أكد الدكتور عبد العلي المسئول عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ومنسق أعمال لجنتها المشتركة للنظر في مدونة الأسرة، أن الجماعة مع إصلاح المدونة باعتبارها اجتهادا بشريا في فهم النص والواقع وفي التنزيل.
الأستاذ المسئول في كلمة له باسم اللجنة في ندوة “مدونة الأسرة منطلقات وقضايا ومقترحات” يوم 21 يناير، في الجلسة الافتتاحية التي جمعته إلى جانب الأستاذة خديجة مستحسان والدكتور عبد الصمد الرضي، اعتبر أن الجماعة انخرطت في هذا الورش الإصلاحي “انسجاما مع روحها الدينية والوطنية، واهتماما منها بقضية تعد من أمّهات القضايا لدينا”، وبما أن الجماعة حركة مجتمعية، يقول المتحدث “كان حرياً بنا أن نُدلي بدلونا في هذا النقاش، ونبسطَ رؤيتنا للموضوع، وباختصار إنه انخراط أملته ضرورة آنية لا تقبل تأخير البيان عن وقته”.
وبينما شدد المسئول على أن الزوجية نظام ثابت في جميع المخلوقات بنص القرآن، شدد في المقابل على أن نكران هذه الحقيقة مُوقع في الاصطدام بالفطرة الإنسانية. موضحا أن الأسرة عندنا هي “ارتباط بين رجل وامرأة بميثاق غليظ شرعي مبني على المكارمة والمودة والرحمة والمحبة والاستمرارية والثقة المتبادلة والإحسان والعدل والتشاور والتعاون، مع احترام خصوصياتِ كلٍّ من الرجل والمرأة في تحمل المسؤوليات وتوزيعها بتوازن وتكامل”. وإذا اقتضى الحال وحُلّ هذا الميثاق يقول “فإن الشارع ندبنا إلى التسريح بإحسان ومعروف وعدمِ نسيان الفضل الذي كان وقت قيام الزوجية”.
وتابع الأستاذ الجامعي يقول: “يراد للأسرة الانسلاخُ عن الفطرة والقيم والأخلاق، والارتماءُ في أحضان الرذائل والموبقات والفواحش بدعوى المساواةِ والحداثةِ والحرية”. مشددا على أن الحلولَ المستنسخة من بيئات أخرى، والتلاعبَ بالمصطلحات واستعمالَها في غير ما وضعت له، لن يُفضي إلى تحرير ذواتنا وإصلاحِ أُسرنا بمعزل عن هويتنا ومرجعيتنا.
وفي إشارة منه إلى الاتفاقات والمعاهدات الدولية، اعتبر أن تشابك العلاقات بين الناس ثقافيا وحضاريا جعلتهم يرتبطون بهذه الاتفاقيات التي كان ينبغي لها “التركيزُ على المشترك الإنساني وتركُ خصوصيات الناس والبلدان جانبا يُفتون فيها حسب عوائدهم وأحوالهم وظروفهم وثقافاتهم، لا إعناتُهم وجبُرهم على الخضوع والانصياع لقوانينَ تتصادم وهُوِيتَهم”.
وانتقد المسئول ما تتعرض له البلدان من استخدام “سلاح المساعدات الدوليةِ إغداقاً على من سار في ركبهم ومنعًا لها لمن تنكب سبيلَهم”. وذكر موقف الجماعة المتفق “مع كل تواصل وتعاون عالمي، ومع المعاهدات والمواثيق الدولية شرطَ محافظتِها على الفطرة الإنسانية، وعدمِ تعارضها مع أصول ديننا وقطعياته ومع خصوصياتِنا الحضارية والثقافية. وكان المأمول من الدول والحكومات عدمَ الانصياع لما فيه مخالفة لهوية الشعوب ولدينِها وخلقِها”.
وبناء على هذه المنطلقات ذكر في كلمته نماذج من القضايا التي فصلت فيها اللجنة المشتركة، منها إباحة تزويج القاصر وتعدد الزوجات مع تقييدات محددة درءا لمفاسد عديدة. ومنها الدعوة إلى تقنين مؤسسة “الوساطة الأسرية” لتكون مرحلةً تمهيدية لمسطرة الشقاق قبل اللجوء إلى القضاء، مع التأكيد على إعادة النظر في الاجتهاد القضائي القاضي بحرمان طالبة التطليق للشقاق من حق المتعة.
وألمعت الجماعة، وفق المتخصص في علوم القرآن، إلى أن القول بقطع نسب ابن الزنى بإطلاق أو استلحاقِه بأبيه غير الشرعي بإطلاق “قولٌ غيرُ منسجم مع قاعدة اليسر الشرعي لطفا بالعباد من إيقاعهم في العنت والحرج”، لاعتبار أن الْحَرَج مَرْفُوعٌ بنص القرآن الكريم وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وفي الآن ذاته، يضيف المسئول، أن هذا القول غيرُ منسجم مع واقع يجنح فيه المفسدون إلى تفتيت نواة الأسرة والقضاءِ على بيت الزوجية، وتعويضِه بعلاقات خارج مؤسسة الزواج أو خارج الفطرة الإنسانية.
وأشار ضمن نماذج من القضايا التي ذكرها، إلى “ضرورةِ تجريم الزنى وإلحاق العقوبة بالمقترفين له”، و”إيجادِ بيئة حاضنة للمولود يشترك فيها الفاعلان ويتقاسمان تحمل مسؤولية فعلهما”، مع النظر عند الاستلحاق إلى “إمكانية تصحيح هذا الوضع من خلال إنشاء زواج صحيح بعقد شرعي”، ومؤكدا على “ضرورة رعاية الدولة ومؤسسات المجتمع المدني للأولاد غير الشرعيين وصيانتِهم وتوفيرِ الرعاية التربوية والأخلاقية والدينية لهم”.
وذكر الدكتور المسؤول في مداخلته أن هذه الندوة العلمية هي تتويج لعدد من اللقاءات التي عقدتها اللجنة المشتركة للنظر في مدونة الأسرة، والتي أصدرت وثيقتين تعلقت أولاهما بمنطلقات مؤسِّسة “نراها ضرورية لخوض غمار أي إصلاح. وكانت الثانيةُ مفصحةً عن وجهات نظرنا في عدد من القضايا التفصيلية”.
وأشار إلى أن اللجنة المشتركة مكونةً من ممثلين عن لجانِ الجماعة ومؤسساتها، من بينها: الأمانة العامة للدائرة السياسية، والهيئة العلمية، والهيئة العامة للعمل النسائي، ولجنة الأسرة والطفل، والقطاع النسائي، وقطاع المحامين والعدول، وبرعايةٍ وتوجيهٍ من مجلس إرشاد الجماعة.
ولم يفت المتحدث، أن يتوجه بتحية إكبار وإجلال للأسرة الفلسطينية الحاضنة للمقاومة، المتشبثة بقيمها وهويتها وأرضها، وهي التي أنجبت هذه السواعد المقاوِمَة الموجِعة للكيان الصهيوني. سائلا الله “أن يمكن لهم في الأرض وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ“.