دراسة وطنية: الرشوة في المغرب نسقية ومُدمِّرة ودائمة

Cover Image for دراسة وطنية: الرشوة في المغرب نسقية ومُدمِّرة ودائمة
نشر بتاريخ

أكدت جمعية ترانسبرانسي المغرب في دراسة لها تحت عنوان “الرشوة النسقية عامل ومؤشر للتنمية السيئة” بأن الرشوة في المغرب “نسقية“، ولها آثار اقتصادية مدمرة “تكبح التنمية“، ويؤثر نسقها السلبي واستمرارها على منظومة الآليات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار والتماسك الاجتماعي، أدت في النهاية إلى بروز نموذج اقتصادي غير مستدام.

الجمعية أوضحت أن تأثيرات الرشوة تؤدي إلى عدم تحفيز الفاعلين الاقتصاديين، و”تحريف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلد بشكل عميق“، ويثبت استمرارية الظاهرة في المغرب عدد من المؤشرات منها مؤشر إدراك الرشوة، حيث حصل المغرب سنة 2020 على معدل 41/100 واحتل الرتبة 86 من ضمن 186 بلدا، بالإضافة إلى مؤشر جاذبية الاستثمارات الخارجية المباشرة، ومؤشر سيادة القانون، وكل هذه المؤشرات “ترسم معالم مغرب يعاني من رشوة نسقية ومعممة“.

ورصدت الدراسة عددا من أسباب انتشار الرشوة في المغرب التي تعود إلى طبيعة المنظومة المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، لأن “الرشوة نتاج طبيعي لنمط حكامة غير فعال”، مضيفا أن الأسباب الأخرى تكمن في “الإفلات من العقاب وضعف تفعيل القوانين وانعدام المحاسبة وإفلاس العدالة وانعدام الشفافية. وفي بيئة من هذا القبيل، فإن ممارسات الرشوة وتوزيع الامتيازات وتبادل الخدمات هي التي تنظم الفضاء العمومي أكثر مما تفعل ذلك قواعد القانون“.

وأضافت الجمعية بأن أغلبية المؤسسات تتميز بنسب عالية من الرشوة، حيث يتم الاعتراف اليوم، وعلى نطاق واسع، أن “الرشوة والحكامة السيئة تشكلان أكبر العقبات التي تعترض التنمية“، وذلك لتأثيرهما السلبي للغاية على الاقتصاد والمجتمع.

وأوضحت “ترانسبرانسي المغرب” أنه رغم تعهد الحكومات المتعاقبة على محاربة الرشوة وجعلها من الأولويات، وأخذ المغرب على عاتقه التزامات دولية، وإحداث هيئات وطنية لمحاربة الرشوة “لكن الرشوة تستمر في الازدهار”، فضلا عن ذلك فالمواطنون لا ينخدعون بصدق التزام السلطات العمومية لمحاربة الرشوة “وقد اعتبر %74 من المستجوبين أن الحكومة تقوم بعمل سيئ في مجال محاربة الرشوة“.

المنظمة قدمت “الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة” كأحد أهم تجليات انعدام الإرادة السياسية، فقد أعطيت انطلاقتها في 2013 ولم يتم اعتمادها حتى دجنبر 2015، ولم تقم الحكومة بإصدار المرسوم المحدث للجنة الوطنية لمحاربة الرشوة إلا في 2017، وإلى غاية نهاية 2020 لم تجتمع تلك اللجنة إلاّ مرتين، أما حصيلة إعمال الاستراتيجية فهي شبه منعدمة.

“ترانسبرانسي” أكدت أن غياب فصل واضح لسلطات الدولة، والطابع التقديري للقرارات العمومية هي التي “توفر الشروط المؤسساتية لعدم مسؤولية الفعل السياسي، وعدم شفافية القرار العمومي“. مضيفة أن أصل السلطات في الواقع يظل متمركزا ومنفلتا من “مبدأ أساسي للحكامة الجيدة ألا وهو تقديم الحساب“، ولئن كان “الدستور الجديد قد ربط بين المسؤولية والمحاسبة فإن العديد من الفصول في متن النص الدستوري قد أبطلت مفعول هذا الربط“. مبرزة أنه مع “وجود تواطؤ للسلطة الاقتصادية مع السلطة السياسية يكون من الوهم الإفلات من تضارب المصالح، وانتظار أن تتم لعبة المنافسة بشكل حر“.

كما اعتبرت الدراسة، التي أنجزها عدد من الخبراء الاقتصاديين المغاربة، أن ظاهرة الرشوة تمارس ثلاث فئات من التأثيرات على الديناميات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، تتجلى في “تشويه البنيات الإنتاجية من خلال التلاعب في رصد الموارد، والمساهمة في تكوين اقتصاد الريع وتشجيعه وتقوية الاقتصاد غير المهيكل، وحماية الأنشطة غير القانونية، فضلا عن تفكيك البنيات الاقتصادية والاجتماعية بفعل تفاقم اختلال توازنات الاقتصاد الوطني من خلال عدة ممارسات منها التهرب الضريبي الذي يضيع على الدولة إيرادات مهمة“.

وأكدت الدراسة أن الرشوة تؤثر على التماسك الاجتماعي وتؤدي إلى تآكله من خلال “فقدان مصداقية المؤسسات وقدرتها التنظيمية، وترجيح المصالح الخاصة على المصالح العامة وتفاقم التفاوتات الاجتماعية والمجالية“.

ودعت الجمعية إلى “اعتماد سياسة نظامية نسقية شاملة لمحاربة الرشوة والشروع في إصلاحات من شأنها أن تمكن من فك الارتباط بين الدائرة السياسية والدائرة الاقتصادية ووضع الشروط الفعلية لإعمال مبدأ المحاسبة والتقليص من التفاوتات الاجتماعية والمجالية“.