في حلقة جديدة من برنامج “فاسأل به خبيرا” في قناة الشاهد، قدم الدكتور رشدي بويبري، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، رؤية شاملة عن موقع التربية الإيمانية الإحسانية في معالجة التحديات اليومية التي تواجه الإنسان، من ضغوط نفسية وانفعالات حادة كالغضب والإحباط، أو حالات الفتور الإيماني التي تطرأ في سياق الحياة المعاصرة.
الصراع بين “واقع” الأهواء والرغبات و”مثال” بلوغ الكمال
وأكد الدكتور بويبري أن الإنسان كائن متنازع، يعيش صراعا دائما بين ما هو عليه وما ينبغي أن يكون عليه، بين الواقع والمثال. وبين أن هذا الواقع يتجسد فيما هي عليه شخصية الإنسان وما يعتمل داخلها من أهواء وطموحات ورغبات، بينما المثال هو ما انتدب الله تعالى الإنسان ليبلغه من كمال معرفي وخلقي، يتمثل في معرفة الله والتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأضاف أن هذه الطموحات والرغبات كانت في التاريخ البشري تلقائية وعفوية، ناتجة عن تفاعل بسيط مع واقع بدائي، لكننا اليوم نعيش في زمن صارت فيه الأهواء والرغبات صناعة، بل وأصبحت صناعة الأهواء وتوجيه الطموحات والسلوكات قاعدة عامة تتحكم في الإرادة البشرية وتسير الإنسان، والمسلم ليس بمعزل عن هذا الواقع.
التربية الإيمانية الإحسانية: خطاب إلى الأعماق
وفي خضم هذا التنازع الذي يعيشه الإنسان بين ما هو عليه وما ينبغي أن يكون عليه، تأتي التربية الإيمانية الإحسانية لتخاطب أعمق ما في الإنسان، تخاطب دوافعه الباطنية لتوجيهها نحو النموذج الاعتقادي والأخلاقي والسلوكي الذي رسمه القرآن الكريم وشرحته السنة النبوية، وقد تجسد عمليا في جيل الصحابة ثم في أجيال ورثة النور النبوي.
وشدد المتحدث على ضرورة التربية الإيمانية الإحسانية، لأنها تنتشل المؤمن من وهدة الرغبة والشهوة والتيه في الأهواء، وترتقي به إلى مقام القرب من الله، مقام الطهارة والعفة، وكل المعاني الإيمانية والخلقية الرفيعة التي تجعل المؤمن محبوبا إلى ربه سبحانه وتعالى.
صناعة الجماعة: تربية تصوغ شخصية المؤمن
وأكد بويبري أن جماعة العدل والإحسان، ومنذ تأسيسها، جعلت من التربية الإيمانية الإحسانية حرفتها وصناعتها، فهي تربية تصوغ شخصية المؤمن وتنحتها لتقربها من المثال والنموذج الذي أراده الله عز وجل للإنسان.
وأوضح اعتماد الجماعة على مجموعة من الوسائل التربوية الفردية والجماعية لتؤثر في شخصية أبنائها وبناتها والمنتسبين إليها. وقال إن المؤمن حين ينتسب إلى هذه الجماعة، يبدأ مسارا طويلا تصاعديا متناميا من التربية التي تهذب شخصيته، وتعيد صياغة طبعه ونظرته للحياة، وللعلاقة بين الدنيا والآخرة، وللعلاقات الإنسانية ككل.
آليات التربية: بين الفردي والمؤسساتي
وفي حديثه عن الآليات العملية، فرق الدكتور بويبري بين مستويين أساسين في التربية؛ المستوى الفردي، الذي يرتكز على مبدأ التآخي بين المؤمنين والمؤمنات، ولبه التفقد والتحاب في الله، ثم المصاحبة والتوجيه والتعاون على طلب وجه الله والجهاد في سبيله، بما يعزز التقارب القلبي والفكري والسلوكي بين أعضاء الجماعة.
أما المستوى الثاني فهو الجماعي المؤسساتي، ويشمل جلسات تربوية إيمانية أسبوعية، ولقاءات شهرية للتداول في مواضيع وقضايا تسدد الفكر وتوجه السلوك، ثم الرباطات التي تعد محاضن إيمانية ينعزل فيها المؤمن، ولو زمنا محددا، عن الواقع المادي ليعيش أجواء الإيمان ويوم المؤمن وليلته بكليتها، فضلا عن الزيارات الإرشادية التي تتيح التقاء عموم الأعضاء مع قياداتهم، بهدف تعميق المحبة والفهم ومبدأ الصحبة.
الصحبة: جوهر التربية الإيمانية الإحسانية
وبين الدكتور رشدي أن الصحبة في الجماعة تعتمد على التشرب من المعين النبوي، عبر الارتباط القلبي بالإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، والارتباط بمن تربى على عينه وبصره، ومن أشرف على تربيته من كبراء الجماعة، ثم الجيل تلو الجيل من المؤمنين المربين داخلها.
وأضاف أن هذا التنوع في الوسائل التربوية يهدف إلى إحاطة المؤمن في كل لحظات حياته بالاحتضان والتوجيه وتسديد السلوك وتوجيه الفعل، لكي يبقى دائما على جادة الصواب. وذكر بأن الواقع لم يعد مجرد أهواء تلقائية، وإنما صار صناعة، مما يجعل مبادئ المصاحبة والمرافقة والاحتضان مداخل أساسية تنبني عليها التربية الإيمانية الإحسانية داخل الجماعة.
وختم الدكتور رشدي بويبري مداخلته بالتأكيد على أن جماعة العدل والإحسان تملك تاريخا طويلا وباعا واسعا في هذا المسار التربوي، مستشهدا بتجربتها المتجذرة، سائلا الله تعالى التوفيق والسداد.