وكأني بالأكوان ومن فيها يحبس أنفاسه ترقبا لهذا المولود الذي كتب الله سبحانه وتعالى اسمه على العرش. من هو هذا المخلوق الذي بلغ هذه المكانة والرفعة حتى قبل أن يولد؟ بم استحق هذا الحب الإلهي؟نقرأ الحديث الذي رواه الطبري رحمه الله، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسالك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله عز وجل يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم ـأخلقه؟ قال ياربلأنك لما خلقتني بيدك ونفحت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله إلا الله محمد رسول الله،فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلاأحب الخلق إليك، فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك!.”
عندما نتصفح السيرة العطرة تزداد محبتنا لهذا الرسول..كيف لا وما عرفناه إلا :
حبيب الأيتام):نشأ سيد الخلق في دروب اليتم وخبر مرارتها..فلم يحضنه أب قط ..ثم سرعان ما فقد أمه أيضا..طفل على أبواب سنواته الست يخوض تجربة الحياة وحيدا..على ما يبدو للعيان ..لـأن رب العزة كان يهيئ هذا الطفل اليتيم لأمر لم يختص به أحدا من العالمين. فلعل يتمك أخي ولعل يتمك أختي هو اصطفاء رباني يفتح الله لك به أبواب العطاء الجزيل..فطوبى لليتامى أحباب رسول الله.
حبيب الفقراء):خير الله عز وجل حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغنى والفقر، فاختار أن يصطف إلى جانب الفقراء،وهذا ما يرويه لنا الإمام أحمد رحمه الله في الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:”عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت لا يارب! ولكن أشبع يوما وأجوع يوما،فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك.” أخرجه الترمذي. يشارك المصطفى صلى الله عليه وسلم الفقراء من أمته حرمانهم في الدنيا..لكنهم سرعان ما سينسون ذلك حين يشاركهم فرحهم الأكبر..فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:” هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ قالوا الله ورسوله أعلم! قالأول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرون، الذي تسد بهم الثغور، ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء..”
حبيب الصابرين):ذاق الحبيب صلى الله عليه وسلم شتى أنواع المحن..صبر على أذى قومه حين جوعوه وطاردوه وتظاهروا على قتله..وعندما أعزه الله بفتح مكة لم ينتقم ولم يثأر بل حتى إنه لم يعاتب. ليكون لكل الأحباب الصابرين على أذى أقاربهم قدوة في التغاضي والتسامح..صبر على فقد أمنا خديجة رضي الله عنها.. ثم على وفاة أبنائه الثلاث..دمعت عيناه الشريفتان ..وحزن قلبه الكريم..ليعلمنا أن ديننا دين رحمة ورفق ومواساة..يحزن فيه الرجال على زوجاتهم وأبنائهم وتدمع أعينهم لموت أحبابهم فلا يتحرجون من ذلك ولا يستترون.
فعذرا ياسيدي يارسول الله !ما وفاك حقك من سمى يوم مولدك عيدا!بل هو خير يوم طلعت عليه الشمس منذ أن خلق الله الأكوان إلى أن تقوم الساعة.