دور المؤسسات الاجتماعية في ترسيخ الهوية الإسلامية

Cover Image for دور المؤسسات الاجتماعية في ترسيخ الهوية الإسلامية
نشر بتاريخ

مقدمة

للمؤسسات الاجتماعية دور مهم في خلق استراتيجية تربوية قادرة على إحداث التغيير في سلوكيات الشباب، متمثلا في ثبات الهوية الإسلامية؛ عن طريق تعزيز انتمائه لدينه الإسلامي، وإحساسه بواجبه نحو ذاته ومجتمعه، وتحصينه من الأفكار الهدامة من خلال اتقاء سلبيات عصر المعلوميات واستثمار إيجابياتها بما يشبع حاجياته ويدعم هويته الإسلامية من جميع الجوانب الحياتية والاجتماعية والثقافية والنفسية ويسهل عليه تحقيق التوازن في الشخصية.

فالهوية والانتماء يمثلان قوة دافعة للإنسان لينجز أهدافه ويحقق طموحاته وتتقدم به أمّته بامتلاكه حس الانتماء.

كيف السبيل إلى ترسيخ الهوية الإسلامية لدى شبابنا أمام إكراهات العصر وتحدياته؟ هل المؤسسات الاجتماعية والتربوية والدينية قادرة على ترسيخ الهوية الإسلامية لديهم؟

نبدأ من أول منشأ للإنسان ألا وهو الأسرة

1- الأسرة

فالأسرة هي اللبنة الأولى التي يتشكل منها بناء المجتمع، كما أنها المؤسسة الأولى للتربية على القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية التي جاء به ديننا الحنيف وفصّلتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك حثّ الإسلام على بنائها بناء سليما يعتمد على اختيار متبادل يراعي الاشتراك في المعتقد والسلوك والتصور، وعليها المعول في الحفاظ على فطرة الهوية الإسلامية وترسيخها و تنميتها في قلوب أبنائها؛ التزاما بالتعاليم الإسلامية واعتزازا باللغة العربية كجزء أصيل من الحياة اليومية داخل الأسرة قولا وفعلا، ثم يتخذوا من هذا الالتزام معايير أساسية لتقييم الثقافات الأجنبية الوافدة والتفاعل معها بما يحفظ هويتهم.

فأساليب معاملة الوالدين لأبنائهم تعد من العوامل المؤثرة في تكوين الهوية النفسية لديهم، إن كانت هذه الأساليب تثير مشاعر الخوف وفقدان الشعور بالأمان، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى اضطراب نفسي واجتماعي لدى الأبناء. وعلى العكس إن كانت هادفة وبناءة يسودها الحب والتفاهم و التشجيع على الاستقلالية، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تكوين هوية نفسية إيجابية.

وتبقى القدوة الصالحة داخل الأسرة صمام الأمان للأبناء، لا أن تكون مجرد مرفأ للقوارب المنكسرة.

2- المؤسسات التعليمية

تعد المؤسسات التعليمية ذات دور مهم وأساسي ومحوري  في تنمية ودعم ترسيخ الهوية الإسلامية. الأمر الذي يتطلب مراجعة النظام التعليمي وفلسفته ومناهجه وأدواته. فضعف مخرجاته هو أحد أهم التحديات التي تهدد جانب تشكل الهوية الإسلامية والحفاظ على ثوابت وقيم المجتمع الإسلامية.

وللحاق بتطورات ومستجدات التعلم في الدول المتقدمة بما لا يتعارض مع الثوابت والقيم الأصيلة، نحتاج إلى مجهودات كبيرة ومشاريع تربوية وأخلاقية جادّة؛ تعزيزا لثقافة الانتماء الديني والوطني، وارتقاء بشعوبنا من منطلق الاعتزاز بالأصل، والمنافسة الهادفة في اكتساب العلوم ومواكبة تطورات العصر قائدين لا تابعين منبهرين بنِحلة الغالب.

ومن فخر الانتماء وتعزيزه والاصطلاح مع الأصل تعلّم اللغة العربية؛ لغة القرآن الكريم دستور هذه الأمة، لكي تستطيع الأجيال المقبلة المحافظة على تراثها وجذورها وحضارتها، فهي اللغة الخالدة بإذن الله تعالى ولغة العلوم الأولى حين حفظ أهلها الأمانة.

لذا وجب إبداع أدوات تتعامل مع اللغة العربية كأداة حضارية قادرة على تحسين استخداماتها في مختلف تطبيقات الحاسوب وبرامجه، واستخدامه كأداة حضارية في المدرسة والمجتمع.

3- مؤسسة المسجد

يعتبر المسجد مقر العبادة الخالصة لله، ومؤسسة بناء القيم الدينية والمعرفية والأخلاق الفاضلة، والاعتزاز بالهوية الإسلامية، وتبادل العلوم والخبرات.

فالتربية والتزكية، وتعلم العلم النافع الموجه للسلوك والمحدد للاختيارات الفردية والاجتماعية، محله الأول هو المسجد؛ أول مكان يتعلم فيه الطفل خارج مؤسسة الأسرة ويشبّ ويشيب، فيتعانق الوحي والعلم ليشكّلا معا لوحة قيمية متناسقة مصبوغة بصبغة المعرفة الحقيقية والإيمان الصحيح.

والأئمة والخطباء هم الأمثلة الناصعة في هذا المجال،  فيجب أن تعطى  الفرصة لعلمائنا الأجلاء للقيام بدورهم على النهج النبوي الصحيح دون غلو أو تقصير، مزوَّدين بالعلوم الحديثة النافعة بما ينسجم، وهم أحق بذلك وأهل له.

4- وسائل الإعلام والتواصل

يعد الإعلام من أكبر آليات هدم وطمس الهوية الدينية والوطنية والقيم لدى الشباب إذا لم يتم التعامل معها بوعي وإعادة تشكيلها بما يخدم مصالح وأهداف المجتمع الإسلامي، فهي تحاول من خلال ما يسمى “بالقوة الناعمة” فرض مفهوم العولمة على الآخرين. حيث يتمركز الهدف العام للعولمة في السيطرة الشاملة على الشعوب، ووضعها في نطاق التبعية الكاملة لتكوين نموذج جديد وموحد للشخصية، منفصلا عن جذور هويته الدينية و الثقافية والوطنية.

العولمة تسوّق في غالب الأحيان الوهم والتفاهة أكثر من تقاسم المعرفة والمعلومة الهادفة، فتنخر في جسد الأمم نخرا حثيثا يهدم أول ما يهدم القيم والمبادئ الإنسانية الأصيلة ومعها هويته لتجعله خرابا في داخله، مسيّرا مبرمجا بما يخدم الحضارة المادية المحضة والاقتصاد العالمي المتغوّل، ولا وجود لمعنى الإنسان فيه. 

إذن فالمؤسسات الاجتماعية، على اختلافها وتعددها، مهمتها تكوين فكر نقدي حر لدى الناشئة، قادر على أن يترجم الثقافة العربية الإسلامية إلى لغة العصر، ويحسن توظيف وسائل التكنولوجيا والعلوم بما يبني أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جديد، إحياء للفطرة التي فطر الله عليها البشرية جمعاء.

مداخلة في ندوة “القيم في المناهج التعليمية ودورها في الحفاظ على الهوية” التي نظمتها الهيئة العامة للعمل النسائي ونشرتها قناة الشاهد الإلكترونية يوم الخميس 04  نونبر 2021.