خطاب الأستاذة ندية ياسين مع الغرب 3

Cover Image for خطاب الأستاذة ندية ياسين مع الغرب 3
نشر بتاريخ

معالم خطاب الأستاذة ندية ياسين

كل صاحب خطاب يخط لنفسه معالم يسير عليها، ومنارات يهتدي بها، ولا يمكن الحديث عن خطاب الأستاذة ندية ياسين بمعزل عن قضيتها، فهي بوصلة للتفكير و طريقة موجهة للعمل، تسعى لترسيخها وتشق لها وجهة دالة عليها، حتى لا تشتغل بمنطق ردود الأفعال، فتحيد بها تفاصيل الأحداث من حولها، عن القصد و الغاية، فما معالم خطاب ندية ياسين:

سوف نعتمد في تحليلنا لخطاب الأستاذة ندية ياسين، على ماورد بين ثنايا كتاب : ” اركب معنا دعوة إلى الإبحار ” وهو بالمناسبة كتاب يقع في 424 صفحة من الحجم الكبير، شيق، تميز بجزالة أسلوبه و دقة وصفه و عرضه، كما امتاز بأسلوب حجاجي فريد، و عرض علمي للوقائع و الأحداث التاريخية الموثقة، دخل في حوار مع مفكري الغرب و أكاديمييه، انطلاقا من أرضيتهم المعرفية و فلسفتهم المرجعية، وهو يشهد لصاحبته بسعة الاطلاع، و عمق الرؤية، و دقة المستنتجات، ناهيك على أنه وثيقة مرجعية معتبرة، تكون مؤنسا لمن أراد معرفة الغرب و فلسفته المادية، و الأزمة الروحية الكبرى التي يتخبط فيها، فهي تدعو الإنسان الغربي لولوج عالم الإنسان الحقيقي، الذي يصده هذا الركام الهائل من التعميات عن إدراك مغزى و غاية وجوده .

السمة الأولى: خطاب تأصيلي

يحكمه هم الدعوة إلى الله سبحانه، و تسري فيه روح السنة النبوية، في رحمتها ورفقها، ونبذها للعنف وسيلة للإقناع، فهو يحرص على التدقيق في المفاهيم وتأصيلها، يخاطب الإنسان الغربي ويطرح عليه سؤال وجوده ومصيره بعد الموت، تقول الأستاذة ندية ياسين: ” هدفي في الأساس تحطيم العوائق التي تقوم حاجزا بين الإنسان و بين حقه في معرفة سر وجوده بمعرفته خالقه” . كتاب “اركب معنا دعوة إلى الإبحار” ص 23.

السمة الثانية : خطاب شمولي

بينه و بين السقوط في التسطيح والتجزيء والتقزيم، مفاصلة و حجاب. فهو في مقاربته، يستحضر جميع العوامل المتضافرة والمتداخلة في معالجة أية قضية كانت، خصوصا عند الحديث عن العلاقة بين الإسلام و الغرب، أو حوار الشمال و الجنوب، أو موضوع الاستكبار و الاستضعاف، فهي تعتبر أن أزمة العالم أزمة مركبة لا يمكن علاجها باستسلام الضعيف و انقياده للغالب، ولا يمكن اعتبار الغالب قدرا محتوما لا راد له، فقد أظهرت دائرة الصراع الدامي الدائر اليوم، أن القوة و العنف لن تجلب السلم و الأمان للمجتمعات بما فيها الغالبة. و تقترح حلولا منها :

أ – رفع دعم الغرب للأنظمة المستبدة، وعدم إعطائها الشرعية في قمعها لقواها الحية وتبرير تغييبها لقيم العدل و الكرامة و الحرية.

ب- احترام الغرب للديمقراطية و حقوق الإنسان و تكريسهما حقيقة في أرض الواقع.

ج- استقرار دول الجنوب و احترام اختياراته شعوبه، خصوصا الإسلامية منها كفيل بضمان الاستقرار و السلم العالميين.

تقول الأستاذة ندية ياسين في كتاب ” اركب معنا دعوة إلى الإبحار ” ص 9 : ” لقد آن الأوان لعالمنا المعاصر أن يقتنع بوجوب إحداث تغييرات جذرية و يبذل ما في وسعه ليصبح الإنسان قيمة محورية للوجود بدل أن يظل مجرد آلة تخدم مصالح أقلية من البشر، وبدل الخضوع لما تمليه ” الواقعية السياسية ” يجب الالتزام بمبادئ السياسة الحقيقية الأصيلة ” .

السمة الثالثة: خطاب واقعي

يلم خطاب ندية ياسين بالواقع المحلي و الإسلامي و الدولي بكثير من التفصيل و التدقيق في التحليل والمواقف، فهو تعاط من باب المسؤولية التاريخية والشهادة بالقسط، دون صمت او تبرير وبرغماتية ، تتحين الفرص و تجامل على حساب المصلحة العليا للأمة.

أ – الواقع المحلي : الاعتماد على الدقة و الجرأة في التوصيف والتشخيص، وتحميل المسؤولية، وفي اقتراح مداخل التغيير. أنظر الحوار مع جريدة الأسبوعية الجديدة المغربية الذي على إثره تحاكم اليوم ذ ندية ياسين بسبب رأيها الأكاديمي.

ب- الواقع الإسلامي: مراعاة كون الإسلام لم يعد منتصرا سياسيا، وان المسلمين يمثلون الأقلية بالنظر لمجموع الرقعة الجغرافية، مع سيادة أنظمة مستبدة تصادر حقوق هذه الشعوب الإسلامية ورغبتها، والتي كثيرا ما عبرت عنها في صناديق الاقتراع من خلال اختياراتها الإسلامية نموذج التجربة المجهضة لجبهة الإنقاذ الجزائرية وتجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس المحاصرة في فلسطين.

قالت الأستاذة ندية ياسين في معرض تقديم كتابها بجامعة جورجتاون، واشنطن، 20أبريل 2006: “حرصت على التزام الموضوعية والقراءة الناقدة في تحليل الأزمات الداخلية للعالم الإسلامي، حتى أتمكن من دعوة العقل الغربي إلى الفصل النهائي بين الإسلام وتاريخ المسلمين. وقد كان هذا النقد الذاتي أحد دواعي محاكمتي في المغرب ” .

ج – الواقع الدولي : الإحاطة بالتاريخ السياسي والفكري والثقافي للدول الغربية، والاطلاع الواسع على المتغيرات العالمية والصراعات المتحكمة في المجتمع الدولي، في مقابل الانفتاح على القوى المناهضة للعولمة الشرسة، من منظمات غير حكومية وأكاديميين و مثقفين…، مع الحرص على الدعوة للحوار من أجل التواصل الإنساني .

السمة الرابعة : خطاب حجاجي

ينطلق من مسلمات الآخر ومرتكزات فكره، ليخلص لنتائج يفرضها منطق الموضوعية والعلمية، فهو يناقش أسس تفكير الغرب ويجعلها قاعدة في الحوار الحضاري الراقي الباحث عن الحقيقة بعيدا عن الأحكام المسبقة، كما يعتمد على التوثيق الغزير بغية الإقناع.

أكدت الأستاذة ندية ياسين في معرض تقديم كتابها ب جامعة جورجتاون، واشنطن، 20أبريل 2006: ”

حرصت على أن تكون مقاربتي قائمة على البحث الأكاديمي الرصين، وعلى التوثيق الغزير،.

واقتصرت أيضا على مراجع ومصادر غربية في الفصل الذي خصصته لدراسة العوائق التي تمنع العقل الغربي من إدراك أو قبول الرسالة الروحية التي يحملها القرآن. وأود الإشارة إلى أن الفصل الخاص بالتوراة قد تم عرضه على رئيس أساقفة الرباط الذي لم يبد أي اعتراض أكاديمي على دراستي رغم أن الخلاصات التي توصلت إليها قد ضايقته بعض الشيء…”

السمة الخامسة: خطاب استشرافي

يبني للمستقبل وينظر للأفق البعيد المشرق للعالم وللإنسانية جمعاء .تقول الأستاذة ندية ياسين في خاتمة مقدمتها لكتاب “اركب معنا دعوة إلى الإبحار”: ” فلتشرع الأشرعة بل فلترتفع الحجب . فأنا لا أكتب فقط رغبة في المضي قدما على درب الاعتراض والاحتجاج ، بل واجبي مثل كل مسلم ومسلمة أن أميط الحجب الثخينة التي تمنع الآخر من تلقي الرسالة القرآنية، رسالة الله عز وجل إلى الإنسان ، كل إنسان” ص23.

يقول الدكتور زكي مبارك في قراءة له لكتاب “اركب معنا دعوة إلى الإبحار” : “إن عنوان الكتاب وحده وما يحمله من تضارب ومجاز لغوي يعط فكرة عن الأسلوب الرفيع المستوى الذي اعتمدته الكاتبة”.

ويضيف قائلا: “الكاتبة تدعو إلى رفع كل الأشرعة للإبحار والسفر نحو آفاق فسيحة الأرجاء، فيها من سعة الفكر ومتطلبات الحوار والإقناع والاقتناع ما يهدي إلى الصواب وإلى الطريق المستقيم”.