تقدم الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان، الصادرة في 06 فبراير 2024، رؤية نقابية شاملة تعكس تصورها لدور النقابات في تحقيق الإصلاح المجتمعي والسياسي بالمغرب، معتبرة إياها أداة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، و”واجهة أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي والتعبئة الاقتصادية والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل، وبين مؤسسات الدولة (برلمانا وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم الصالح العام” 1.
وتستند هذه الرؤية إلى مبادئ وقيم، وتنفتح على التجارب العالمية، وتستجيب للتحديات التي يواجهها العمل النقابي في السياق المغربي. فيما يلي خمس مكونات أساسية لهذه الرؤية:
1- أسس العمل النقابي
– العدل الاجتماعي كأصل تأسيسي: لأنه نداء قوي، ولأنه يجسد معاني المروءة التي يتوق إليها كل إنسان سوي ضد الظلم. “النقابة مؤسسة للدفاع عن الحقوق وتحقيق العدل، وهي من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
– الاستقلالية عن الأحزاب والدولة: “رفض اختراق النقابات لأجل تمرير أجندات خارجية”.
– الجمع بين المطالب المادية والمعنوية: “لا تنفصل مطالب الأجر عن مطالب الكرامة”.
2- اختلالات المشهد النقابي
– الاختلالات الخارجية: تتمثل أساسا في خنق حرية العمل النقابي عبر القمع والتضييق واختراق النقابات لتمرير سياسات الدولة ضد العمال. “فقد عمدت السلطة على مر عقود من الزمن إلى قمع المناضلين النقابيين والتضييق عليهم، وخنق حرية العمل النقابي، واستقطاب النقابات وإضعافها، والاستعانة ببعضها في تمرير سياساتها ضد العمال” 2.
– الاختلالات الداخلية: غياب الديمقراطية الداخلية، تفشي الانتهازية والبيروقراطية. “كما تشكو بعض النقابات من غياب الديمقراطية الداخلية، حيث تفرض القرارات بشكل فوقي، ويعمد إلى إسكات الأصوات المعارضة واستبعادها، وإلى التعامل بانتهازية مع المطالب العمالية. وقد أسهم هذا الواقع في تشتت النقابات، وتراجع ثقة الأجراء في إطاراتها، وضعف مصداقية العمل النقابي والانخراط فيه” 3.
3- مبادئ تجديد روح الحركة النقابة
بعد عقود من العمل والممارسة الميدانية آن للحركة النقابية المغربية أن تنظر بجدية في تجديد مبادئها المؤسسة، وتجديد آليات اشتغالاها ومجالات فعلها؛ بالنظر للتغير المتسارع عالميا وخصوصا في العلاقات الشغلية وتراجع تأثير النقابات على الصعيد العالمي في ظل ثورة رقمية منذرة بالقضاء على المفهوم الكلاسيكي لـ”العمل”.
“في هذا السياق، نؤكد على مبادئ تجديد روح الحركة النقابية عبر وسائل الضغط والتفاوض وتجنيب الفعل النقابي وسائل التخريب أو شراء الذمم، وندعو لتجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف، الأمر الذي يفرض ضرورة تنسيق الجهود بين النقابات والدولة والقطاع الخاص في إطار حوار اجتماعي حقيقي وعادل وممأسس ومنتج” 4.
أ- مجالات اشتغال النقابة
– المجال المطلبي: دفاعا عن المصالح المادية والمعنوية للطبقة العاملة.
– المجال التكويني: تنمية للوعي السياسي والقانوني.
– المجال المهني: تحسينا للأداء وتأهيلا للذات.
– المجال الاجتماعي والتواصلي.
– المجال الأخلاقي القيمي.
ب- وظائف متجددة للنقابة
– الوظيفة الدفاعية النضالية: لحماية حقوق العمال من الظلم والاستغلال، وتحصين مكتسباتها.
– الوظيفة التربوية: لتربية الأعضاء على قيم النزاهة والمسؤولية، ولتخليق الممارسة النقابية وتحصينها من الانتهازية والبيروقراطية.
– الوظيفة التنموية: المساهمة في بناء اقتصاد منتج بدل اقتصاد الريع.
4- مقترحات لتطوير الفعل النقابي
– ضمان استقلالية النقابات: وذلك من خلال “مقاومة كل اختراق من طرف الإدارة، مما يعد شرطا لفعالية نضالها لتحقيق مطالب الشغيلة” 5.
– ضمان حرية العمل النقابي: وذلك بتبسيط المساطر، و”تفعيل نظام التصريح في تأسيس النقابات وحماية النقابيين” 6.
– تجديد الأطر النقابية وتشجيع المرأة العاملة: يشكو المشهد النقابي المغربي من تكلس قاتل وعدم فاعلية مزمن، مردهما أساسا لسيطرة “الشيوخ والمتقاعدين” وتغييب أدوار الشباب والمرأة.
ولتجاوز ذلك لا مناص من: “تجديد الأطر النقابية، حيث لا يمكن أن يقوى العمل النقابي دون تشجيع المرأة العاملة على الانخراط الفاعل فيه، وتحمل المسؤولية في مؤسساته، ودون استيعاب أفواج اليد العاملة الشابة التي تلج سوق الشغل، وذلك عبر حسن تأطيرها وتكوينها، وفتح المجال أمامها لتحمل المسؤولية والقيام بالأدوار المنوطة بها في تعبئة الطبقة العاملة وقيادة نضالاتها” 7.
– تخليق العمل النقابي: وذلك عبر “تفعيل الديمقراطية الداخلية ومحاربة البيروقراطية” 8.
– بناء الجبهة النقابية: المؤهلة لتجاوز تغول الإدارة والرأسمال، خصوصا في الملفات الكبرى لتجاوز التشرذم. “التوجه نحو تأسيس جبهة نقابية مناضلة وموحدة، وذلك عن طريق تنسيق قوي ومؤثر بين النقابات” 9.
5- الربط بين النقابة والمشروع المجتمعي
النقابة وفق رؤية الوثيقة السياسية لا معنى لها خارج مشروع مجتمعي يروم إقامة دولة العدل والكرامة والحرية، ولا معنى لها بدون ارتباط مع القضايا المحلية والعالمية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وانسجاما مع ذلك لا بد من “الحفاظ على البعد التحرري للعمل النقابي المغربي، الذي ولد في المغرب من رحم الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار، وجمعت الحركة النقابية المغربية قبل خروج المستعمر بين الكفاح من أجل التحرر والنضال النقابي المطلبي” 10.