للمغرب. ولا يجب التوهم بأن ما سطر في بداية مذكرة التقديم من إصلاحات سيتم في سنة واحدة بل إن مثلا إصلاح مقاييس نظام المعاشات لإخراجه من أزمته كما كان الشأن سنة 2013 مع نظام التغطية الصحية لدليل على هاجس إرجاء الحلول الفعلية لما بعد. ثم إن خفض نفقات المقاصة إلى 35 مليار درهم في انتظار ما سيسفر عنه الواقع هو دليل آخر على التوجه السالف الذكر.

الجديد أيضا هو الجو الذي سيناقش فيه المشروع والمتسم بالتشنج. ذلك أن القرار الأحادي الجانب لتطبيق المقايسة الجزئية من جديد بعدما كانت مطبقة ما بين 1996 و2000 نتج عنه امتعاض كل الأطراف (المعارضة، المهنيون، النقابات، جمعيات المجتمع المدني …). مثل هذا الجو يتعذر معه التشاور والإشراك والتوافق حول القرارات الاستراتيجية.

القديم الجديد هو بقاء الصناديق، “الحسابات الخصوصية للخزينة” والتي تشكل نفقاتها تقريبا 20% مقارنة بنفقات الميزانية العامة، خارج الرقابة البرلمانية في انتظار القانون التنظيمي الجديد للمالية والقانون التنظيمي لدور المعارضة والانتخابات الجماعية التي ستفرز مجلس مستشارين في حلة جديدة.

سن ضريبة فلاحية والرفع من الضريبة على القيمة المضافة لبعض المنتجات والخدمات وتخفيض ميزانية صندوق المقاصة وغيرها ألا تشكل ضربا للقدرة الشرائية للمواطن ومسا بالقطاعات الاجتماعية الهشة أصلا؟

الحديث عن القدرة الشرائية يجب بداية ربطه بالزيادة في أسعار المحروقات لمرتين في يونيو 2012 وشتنبر 2013. وقد أظهرت تقارير المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب وصندوق النقد الدولي الأثر السلبي المتوقع لمثل هذه القرارات، والتي كان من الممكن إيجاد حلول أخرى لها من قبيل مراجعة تركيبة سعر المحروقات والمكون من 3/4 من الضرائب وهامش الربح المضمون للشركات.

ثانيا توقع 4,2% كمعدل نمو أخذا بعين الاعتبار ظروف 2013 يبقى ممكنا، لكن السؤال الجوهري هل يستفيد الكل خاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة من عائدات هذا النمو؟ الأرقام على أهميتها ومهما كانت إيجابية لا تعني بالضمن تحسن عيش كل المواطنين. وهنا أستحضر قاعدة ذهبية أن المعدلات لا معنى لها إذا كان الرأس في الثلاجة والأرجل في الفرن. كما أن هطول الأمطار والحمد لله والتي لا يمكن إدخالها في النماذج الرياضية والقياسية تغير كل المعطيات.

والمتتبع لتصريحات بعض المسئولين في الحكومة السابقة والحالية والمحلل للقرارات المتخذة في كل قوانين المالية لما بعد 2011 بما فيها المشروع الحالي يستشف أن هناك ندم على الالتزامات التي قامت بها الحكومة التاسعة والعشرون خاصة في إطار الحوار الاجتماعي لـ26 أبريل 2011. فمع مرور السنوات استنزفت الزيادة التي تقررت في الأجور والمعاشات بفعل الرسوم التضامنية ورسوم التسجيل والضريبة على السيارات والزيادة في المحروقات ومساهمات التغطية الصحية وما يستقبل من زيادات في الضريبة على القيمة المضافة والزيادة في مقاييس التقاعد والتغير الذي يمكن أن تعرفه أسعار كل السلع خاصة الفلاحية إذا ما طبقت الضرائب على جل مدخلات القطاع الفلاحي.

إن القدرة الشرائية هي أحوج ما تكون أكثر من أي وقت مضى للدعم لأن النموذج الاقتصادي المغربي ينبني عليها كما أنها مصدر ثقة للمواطنين.

تجدر الإشارة أن مهنيو الفلاحة الذين اعتبروا أنفسهم لم يستشاروا في القرار الذي جاء به المشروع قد شكلوا لجنتين للدفاع عن مكتسباتهم لدى البرلمان والضغط من أجل مراجعة قرار الحكومة. أما المواطن العادي المغلوب على أمره فلا حاجة له في الانتظار إذا ما علمنا أن القرارات التي جاءت بها الحكومة بشأنه سنتي 2012 و2013 قد مرت كما هي. خلاصة الأمر في غياب السلم المتحرك للأجور، المواطنون المؤدون لـ80% من الضرائب سيرون أجورهم الحقيقية تتدنى ومعها القدرة الشرائية.

تزامن إعداد مشروع قانون المالية مع تقرير صندوق النقد الدولي الذي طالب المغرب ب “تسريع الإصلاحات الهيكلية، خلق فرص العمل، الحد من ارتفاع معدلات البطالة، تحسين مناخ الأعمال والإدارة الاقتصادية، الشفافية والمساءلة وتطبيق القانون، تحسين القدرة التنافسية”. هل توجد مؤشرات واضحة لرجع صدى التقرير في مشروع القانون؟ وألا يعتبر هذا تكريسا لتبعية المغرب للجهات المانحة الدولية؟

رأيي في هذا الموضوع هو مخالف شيئا ما لما يروج له من أننا نخضع فقط للإملاءات الدولية. صحيح أن المنظمات الدولية لها دراية ودربة وتأثير لكن في نفس الوقت نجد أن تقاريرها غالبا ما تقبض العصا من الوسط. مثلا البرلمان الأوربي أصدر مؤخرا تقريرا يشيد فيه بالمجهود الإصلاحي للمغرب. وصندوق النقد الدولي الذي يطالب اليوم بتسريع الإصلاحات خاصة المقاصة هو نفسه صنف المغرب سنة من قبل أفضل بلد إصلاحي في العالم. أما المنظمات غير الحكومية فغالبا ما صنفت المغرب في مراتب متأخرة في الرشوة والحرية الاقتصادية والاستعباد الحديث والتنافسية والابتكار …

لا يفوتنا هنا التذكير بأن الخط الائتماني المفتوح للمغرب إنما هو عبارة عن تأمين عن المخاطر الاقتصادية والذي في حال اللجوء إليه سيظهر هشاشة الاقتصاد ومن تم سيخفض تنقيط المغرب ويفر الرأسمال الأجنبي الجبان.

إن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكو من وجود دارة اقتصادية مفتوحة والتأخر الحاصل في تنزيل جملة من الإصلاحات الهيكلية هو ما يدفع الحكومة والبرلمان خاصة المعارضة لإعطاء مشروع قانون المالية 2014 هالة خاصة. ولنقل الأمور بكل وضوح إن المؤسسات الدولية هي تلك الشماعة التي يختبأ وراءها متخذو القرار لتمرير قرارات هم في الأصل ساهموا قبليا في صياغاتها خلال الاجتماعات المغلقة السابقة لإصدار أي تقرير.

حسب مشروع المالية فإن ميزانية التسيير بقيت على حالها في حدود 199 مليار درهم، في حين عرفت ميزانية الاستثمار في ميزانية الدولة تقليصا. هل سيؤثر ذلك على الوضع الاقتصادي في المغرب؟

سبق وبينا أن استقرار ميزانية التسيير في نفس مستوى 2013، وتراجع نفقات الاستثمار في ميزانية الدولة دون الأخذ بعين الاعتبار على الأقل بتأثير التضخم وأمام ارتفاع خدمة الدين وتقليص نفقات المقاصة والمناصب المالية، سيضرب مقومات النمو الاقتصادي بالمغرب أي الاستهلاك النهائي للأسر وكذا الطلب العمومي الذي اعتبره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قاطرة للتنمية بالمغرب.

هل كان ضروريا فرض الضريبة على القطاع الفلاحي ولو بشكل متدرج وما هي جدوى هذا التضريب؟

في اعتقادي، توقيت فرض الضريبة على القطاع الفلاحي هو غير مناسب في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر منها المغرب خاصة تذبذب معدل نمو جل القطاعات غير الفلاحية.

إن مثل هذا الإجراء وإن كان مشروعا في حق الملاك الكبار حتى أولئك الذين لا يستغلون الأراضي فهو لا يعتبر صائبا في حق مدخلات القطاع. لا ننسى هنا أن نصف المغاربة تقريبا هم في العالم القروي الذي لا زال يشكو من ضعف التجهيزات وأي رجة في قطاع الفلاحة ستتسبب فيما ستتسبب فيه في الهجرة نحو المدن.

حسب وزير المالية فإن هذا المشروع يهدف إلى استكمال البناء المؤسساتي والتشريعي وتسريع وتيرة الاصلاحات الهيكلية، وإعادة التوازن للمالية العمومية، وبعث الثقة لدى الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين والدوليين. هل في نظركم تمكن هذا المشروع من خلال بنوده من مقاربة هذه الأهداف؟

إذا كان استكمال البناء المؤسساتي يعني إصدار كل القوانين التنظيمية العالقة فذلك ممكن. أما الأوراش الحيوية من قبيل الجهوية وباقي مؤسسات الحكامة التي لم ترى النور بعد وهيكلة المحكمة الدستورية وتوسيع صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات والإصلاح الجذري للعدل والمقاصة وأنظمة التقاعد ونظام الضرائب والتعليم في نسخته الثانية، إلخ. فلا يبدو لذي عقل تتبع مجريات السنتين الأخيرتين أن يعتبر ذلك ممكنا في سنة واحدة.

التوازنات الماكرو اقتصادية المرتبطة بالتنافسية ليس من المتوقع أن تتحسن رغم ما ذهب إليه المشروع، لكن عجز الميزانية إذا ما طبقت السياسة التقشفية المنصوص عليها في المشروع فلا محالة سيعرف انخفاضا.

حتى لا يعتبرنا القارئ سوداويين هناك منجزات كمية منتظرة لكنها لا تفي بالغرض الذي من أجله ناضل المغاربة سنة 2011، والظاهر أن ثقل الإكراهات الهيكلية الجاثمة على الاقتصاد منذ عقود لازالت تقف أمام أي مسلسل للتغيير والإصلاح.