دة. مسامح: إرث الإمام تركه للجماعة تنهل منه في الحاضر وتورثه لمن يأتي في المستقبل

Cover Image for دة. مسامح: إرث الإمام تركه للجماعة تنهل منه في الحاضر وتورثه لمن يأتي في المستقبل
نشر بتاريخ

خصصت الدكتورة خديجة مسامح، الباحثة في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، موضوع مداخلتها في ندوة تقديم كتاب “السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين” للأستاذ عبد الكريم العلمي بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الإمام، للحديث عن سؤال “ماذا بعد رحيل الإمام؟”.

الأستاذة مسامح عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قسّمت إجابتها إلى عناصر ستة هي “حقيقة الموت ومصير الإرث”، و“الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة من خلال وصية الإمام”، و“مجلس الإرشاد عنصر ثبات”، و“من يخلف الإمام؟”، و“الشورى وانتخاب الأمين العام بعد رحيل الإمام”، قبل أن تختمها بـ “محاذير” ينبغي تجنبها.

وانطلقت في البداية من وصف الأستاذ عبد الكريم العلمي لحال الإمام رحمه الله وهو يتحدث عن الموت بيقين على أنها ليست عدما وإنما هي مجرد انتقال من حجرة إلى حجرة، “ومن ثم فصلة المحبة والوفاء دائمة لا تنقطع بين الأحياء والأموات”، ونقل قول الإمام في وصيته الأخيرة (لا تحبس الصلة برازخ الموت) مؤكدا على استمرار الوصل بالتزاور عبر الأزمان والتحاب عبر الأزمان بناء على دستور المحبة، (حقت محبتي) ما يفيد أن معاني الصحبة والمحبة تسري من جيل سابق لجيل لاحق عبر الأزمان.

وبما أن لكل راحل إرث، تقول المتحدثة، “فإن إرث الإمام تركه للجماعة تنهل منه في الحاضر، وتورثه لمن يأتي في المستقبل، لم يوصِ به لأحد لا إشارة ولا عبارة، لا تصريحا ولا تلميحا، وإنما قال رحمه الله تعالى: (إذا مات فلان فقد ذهب إلى ربه، وبقي سر الجماعة في الجماعة) وهذا يتماشى مع الجهد الذي بذله من أجل نقل حال السلوك إلى الله من الصحبة الفردية حيث تأخذ بيد الطالب السائر إلى الله يد فرد نور الله قلبه. إلى الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة، حيث تأخذ بيد طالب أياد وقلوب متعاونة متواصلة”.

وترى عضوة الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان أن الأستاذ العلمي أبرز أن وصية الإمام بالصحبة والجماعة، والصحبة في الجماعة “تعدل ما جاء في الخصال التسع الباقية مجتمعة. وهذا يدل على عظم شأن القضية”، كما أن الربط بين الثنائيتين وعدم الفصل بينهما يعني “أنهما صنوان ونظيران لا فرق بينهما، والمنهاج النبوي جعلهما قرينين متلازمين في التربية الإحسانية، فكل صحبة لا تفضي إلى جماعة مجاهدة ناقصة، والجماعة إن تخلت عن لب الصحبة وجوهرها ونورها لا تلبث أن تصبح جثة بلا روح”.

وتابعت: “فالصحبة والجماعة وحدة لا تقبل القسمة، والصحبة والجماعة درجة للصحبة في الجماعة. والإلحاح في الدعاء لحفظ أمر الجماعة إلى قيام الساعة. تهمّما منه رحمه الله تعالى بالأمر من بعده ويقينه الكامل في أن الله هو خير حافظا، فمائدة الجماعة ستبقى منصوبة وقائمة إن شاء الله إلى قيام الساعة. كما قال رحمه الله”.

فإذا مات المصحوب وانتقل إلى الرفيق الأعلى، تتساءل مسامح: ما العمل؟ هل يبقى الواحد منا وفيا لمصحوبه؟ أم يبحث عن مصحوب آخر؟ هل سنبقى نردد بأنه كان معنا سيد كان وكان؟ وكيف نعمل مع هؤلاء الأحياء؟ قبل أن تورد تأكيدا من الإمام رحمه الله تعالى بأن “أول كلمة  عندنا في الجماعة الصحبة والجماعة، وفي الجماعة من الرجال من قلبهم منور ومشع، منهم الإخوان في مجلس الإرشاد، ومنهم إخوان آخرون فإذا الصحبة في هذه الجماعة تقوم مقام”، وتذكر على لسان الأستاذ العلمي أن مفهوم العبارة من خلال السياق يدل على القول: (تقوم مقام الصحبة المباشرة)، كما أنه كثيرا ما كان يردد رحمه الله أن مجلس النصيحة يقوم مقام الصحبة المباشرة، ويوصي بقوله: “فابقوا محافظين على جماعتكم، وابدأوا بمحبة كل من أظهر الله عليه خيرا أحبوه”.

وذكرت مسامح في مداخلتها قول الإمام رحمه الله “الجماعة تنظيم وليست حزبا سياسيا (هذه مسألة ينبغي هضمها هضما)”، معتبرة أن وحدة التنظيم والتربية أمر لازم، والقيادة ينبغي أن يتحقق فيها المجموع الفريد، من الذين لهم قدم السابقة الشهداء بالقسط، الجامع بينهم الاتحاد والانسجام والتسليم والمحبة، “فإذا كان الأمر تربية قبل كل شيء وبعد كل شيء، وتربية مع كل شيء فالتربية ليست أمرا مرتجلا، والصفات التربوية في القيادة ليست أمرا مرتجلا”، فيقرر الأستاذ العلمي وفق كلام المتحدثة “أن هذه التزكية هي لمجموع المجلس ولا يتعلق الأمر بالأفراد لكي لا يكون هناك حرج”.

واعتبرت مسامح أن الإمام يتمتع ببعد نظر لأنه لم يعين من يخلفه من بعده، “فخرج بذلك عن الأعراف الصوفية التي تقضي في الغالب الأعم أن يعين الشيخ وارثه تعيينا مكتوبا أو مشافهة مشهودا عليه، وحتى ما كان في فصل التنظيم من المنهاج النبوي، أوصى رحمه الله بتجاوزه. 

وقد تتبع الأستاذ العلمي ما ألفه الإمام رحمه الله في المسألة، تقول المتحدثة، فوجده رحمه الله تعالى قد ميز بين مرحلتين: مرحلة تأسيس الجماعة ومرحلة بلوغها الرشد، الأولى برز فيها “أشخاص يملكون من خصال الشجاعة في الحق، والدراية بالواجب الشرعي، والغيرة على مصير الأمة، ما يؤهلهم للقيادة تأهيلا أصيلا، فهم آباء الجماعة وأمهاتها، وعن جدارة واستحقاق. ونتيجة لسابقتهم الجهادية تبوأوا الصدارة وهذا ما يسمى في لسان السياسة بالقيادة التاريخية. حيث يكون لها مؤهلات علمية، عملية، تدبيرية، جهادية تتحمل المسؤولية وتؤدي الأمانة”.

أما الثانية فمن تمام الرشد اختيار القيادة من بين الأقران عن طريق الشورى استنادا إلى قول الإمام رحمه الله تعالى: “مرحلة بلوغ الجماعة رشدها واستقلالها بذاتها تلزم الجماعة أن تختار القيادة من بين الأقران، ذاك أوان الشورى والرجولة، وفي هذه المرحلة تظهر ثمار التربية من تمكن الرجال من أخلاق الصدق والتعاون، ونبذ حب الرئاسة، والتنازل عن الرأي الشخصي لتبني رأي الأغلبية”.

وذكرت مسامح محاذير حذر منها الإمام رحمه الله تحول دون تحقيق الغاية من الصحبة والجماعة، ومنها “انفصال الصحبة عن الجماعة”، و“التنافس المرضي والأنانية الفردية لأنها تقضي على الجماعة وعلى الروح الجماعية”، ومنها أيضا “الركون إلى الأحوال الجسدية  والنفسية أو طغيان جدبة الأنوار كما أسماها رحمه الله تعالى”، وكذلك “الكبر والتكبر والتشوف إلى الرئاسة على الخلق، وأخطرها الرئاسة الروحية والمشيخة الدينية وهذا فيه خراب للآخرة”.

ومن المحاذير التي ذكرتها المتحدثة “سوء الخلق المنافي للصحبة”، و“اعتقاد العصمة من الخطأ في القيادة وأنها منزهة عن النصح والنقد مما لا يتنافى مع التعظيم والتقدير”، وكذلك التحذير من “الجمود المنافي للاجتهاد”، حيث يقول الإمام في الحوار الشامل: (على الناس في زماني وبعد زماني، في هذه الجماعة وفي غيرها، أن ينتقدوا وأن يحللوا، وأن يردوا، وأن يأخذوا، وأن يطوروا، وأن يحوروا فذلك ما أريده. وأرجو ألا أقف أحد معي فأنا أحاجه عند الله عز وجل إن اتخذ فكري وثنا وصنما).