خربشات على جدران الزمن

Cover Image for خربشات على جدران الزمن
نشر بتاريخ

عند اصطفاء الله تعالى لك من بين خلقه واختياره لك أنت بالذات… فاعلم أنه يحبك، نعم يحبك… وعند تواجدك لسويعات بمحطة فتبدو لك بمثابة عمر جديد جاد به الله عليك ليختصر عليك الثواني ويهديك من رحمات السبع المثاني… فاعلم ان العبرة بالعطاء لا بالبقاء…

هي محطة دونت بمذكرات حياتي لم تكن كسابقاتها من المحطات، إحياء صلة محبة وأخوة مع أناس ربطتنا بهم العلاقة الإنسانية قبل وشيجتي الدين والوطن… أناس قدرهم أنهم ابتلوا في الزمان والمكان فوجدوا أنفسهم مبعدين داخل أسوار ضخمة بضخامة مآسيهم… وجدران ضيقة بضيق صدور أهاليهم… مبعدين في عالم معزول كعالم كواتانامو… ارتموا في كنفه تحت مظلة من مظلات أسماء متعددة: مسنات، متسولات، مدمنات، معاقات ذهنيا، معاقات أوجسديا، ذوات احتياجات خاصة، وزد ماشئت من الأسماء… المهم أنهن اقتسمن نفس الشعور ونفس الإحساس فأطلقن على أنفسهن اسم: منبوذات.

هذه المرة، كما قلت، لم تكن الزيارة تفقدية فحسب، بل تميزت بتميز نشاطها… فكان البرنامج مساعدتهن على الاستحمام بعددهن الذي يفوق المائة.

بصراحة، اختلط علي الحابل بالنابل حينئذ، فاحترت فيمن أولى بالاغتسال والاستحمام من درن عقول جامدة و قلوب ميتة، هل هؤلاء المسنات، الطاهرات، البائسات، العفيفات الكفيفات…؟؟؟ أم عوائلهن، من ماتت الرحمة في صدورهم، فتخلوا عن فلذات أكبادهم، تخلوا عن ذوات رحمهن، وتخلوا بذلك عمن الجنة تحت أقدامهن… ؟؟؟ أم أولئك المسؤولين، في بروحهم العاجية وأنفتهم الفارغة، ممن يتقاضوا أجورا شهرية باسم خدمتهن…؟؟؟ ذاك المشرف الحاضر جسديا، الغائب ضميرا ومروءة ومواساة؟ ذاك الموظف رسميا، السارق ماديا ومعنويا؟ من أولئك الذين يرقصون فوق الجراح النازفة ولا يبالون.

شاهدت بأم عيني موقفا لسيدة وفي يدها خمسة دراهم تطلب من أحدهم صرفها لها دراهم فلما أجابها بالنفي طلبت منه صرفها سجائر فما كان منه إلا أن صرخ في وجهها مطالبا منها لزوم الصمت… هكذا إذن حاميها، لعله حراميها، الذي انتفت فيه خلال المروءة والرحمة والتوجيه الرفيق الحاني

انتهت رحلة هذا اليوم… لكن لم تنته مشاعره التي ظلت عالقة، كلما تذكرته، تذكرت براءتهن وفرحهن، دموعهن وحزنهن، هكذا امتزجت، وامتزجت معها أحاسيسنا التي كانت بدورها تتأرجح بين البكاء مرة وبين الابتسامة مرة ثانية ومرات عديدة كانت دعاء لي ولجميع من تذكرته في حينه، دعاء خمل في طياته، حمدا لله المنعم على نعمة العقل، وحمدا لله على نعمة الصحة، وحمدا لله على نعمة دفء الأسرة، وحمدا لله على صحبة الأخيار من تذكروني وقت الزيارة فلم يحرموني أجرها ولم أحرمكم أجواءها .