أن تكون أفضل الناس عملا وأوثقهم عهدا وأسلمهم نفسا وبدنا، فتلك مزية ما بعدها مزية. مزية دَلّ خير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صحبَه والعالمين من بعدهم على منبعها، روى الإمام مالك في موطئه عَنْ سيدنا ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلاةُ وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ”. فالصلاة أصل كل فضيلة ومنبع كل خير، لذا كانت من أولى ما اهتم به رسولنا وصحبه الكرام، وكان آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى “الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم” (رواه أبو داود). عن نافع أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يكتب إلى عماله وأمرائه ويقول: “إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع” (ذكره الإمام مالك في موطئه).
فرض ودعامة بناء
لعظم قدر الصلاة وأهميتها من الدين فرضها سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في السماوات السبع، وجعلها سبحانه خمساً في العمل وخمسين في الأجر، قال تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (البقرة، 43)، وقال صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة…” (رواه الشيخان رحمهما الله وغيرهما مرفوعا)، الصلاة ركن بناء الدين وأهم دعائمه، من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين. لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهر له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد، وهي أول ما يحاسب عليه الإنسان، فعن عبد الله بن قرط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله” (رواه الطبراني في الأوسط).
مطهرة ونور وبرهان
مطهرة للقلب من أدرانها، حين ينزلها العبد منزلتها ويقيمها حق إقامتها، فبها يغفر ربي الخطايا.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟”. قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ. قال: “فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا” (رواه الشيخان رحمهما الله وغيرهما).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، ومن أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه” (رواه مالك وأبو داود وابن حبان في صحيحه).
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يُبعَثُ مُنادٍ عندَ حضرةِ كلِّ صلاةٍ فيقولُ: يا بَني آدمَ، قوموا فأطفِئوا ما أوقدتُمْ على أنفسِكُم، فيقومونَ فيتطَهَّرونَ ويصلُّونَ الظُّهرَ فيُغفَرُ لَهُم ما بينَهُما، فإذا حضرتِ العصرُ فَمِثْلُ ذلِكَ، فإذا حضرتِ المغربُ فَمِثْلُ ذلِكَ، فإذا حضرتِ العتَمةُ فَمِثْلُ ذلِكَ، فيَنامونَ فمُدلِجٌ في خيرٍ، ومدلجٌ في شرٍّ” (رواه الطبراني مرفوعا).
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.