دور الأسرة في تربية الأجيال على الاهتمام بقضية فلسطين.. المسيرات نموذجا

Cover Image for دور الأسرة في تربية الأجيال على الاهتمام بقضية فلسطين.. المسيرات نموذجا
نشر بتاريخ

أثناء الحرب على غزة العزة، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على إخواننا في فلسطين، أظهرت كثير من الأسر المغربية تعلقها الشديد بالقضية الفلسطينية ووعيها الكبير بأهمية وضرورة النصرة والدعم لإخواننا المجاهدين في فلسطين، وهذا أمر مشهود لها ومسجل في سجلات التاريخ المجيد للأمم.

فما فتئت الكثير من الأسر المغربية تلبي نداء الأقصى وتستجيب لصوت النصرة بالخروج في الوقفات التضامنية والمسيرات الشعبية بهمة عالية وحضور مكثف على اختلاف الظروف والأحوال.

ولعل ما يلفت انتباه المتتبع للأحداث ويثير اهتمامه هو حرص العديد منها على اصطحاب أبنائها الصغار والشباب بشكل مستمر ومنضبط وفعال.

فما الذي تستفيده الأسر عامة من مشاركة أبنائها في مثل هذه المواقف؟ وما الذي يتعلمه الأبناء من الانخراط في مسيرات النصرة والدعم للشعب الفلسطيني الأبي؟

إن خروج الأسر وتأهب جميع أفرادها للمشاركة في الوقفات والمسيرات التضامنية، هو خروج واع ومسؤول؛ لا يحركه الاندفاع والحماس الزائل، وإنما هو تعبير صادق عن الحب في الله لإخواننا المسلمين المظلومين والمستضعفين في الأرض. وهذا واجب ديني لا يختلف في تقديره اثنان. وهو كذلك تجسيد عملي للجسد الواحد الذي صوره الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تصويرا بديعا في حديثه: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى” 1.

فاصطحاب الأبناء في هذه الوقفات والمسيرات فيه تربية قاصدة وجادة للأجيال الصاعدة على معاني إيمانية جليلة هي من صميم السنة النبوية الشريفة، فهي تربي الناشئة على صدق العقيدة والإيمان، وتربطهم بواجب النصرة والبذل والتضحية والوحدة والتضامن بين المسلمين.

حضور الأطفال في مثل هذه المواقف يرسخ في قلوبهم حقيقة ثابتة؛ مفادها أن مصير المسلمين واحد، وأن القضية الفلسطينية قضية محورية لا تنفصل عن قضايا الأمة ولا تنفك عن خلاصها الجماعي، وأنها قضية عقيدة ودين وليست موقفا سياسيا يفتح فيه المجال لاتخاذ القرارات الشخصية.

كما أن انخراط الأبناء في هذا الفعل – حبا لا جبرا – يجعل القضية الفلسطينية حية في أذهانهم دائما؛ فهي تحرك وجدانهم وتوجه مشاعرهم وترشد عقولهم إلى ما فيه الخير لهم ولأمتهم، وسرعان ما يكبرون وتكبر أحلامهم لارتباطهم بقضية كبرى، وانشغالهم بها عما يروج في العالم الموار من إلهاءات وإغراءات وفتن موجهة للشباب لطمس هويتهم الدينية والتاريخية.

وجدير بالذكر؛ أن هذه الوقفات والمسيرات الشعبية هي بمثابة مدارس عملية وواقعية متحركة في  الشوارع والميادين، تغرس في الأبناء القيم الفاضلة والخصال الحميدة في الوقت الذي أصبحت فيه منظومة القيم مهددة من كل التيارات المعادية للإسلام، قيم الرجولة والشهامة والعزة والثبات والصمود..

فعندما ترتفع أصوات الأبناء في الوقفات مرددة بصوت قوي “خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود” نستشعر نحن الآباء أول شيء؛ يقين الأجيال الصاعدة في موعود الله تعالى بالنصر والتمكين، كما نستشعر أيضا فخرهم واعتزاهم بالانتماء إلى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ “خير أمة أخرجت للناس”.

ورفعهم للشعارات يحررهم من الشعور بالذل والمهانة والتخاذل والتطبيع ويربطهم بقيم الحرية والعدل والكرامة… فكل صوت يرفع في الميدان هو صدح بالحق ونبذ للباطل وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتلك دروس وعبر وقيم طوتها عنا الوقفات والمسيرات الشعبية التضامنية مع أحبابنا وإخواننا في فلسطين، لربما كنا نحتاج لتلقينها أياما وسنين.

ناهيك عما حققته هذه المسيرات من إذكاء للوعي في صفوف الشباب بأهمية المقدسات الدينية، إذ تقوى الارتباط بالمسجد الأقصى مسرى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وانكشفت بالمقابل حقيقة الكيان الصهيوني المحتل، وانفضحت معه ازدواجية المعايير الدولية، ورفع اللثام عن الشعارات الغربية الزائفة التي كانت تتبجح بالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل. تعرت كل هذه الحقائق أمام كثير من الشباب الذين كانوا منبهرين بالغرب المتقدم والمتحرر.

وكانت المسيرات وما تزال فرصة ثمينة أيضا لمد جسور الصلة والوصل بين الأجيال، ففيها توحدت قلوب الصغار والكبار، الآباء والأبناء، وانجمعت تصوراتهم وأفكارهم وتطلعاتهم لغد الإسلام في صورة واضحة جلية، هي بناء جيل التحرير وإعداد الخلافة على منهاج النبوة. ومما ساعد على ذلك ارتباط الأبناء صغارا وشبابا بنماذج بطولية في ساحة الجهاد، جسدها خيرة أبناء فلسطين الذين أعطوا مثالا رفيعا للثبات والصمود والقوة والكرامة، وبعثوا في الأمة من جديد صور الصحابة والصحابيات الجليلات من المهاجرين والأنصار الذين حركتهم الصحبة المحمدية للتضحية بالغالي والنفيس لنصرة دين الله وإعلاء كلمته في الأرض.

وتلك الأنوار المحمدية مازالت موصولة إلى يوم الدين، وعليها المعول في تحقيق النصر والتمكين.


[1] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586).