حُسينٌ منِّي، وأنا منه، أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسينًا..
شهادة ساطعة تضيء ظلمات الوهم عبر العصور والأزمان، برزت من حضرة النور الأقدس صلوات ربي وسلامه عليه.
كلمات خالدات ادخرها له جده المصطفى، كي نستهدي بها إذا ما حاول أهل الغواية والضلال والأذى أن يلبسوا الحق بالباطل.
ماذا حدث يوم العاشر من محرم!
تعالوا نزحف بوعينا التاريخي وولائنا الإيماني بحذر وإنصاف وتجرد نحو أرض الطف، نحو صحراء الكرب والبلاء، نحو واقعة كربلاء..
هل تبصرون ما أرى؟
اصطفت جبهتان!
جبهة الحسين وأهل بيته وأصحابه، وفي المقابل جبهة يزيد بن معاوية متجسدة في الجيش الأموي الجرار..
يوضح الحسين عليه السلام أسباب وصوله إلى هنا، إلى هذا الحصار العظيم: «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
لم يقل الحسين عليه السلام: فمن قبلني لشرف نسبي أو لقرابتي من رسول الله، بل إن قبوله يكون بقبول الحق الذي خرج حاملا لواءه وداعيا إليه..
وفي أحد لقاءات الإمام الحسين عليه السلام مع أصحابه وأهل بيته، خاطبهم قائلاً: «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، لِيَرْغَب المؤمن في لقاء ربّه مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما..».
كلمة قصيرة موجزة، لخصت كل القضية، العمل بالحق واجتناب الباطل..
هذا عن جبهة الحسين، فماذا عن الذين خرجوا يطلبون رأسه الشريف؟
يصف الإمام الحسين عليه السلام جيش الظالمين الذين اجتمعوا لقتله: «الناس عبيد الدنيا، والدين لَعْقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت به معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلَّ الديانون..».
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبك من شر سماعه..
خروج قصده حطام الدنيا وبعض المغانم السياسية والاجتماعية، أو لعله كان خوفا من سطوة وجبروت يزيد الطاغية..
وسط هذا المشهد الرهيب، لم يبق للحسين إلا صرخته التي يتردد صداها في جنبات التاريخ إلى يوم الناس هذا: “ألا وإن الدعي بن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية ونفوس أبية، لا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.. ألا وإني قد أعذرت وأنذرت، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة، مع قلة العدد وكثرة العدو، وخذلان الناصر..”.
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
ارتقى الحسين وأهل بيته وأصحابه شهداء، وبقيت راية العاشر من محرم خفاقة مرفرفة بالمجد والعزة والإباء والوفاء، رغم محاولات التشويه والتعتيم والطمس.. راية ألهمت الثوار والقائمين والمصلحين عبر العصور والأزمان، حتى من غير المسلمين.
جاد الحسين وأهل بيته وأصحابه بنفوسهم الطاهرة الزكية كي تبقى كلمة الله هي العليا. وإن دم الحسين لا يزال يخاطب أحرار الأمة، كي يأخذوا منه الأمانة العظيمة، أمانة القيام لله ورسوله في وجه الفساد والانحراف والظلم..
أمانة الإصلاح والتغيير مهما كان الثمن..
فهل من ناصر ينصره؟!