خطاب الروح الصليبي وبطشه.. العاقبة للمتقين

Cover Image for خطاب الروح الصليبي وبطشه.. العاقبة للمتقين
نشر بتاريخ

يمور العالم من حولنا ويفور في سرعة مجنونة وتواصل إعلامي يقلص الزمن ويقصر المسافات، وتضطرب الأرض ومن فيها بأفكار وعداوات وتحالفات وحروب وأسلحة تسوق أو تحضر. وعالم غني مستكبر، وآخر فقير منهوب. ومنافسة عاتية بين جبابرة الاقتصاد الرأسمالي. وصناعات وأموال وبضائع. وعلوم ومخترعات وكشوفات مذهلة ثورية. وتلوث الأرض والماء والهواء. وتصحر أراضي المستضعفين في الأرض. وقوانين دولية يصول بها المستكبرون على المستضعفين، ويتحكمون في قرارات الحرب والسلم، وفي توازنات العالم، ويبرمون أو ينقضون من فوق رؤوسنا أمور البشر على سطح الكرة/القرية التي نتساكن فيها مع بني الإنسان.

كيف تنظر المؤمنة المستيقظة بإيمانها منذ قريب إلى نفسها ومهمتها في العالم الموار؟ شخص متواضع ضعيف منشغل بمشاكل الحضيض اليومية منصرف إلى شأنه الخاص يعاني في صمت؟ أم مؤمنة مرشحة للعضوية في الحركة الإسلامية، وإرادة ماسكة متماسكة مع إرادات المؤمنين والمؤمنات يعنيها مصيرها إلى الله في الآخرة كما يعنيها مصير أمتها؟ تتجاوز همتها الأفق الضيق المحدود الذي رسمه لها تاريخ الإسلام التقليدي، أم تتطلع لاقتحام مجالات جهاد البناء والتغيير حاملة مع الحاملين والحاملات رسالة الإسلام وكلمته إلى العالم؟

(..)

حجابك أخت الإسلام رمز حياة جديدة ونهضة وقوة في نظر العالم، فلا يكن مجرد مظهر تحته الخواء الروحي ورقة الإيمان. تفوز المؤمنات وينتصر الإسلام وتخسرين آخرتك إن كان رمزك على غير مرموز.

لا يخطئ الأقوياء المستكبرون في العالم عندما يرون في الصحوة الإسلامية وقد انخرط في حركتها المسلمات وعدا بتحرير الأمة يهدد سيطرتهم ومصالحهم. إنه تَحَدٍّ كبير أن تتجمع قوة الإسلام بعد أن ظنوا أن الإسلام انتهى. يكثر همهم وتساؤلهم: كيف حدث هذا؟ وما العمل؟

لا يعني عندهم رجوع المسلمين والمسلمات إلى دينهم يصححونه ويسيرون على ضوئه إلا استيقاظ الخطر القديم. فيستيقظ الروح الصليبي ليستأنف، بل ليواصل ما لم ينقطع، من حملاته على الإسلام. ويجتهد الروح الصليبي عملا وفتكا بالمسلمين وقولا جاهرا ونية مبيتة وكيدا ينفذه الخائنون والخائنات من المرتدين عن دينهم والمرتدات من بنات جِلدتنا وبنيها.

(..)

منذ رُنان داعية الحرب الصليبية التي تحمل اسم «الاستعمار» تعززت في الغرب ديانة القانون، وحقوق الإنسان، وحق التدخل العسكري. بعد الاستعمار المباشر استعمار اقتصادي ثقافي شامل. و«التسامح» الغيور على احترام الإنسان يعطيك حرية الاختيار بين أمرين: إما أن تتحول عن دينك وهويتك لتندمج في دين الأقوى وإما أن تمحق محقا.

دين الأقوى يتلخص من وراء نفاق القانون والحرية وحقوق الإنسان في اقتصادية سوقية حولها يدور كل شيء. الهوية الحضارية للغرب المسلح المتخم تتبخَّر شيئا فشيئا، ويفقد شيئا فشيئا كل معنى لوجوده دُولا وأفرادا غير وظيفته الاستهلاكية الأنانية المستحوذة على خيرات العالم، المتربصة بكل من يصمد في وجه الغرب.

كن زبونا لصناعتي متماثلا بي، وإلا فلك الويل!

(..)

اللواء تحمله الولايات المتحدة، وتمول، وتسلح، وتتخذ القرار، وتجر معها حلفاءها الأصدقاء اليوم، الأعداء المحتملين غدا عندما تتوحد أوربا، وعندما يتعاظم اليابان ويضع يده في يد الصين. الصين المهددة بحجمها وإمكانياتها وعبقريتها المتجلية في براعة الصينيين بطايْوان، وصناعة الصينيين بهونغ كونغ، ومهارة الصينيين بسنغافورة، وتفوق أبناء العم في كوريا.

همٌّ كامن، وخوف من المستقبل، وحرب اقتصادية تنِمّ بوادرها عن انشقاق الصليبيين ولو بعد حين لتصعد القوى الحقيقية في عالم اليوم: اليابان وألمانيا. والصين بعد حين. هم كامن وخوف وتوجس صرفته أمريكا إلى العدو القروني: المسلمين.

 (..)

أستغفر الله العظيم. طالعنا ما يضطرب في الكون لنسجل الوقائع. وما تفعل أمريكا والقوة لله وحده، وقانونه الأزلي أنه ينصر من ينصره، وأن العاقبة للمتقين.

عبد السلام ياسين، كتاب “تنوير المومنات”، ج 1، ص 83 – 89 على موسوعة سراج.