د. أسامة حمدان: المقـاومة انتقلت من مرحلة استنزاف المحتـل إلى مرحلة تحرير الأرض

Cover Image for د. أسامة حمدان: المقـاومة انتقلت من مرحلة استنزاف المحتـل إلى مرحلة تحرير الأرض
نشر بتاريخ

بثت قناة الشاهد الإلكترونية ليل الخميس 2 نونبر 2023 ندوة ناقشت فيها الأبعاد الاستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى وتأثيراتها على مستقبل القضية الفلسطينية، والدروس المستخلصة من هذه المعركة على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والإدارة الاستراتيجية، استضافت لذلك كل من الدكتور أسامة حمدان القيادي في حركة المقاومة الإسلامية بفلسطين “حماس”، والدكتور منير شفيق مفكر وكاتب ورئيس المؤتمر القومي الإسلامي سابقا، والأستاذ محمد حمداوي، رئيس مكتب العلاقات الخارجية لجماعة العدل والإحسان، وسير الندوة عضو هذا المكتب الدكتور شعيب عاهدي.

آثر الدكتور أسامة حمدان، وهو يتحدث في المحور الأول عن الأبعاد الاستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى والتحولات التي أحدثتها على المستوى الجيوبولوتيكي إقليميا ودوليا، أن يضع بين أيدينا المشهد الذي سبق هذه العملية البطولية على الصعيد الفلسطيني والإقليمي والدولي.

على الصعيد الدولي، قال حمدان، إن الكل كان يتابع التحولات الدولية التي كانت تتم والتي عبرت عن نفسها في معركة أوكرانيا، والتي كشفت أن النظام العالمي القديم بدأ في التحول، وأن معادلة أحادية القطبية التي سادت في العالم بدأت في التراجع لصالح صعود أقطاب جديدة، وأن هذه المعركة كان من الطبيعي أن تكون من مآلاتها صعود أقطاب تنافس الإدارة الأمريكية في الدور على المستوى العالمي. وعلى المستوى الإقليمي كان هناك انعكاسات أساسية لعل من أبرزها السعي الأمريكي لتبرير الوضع في المنطقة ومحاولة بناء تحالف جديد يكون الكيان الصهيوني عضوا طبيعيا فيه، ويشكل بذلك محورا رافعا لهذا الكيان في منطقتنا بدل أن تظل الإدارة الأمريكية هي الراعي الوحيد لهذا الكيان. أما على الصعيد الفلسطيني فقد كان هناك جهد في صناعة تحولين مهمين:

أولهما- حكومة صهيونية جديدة تعلن أنها ستصفي القضية الفلسطينية وتنهيها، فهي تريد الاستيلاء على المسجد الأقصى وتهويد القدس وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة بحيث يصل مجموع ما تستولي عليه من الأرض أكثر من 60 في المائة من أرض الضفة، وهذا يحقق أمرين: كتلة بشرية إضافية يتجاوز تعدادها مليون مستوطن جديد، بحيث يبلغ عدد المستوطنين في الضفة قرابة المليونين في نهاية هذه الحملة الاستيطانية، وأيضا منع أي فرصة لقيام دولة فلسطينية باعتبار أن هذه الكتل الاستيطانية ستحاصر تماما الوجود الفلسطيني، صاحب ذلك أيضا تعزيز للجهد الأمني ودعم لأجهزة أمن السلطة بهدف أن تتحول إلى آلة أمنية مرتبطة بالاحتلال تنفذ أوامره، كما صاحبته تهديدات بتهجير مليوني فلسطيني كما قال وزير مالية العدو “سموتريتش” عندما قال إن أمام الفلسطينيين خيارين إما أن يرحلوا أو نقتلهم، وتشديد الحصار على غزة والبدء بقمع الأسرى بحيث يجري تصفية القضية الفلسطينية.

ثانيهما- مسار التطبيع في المنطقة، وهو المسار الذي كان عنوانا ومظلة لصناعة تحالف جديد في المنطقة يكون عماده مجموعة من الدول العربية، لاسيما بعد أن فشل التطبيع مع الإمارات في أن يشكل رافعة تجلب معها دولا عربية إضافية للتطبيع مع الاحتلال. على أن يكون هذا التطبيع واجهة لمحور جديد في المنطقة؛ يتحالف مع الاحتلال، يتكئ إليه ويجعل منه كيانا طبيعيا في المنطقة، ويقول المبررون لهذا التحالف إن هذا الكيان يملك قوة عسكرية ضاربة توفر الحماية للحلفاء، ويملك قدرة أمنية عالية تمكن الحلفاء من القيام بخطوات استباقية ضد الخصوم، كما أنه متطور على صعيد التكنولوجيا والاقتصاد ما يمثل خدمة عظيمة للمتحالفين.

بناء على كل هذه الحيثيات، اعتبر القيادي البارز في حركة حماس، أن عملية طوفان الأقصى في أبعادها الاستراتيجية:

1- أسقطت أن يكون الكيان الصهيوني كيانا طبيعيا في المنطقة، وكشفت أنه كيان محتل وأن الشعب الفلسطيني ما زال يقاومه، وأن كل عمليات التسوية لم تفت في عضد المقاومة ولم تهزم إرادة الشعب الفلسطيني بالتحرر وإنهاء الاحتلال على أرضه ووطنه.

2- أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد.. وعاد الحديث عن كون الفلسطينيين أصحاب حق ولابد أن يُعطوا حقهم، بغض النظر عن سلوك الإدارة الأمريكية التي تحاول الالتفاف على الحقوق الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني، لكن على الأقل بدا هناك تسليم كامل أنه ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم فلا استقرار في هذه المنطقة.

3- أن هذه العملية قالت للمراهنين على قدرة الكيان الصهيوني العسكرية والأمنية والاقتصادية والعلمية أن هذا الكيان أكثر هشاشة مما تظنون، وأنه لا يمكن الرهان عليه، وأن هذا الكيان العاجز عن حماية نفسه وتبطش المقاومة بجيشه الذي قيل أنه لا يقهر دون أن ينتبه، لا يمكن أن يوفر حماية ولا يمكن حتى أن يكون حليفا ممكنا، وأنه غير قادر على القيام بواجبات التحالف.

وبذلك كله تكون المقاومة بعملية طوفان الأقصى قد انتقلت من مربع الانتظار والتسوية إلى مربع المقاومة، ومن مربع الاستنزاف إلى مربع التحرير، وهذا يعني أننا اليوم نستدعي مشروع التحرير بدل أن كنا نتكلم عن الاستنزاف، فالمقاومة إلى حد معركة سيف القدس كانت تمثل جهدا استنزافيا كبيرا للاحتلال، وتراكم قوة تمكنها من التقدم إلى الأمام، بعدها؛ هذه المقاومة بدت قادرة على المبادرة مع معركة طوفان الأقصى، وبعدها أثبتت أنها قادرة على تحطيم فرقة عسكرية كما هي فرقة غزة وكما يجري اليوم حيث توقع في قوات العدو في الميدان خسائر فادحة لم يتكن يتوقعها. هذا التحول يستدعي جهدا فلسطينيا وإقليميا على صعيد الأمة ودوليا على صعيد أحرار العالم.

من التحولات أيضا التي أحدثتها هذه العملية، يضيف حمدان: أنها وضعت الكيان الصهيوني في موضعه الطبيعي، فاليوم شعوب العالم كلها تشتعل غضبا لفلسطين والمقاومة بعد أن فشل الكيان الصهيوني في إثبات كذبه.

ويؤكد: إعادة الكيان من موقع المطبع الذي يراد أن يُفرَض على أمتنا وعلى شعوبنا إلى موقع المعتدي هو أيضا تحول مهم لابد أن تتبعه خطوات ليس أقلها أن يدرك المطبعون أن هذا التطبيع لا قيمة له سوى مزيد من الخسائر بحق أمتنا ومصالحنا.

هذه النقلة في هذا الواقع، يسترسل حمدان، أثمرت رفضا مصريا وأردنيا لقوة الترحيل، وهذا يعني أن أمتنا اليوم أصبحت قادرة أن تقرر لنفسها ما تريد، ولسنا في حاجة أن ننتظر عطف الولايات المتحدة في رسم خرائطنا ورسم علاقاتنا بين مكونات أمتنا، بل نحن قادرون أن نرسم هذه العلاقات وأن نبني مصالحنا.

من التحولات أيضا، يكمل المتحدث، أن هذه المعركة أعادت رسم صورة الولايات المتحدة كطاغية مجرم على مستوى العالم، مستحضرا حديث الإدارة الأمريكية حول ما كان يجري في أوكرانيا وحديثها حول ما يجري في فلسطين، وفي مقارنة سريعة أوضح أنه على مدى 500 يوم من معركة أوكرانيا، القتلى من المدنيين هم 9 آلاف، وعلى مدى 25 يوما فقط الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني المدنيين هم 10 آلاف، ورغم ذلك الأمريكي يتكلم عن حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه ويتكلم عن إجرام روسيا ضد الشعب الأوكراني. وهذا يكشف حسب الخبير السياسي حمدان كم هي الإدارة الأمريكية طاغية وكاذبة، ويدفعه لاحتمال أن افتضاح هذا السلوك السياسي الأمريكي والأوربي من شأنه أن يترك أثره في المعادلة الدولية القادمة، ويعطي فرصة لتحالفات جديدة قد لا تكون أمريكا هي المهيمنة والمسيطرة عليه.