حوار في الصميم، مع الأستاذة حبيبة الحمداوي

Cover Image for حوار في الصميم، مع الأستاذة حبيبة الحمداوي
نشر بتاريخ

لا يمكن لأمة أن تتطور وتشق طريقها نحو التمكين وشقها معطل، لا بد من الحضور النسائي القوي على منوال مجتمع النبوة الذي كانت المرأة فيه تمثل الذرع الواقي للفطرة، والحافظة لغيب أخيها الرجل، والفاعلة في شتى مجالات الحياة، ألسن للرجال شقائق؟

اغتنمنا حضور النساء في ذكرى الوفاء الثالثة، فكانت لنا حوارات مع بعضهن من صف الجماعة الداخلي، ومن أخواتهن اللائي أتين يشاركنهن معاني الأخوة والوفاء في ذكرى الوفاء، هذا قطف منها مع الأستاذة الكريمة حبيبة الحمداوي أمينة الهيأة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان.

نرحب بك على موقع أخوات الآخرة، موقع نساء العدل والإحسان، ما مشاعركم وأنتم تحيون الذكرى الثالثة لالتحاق مرشد جماعة العدل والإحسان بالرفيق الأعلى؟

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

أسأل الله تعالى أن يجدد الرحمات على الإمام المجدد عبد السلام ياسين ويرفع مقامه عاليا عنده، وأن يجازيكن خير الجزاء على ما تبذلنه من أجل نشر كلمة الحق على موقعكن الجليل الناطق باسم نساء نساء العدل والإحسان، موقع أخوات الآخرة.

وعن إحياء الذكرى الثالثة، فهي وفاء يتجدد لإمام مجدد، وفاء لرجل عاش لربه ولأمته ولكل المستضعفين في الأرض، أيقن بما آمن به من ضرورة تغيير حال الأمة، فعمل لأجل ذلك.

وتأكيد الوفاء لصاحب الذكرى، وقوف من جديد على إرثه العظيم الذي يمثل مشروعا متكاملا يجمع بين مطلبين أساسيين، التهمم بأحوال القلب في علاقته بربه ورغبته في إدراك مدارج القرب منه وبلوغ مرتبة الإحسان و“الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، ثم التهمم بأحوال الأمة والحرص على قيام العدل من حيث هو اهتمام بأمر المسلمين وانخراط في الشأن العام لتخليص الأمة من براثن الظلم والفساد.

ما السر في اختيار محور “التحولات الإقليمية الراهنة، أي دور للنخب والشعوب؟ في هذه المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة؟ وهل ترون حقا أن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا بالتحام النخب والشعوب؟ ومن الأولى وفقا لتصور الجماعة لقيادة هذا التغيير هل الأولى أم الثانية؟

ظلت حالة الاستبداد والفساد لصيقة بأمتنا أكثر من أي منطقة أخرى في العالم منذ عقود من الزمن، وأمرها ازداد سوءا حتى شمل كل قطاعات المجتمع، وأصبحت تصنف في آخر السلم العالمي فسادا واستبدادا، الشيء الذي جعل الموضوع له راهنيته، هي تحولات وأحداث متسارعة تقتضي انخراطا لكل غيور شريف تجري في عروقه خدمة الأمة، وكل ضمير أيقظته نكبات الأمة وهوان الأمة، فكل النخب الفكرية والسياسية والمجتمعية مدعوة للاضطلاع بمسؤولياتها نحو شعوبها للخلاص من الداء العضال الذي ينخر جسد الأمة ألا وهوالاستبداد. ومن أولويات النخب، الدفاع عن المصلحة العامة للناس وكشف الأخطار المحدقة بالأوطان، كما لها دور خلق الوعي وتعميم المعرفة في الوسط الاجتماعي لأن المثقف الحقيقي لا ينبغي أن يكون معزولا عن المجتمع الذي يعيش فيه.

والنخبة لا يمكن أن تصنع التغيير المنشود إذا تمكنت الأنظمة الفاسدة من احتوائها وحولتها إلى فئة مدجنة ومنخرطة في مشاريع الفساد، بل ينبغي أن تمتلك صفة الفاعل السياسي المنخرط في العمل من أجل التغيير وأن تكون على موعد مع التاريخ، نخبا جادة ملتزمة بقضايا الأمة، تحول تنوع المجتمع وإمكاناته وفكره ومؤسساته إلى قوة صانعة للعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة.

وأي حديث عن النخب يحيلنا بالضرورة إلى الحديث عن الشعوب، ولنا في تجربة الربيع العربي الدرس البليغ حين أثبتت أن الشعب يمكن أن يكون صاحب القرار، ومالك السلطة، ومفتاح المرحلة، إذا تحرر من ذهنية القطيع، الذهنية الرعوية التي تنتظر أن يفعل بها ولا تفعل، ويقرر في مصيرها ولا صوت لها يذكر، فاقدة الإرادة والمبادرة، وفي ذلك يقول الإمام المجدد رحمه الله فيكتابه”إمامة الأمة”، إننا بحاجة أن تنبعث هذه الإرادة المغيرة الفاعلة من داخل صدور الملايين، وقد ألفت الملايين قرونا أن تضع أمرها بين يدي الحاكم وتتواكل إليه، وتسكت عنه، فيا من يبيع الأمة غيرة، ويامن يهديها علما ويا من يأخذ بتلابيبها زجرا، لتنبذ ذهنية الخنوع التي صيرتنا مفعولا به في التاريخ منصوبا لكل ذل بعد أن كنا فاعلا مرفوعا عزيزا).

إنهما دوران ينبغي أن يتكاملا، دور النخب الفاعلة، والشعوب التي ينبغي أن تتخلص من عقد الهزيمة والسلبية والتواكل والتآكل، إلى ذات فاعلة تدرك حقيقتها وعلاقتها بالبيئة المحيطة بها، مستوعبة لما يحاك ضدها، والوعي خطوة مهمة لخلق الإنسان المهم.

الكثير من كتاباته رحمه الله حوارية وأخرى ضمنتها الدعوة إلى الحوار مما يدل على أن فكره حواري تعايشي ولكن لما كان لا بد للحوار من ظروف وأرضية يقوم عليها فما هي الشروط والظروف التي يقترحها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله؟ وأليس في تخصيصه الكلام بالفضلاء الديمقراطيين والصديق الأمازيغي إقصاء للفئات الأخرى؟

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكمألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله

لقد تحدث الإمام المجدد عن الحوارفي عدد من كتاباته، وفي كلمة جامعة مانعة في كتاب “حوار مع الفضلاء الديمقراطيين” قال: ومع ذلك، فنحن نمد اليد ونمهد الجسور لحوار ولقاء وتراض، لعل الفضلاء العقلاء يدركون أن مصلحة الأمة ومصلحة أبنائها جميعا اللقاء على كلمة سواء، لا على الحلول الوسطى المنافقة)، وصراحته رحمه الله مع الفضلاء كانت قوية حين طرح مفاهيم عدة للنقاش بعين فاحصة ناقدة، مشددا على ضرورة بناء العروة الوثقى في حياة الأمة التي لا تقبل بأنصاف الحلول، وحتى الديمقراطية التي تنادي بها كل الأطياف السياسية بمختلف مشاربها وضعها موضع النقد قائلا في كتابه”الشورى والديمقراطية”: مأخذنا الجوهري على الديمقراطية أنها فكرة وحكمة وعقلنة، هدفها أن يعيش الإنسان – بعض بني الإنسان – حياة ذكية رخية، مأخذنا عليها أنها لا تقترح على الإنسان مخرجا من الكفر، وهو الظلم الأكبر، فتبيح ديانتها أن يموت الإنسان غبيا لا يعرف ما ينتظره بعد الموت)

كما يبسط أفكاره ومشروعه المتكامل وهو يمد جسور التعارف ويبني قنوات التواصل، يبسط قضايا رئيسية، أي أرضية للحوار؟ أي مجتمع نريد؟ أي تغيير…؟

فلا شك أن الجواب لن يكون جادا دون تحديد الخلفيات وتقريب المتوافقات ثم تقدير الأولويات.

إنه حوار يسعى لبناء القوة السياسية والمجتمعية الكفيلة بقيادة عملية التغيير، وتجميع القوى الصادقة الراغبة في التغيير ومد الجسور وتهيئ المناخ الفكري للتقارب والتفاهم، إلا أن اللقاء يكون على بساط المروءات على صعيد المروءات، لو كان مع المروءة نصيب من التدين، يكون لنا لقاء مع العقلاء الفضلاء، ويكون لنا تعاون على منع التظالم وحماية الضعيف، وقول كلمة الحق زاجرة، ناهية آمرة). وبما أن التغيير مهمة سامية فلا بد أن يوثق هذا التعاون بميثاق ميثاق يحولنا من عهد لعهد، ومن كذب لصدق ومن نفاق لإسلام)، ميثاق يناهض الظلم ويقوي روابط الحقوق لكل إنسان: رأس الحقوق عندنا وأم الحريات ومنبع الكرامة، تحرير الإنسان من كل عبودية غير العبودية لله رب العالمين لا شريك له، ومن حقه في معرفة ربه وخالقه تنبثق سائر الحقوق)

الأستاذة حبيبة، باعتباركم أمينة الهيأة ع. كيف تنظرون إلى دور المرأة في التفاعل مع الأوضاع الراهنة وقدرتها على إحداث التغيير وكيف تقيّمون أدوارها خاصة وأنت تعرفين مدى حرارة الخطاب الذي خص به الإمام المجدد رحمه الله المرأة، ودعوته إلى تحريرها من مخلفات قرون العض والجبر ومن موروثات التقاليد البائدة وفقه لا يجوز التي ضيقت عليها الخناق وجعلتها كما مهملا أو قينة للمتعة والتفريخ، واعتبر وظيفتها لا تقتصر على إرضاء الزوج وتفريخ الذرية بل تنطلق أولا وأخيرا من إرضاء الله عز وجل.

نعم لا تغيير دون إشراك المرأة فيه متزعمة لا تابعة، إنه المنطلق.

لا شك أن الحديث عن دور المرأة يحيلنا بالضرورة إلى استحضار كتاب تنوير المؤمنات الذي يقف فيه الإمام المجدد وقفة متأنية على الانحرافات التربوية والفكرية والسياسية والفقهية التي عاقت مسيرة المرأة في التحرر من الدونية والعبودية لغير الله تعالى نحو بناء الذات، مسطرا خارطة الطريق لإخراجها من قمقم قعيدة البيت الأمية غير المسؤولة إلى صانعة المستقبل، مستلهمة من التاريخ نماذج خير نساء طلعت عليهن الشمس، مجاهدات واعيات بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهن، طموحات للقرب من الله عز وجل يمثلن ذاك الإنسان العدل الذي هو على صراط مستقيم. إن واجبها السياسي هو بناء المعروف والنهي عن المنكر، وواجبها المصيري تعبئة الأمة، بهذاستقود المرأة جهاد على مستويات عدة جهاد لمقاومة غطرسة الرجل الذي يتذرع بالإسلام وشريعته ليظلم المرأة، جهاد لكيلا يمارس الرجل قوامته ممارسة كئيبة، يقايض بالنفقة عبودية المرأة له، وعبادتها إياه، جهاد كسب القوت مادام المجتمع فقيرا لا يستطيع كفالة الأمهات ومادام المجتمع لا يعطي التربية المقام الأول ليأجر الأم المربية منتجة الإنسان أفضل ما يأجر العاملين)، بهذا ستساهم في إقامة مجتمع العدل وعمران الأخوة و كيان القوة والكفاية، حاملة رسالة الله للعالمين بهمة عالية وإرادة محررة.

الأستاذة حبيبة سعدنا بمحاورتك عبر موقع أخوات الآخرة، هلا بكلمة أخيرة؟

كنت أردد دائما والإمام المجدد بيننا، والله لو قطع البحر من أجل هذا المشروع لقطعناه معه، والآن وقد توارى عن الأنظار نقول له إنا على العهد لا مبدلين ولا مغيرين، من هنا الطريق حتى إحقاق الحق وإسقاط الفساد والاستبداد.

وأخيرا أدعو الله تعالى أن يمسك وحدة الصحبة والجماعة كما أمسك السماوات والأرض أن تزولا.