حوارات على هامش المنتدى الاجتماعي العالمي
رغم ضيق الوقت وكثرة المشاغل إبان حضوري المنتدى الاجتماعي العالمي أجريت بعض الحوارات التواصلية كان من بينها حوار مع إحدى الناشطات العلمانيات وهي مغربية من مدينة سلا تعمل مديرة مدرسة، حضرت المنتدى بصفة نقابية، كانت لهجتنا المشتركة أول ما شجعنا على الحوار، سألتني وسألتها عن الهوية والصفة ثم دخلنا في نقاش ساخن حاولت من خلاله إقناعي أو بالأحرى إقناع الحاضرين بمجموعة من الأفكار المسبقة حول قضايا مثل: الإسلام، حركة 20 فبراير، العدالة والتنمية والعدل والإحسان. وللحق فقد اعترفت بقوة الجماعة وتميزها في المشهد الاجتماعي والسياسي في المغرب، لكنها لم تجد لها مبررا ولا عذرا في التخلي عن حركة 20 فبراير، كما لم تعط للإسلام حقا في دخول الحياة العامة للناس.
اتسمت تدخلات محاورتي بالحدة وبوثوقية مفرطة جعلتها تتكلم بلهجة الآمر، فكانت في كثير من الأحيان تحتكر الكلام ولا تدع لي مجالا للرد عليها، ما يعطي الانطباع بأنها تريد فقط التشويش على أذهان الحاضرين ليس إلا. تكون لدي انطباع عن محاورتي مفاده أنها للأسف لا تقرأ للإسلام ولا للحركات الاسلامية وكل ما لديها هو مجموعة من الاتهامات والأفكار المسبقة التي تطغى عليها الصبغة الحزبية وتكاد تنعدم فيها الرؤية الثقافية والفكرية.
ناقشتها من منطلق الاحترام طبعا، فلكل الحق في تكوين الرأي الذي يستحسنه، تقول محاورتي إن الإسلام ينبغي أن يبقى نقيا ولا يدنس بالسياسة وتستطرد: إنكم عندما تدخلون الدين في السياسة ترتكبون خطأ فادحا وتسيئون الى الدين الصافي النقي لأن السياسة موطن اللاأخلاق فينبغي أن نحمي الدين من موبقاتها. قلت لها وفي أي مكان تقترحين أن نضع الدين في نظرك يا سيدتي، في المسجد مثلا، أوفي المقبرة؟ ألا تعلمين أن السياسة طردت الدين من المسجد فأصبح الخطيب مجرد موظف لدى وزارة الأوقاف، ولم تسلم المقبرة أيضا حيث لا يسمح بالدعاء لكل الأموات، إذ تقطع ببساطة أرزاق كل من سولت له نفسه الدعاء للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله على المنابر، دون اهتمام بتجويع أطفالهم ولا بتهديد استقرار أسرهم، إذن ماذا بقي للدين يا سيدتي الفاضلة، كيف نستطيع أن نحميه ونحن لا نستطيع حماية أنفسنا أمام طغمة من المستهترين بكرامة الناس وحقوقهم. لذلك أقول لك انطلاقا من قناعاتي إن هذا الذي تسمينه حماية للدين ليس سوى هروبا وتخليا عن الدين في أحسن الظنون، إن لم يكن إجهازا عليه وإكمالا لمهمة المستبدين المعتدين.
ثم استدركتُ قائلة: قد يكون الدين الذي تقصدينه مناسبا لهذا الاختيار لكن الدين كما أراه لاتسعه الدنيا بأكملها إلا أنه لا يقفز عليها أو يتجاهلها، بل ينطلق منها معتبرا الإنسان كائنا مشرفا “ولقد كرمنا بني آدم”، لكن على قدر التشريف يكون التكليف، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”. من مسؤولياتي أن أسأل نفسي عن منطلقاتي وعن أهدافي عندما أنوي الدخول في أي معترك، أقصد أن أسأل نفسي هل ديني يمنعني من النضال تحت مظلته، بمعنى آخر ألا يوجد في الإسلام شيء اسمه الدفاع عن المظلومين ومناهضة الظالمين؟ وانطلقت أسرد بعض الومضات من السيرة النبوية العطرة في مناصرة المستضعفين ومناهضة الظالمين…
قالت مسرعة لا تنسي أنني مسلمة، قلت لها لا عليك فأنا أناقشك من هذا المنطلق، قالت لكن الإسلام مسألة شخصية أي بين الإنسان وبين الله فلا يحق لكم أن تدعوا إلى الإسلام، قلت لها بينما يحق لكم أن “تبشروا” بالعلمانية أو الماركسية واللينينية بكل حرية، لماذا هذا الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالديموقراطية، هل هي من حق البعض دون البعض الآخر؟ قالت: أنتم طوائف كثيرة كل يفهم الإسلام بشكل مختلف، قلت لها لم يكن يوما اختلاف الأفهام أمرا سلبيا وقد أعطانا الله عقلا كي نختار الصالح من غيره، ولكنكم تتخذونها ذريعة لتضربوا كل الطروحات جملة وتفصيلا. قالت أنا لا أفهم كيف أن الليبرالية الجديدة الملتحية في المغرب تحكم باسم الدين وتسهم في تجويع الشعب لحساب التماسيح والعفاريت، قلت لها تعلمين موقفنا بوضوح من الوضع العام وخرجنا معكم في 20 فبراير ضدا على كل الإرادت المنبطحة لأننا طلاب عدل، فالعدل أساس الحكم، وكم أدخل العدل من خلق في الإسلام على عهد الخلفاء الراشدين، وتعلمون جيدا مثلما نعلم أن المؤسسات في بلدنا لا تمتلك الصلاحيات الكافية لإصلاح الفساد الذي طال البلاد والعباد، فلا شأن لنا مع الحكومات لأنها مجرد صورة لتلميع وجه النظام.
قالت فلماذا إذن تخليتم عنا وتركتمونا وحدنا في الميدان، أليس هذا تخل عن المبادئ؟ قلت وهل لا يوجد سوى شكل واحد من أشكال مناهضة الاستبداد؟ لماذا نبقى أسيري هذا الشكل وقد أصبح مجرد فولكلور يؤثث به النظام مشروعيته ويسوق للعالم بتطبيل وتزمير من الحكومة بأن العهد الجديد، عهد ما بعد الدستور، هو الربيع العربي المنشود وأن المغرب يمثل استثناء، فها هو الشعب على موعد كل نهاية أسبوع مع حرية التعبير ولا أحد يصادر حقه في الخروج إلى الشارع، بينما نحن وأنتم تستنزف قدراتنا المادية والبشرية في غير طائل، أليس هذا غباء سياسيا؟
قبل أن أودع محاورتي أو بالأحرى مجادلتي أعربت كلتانا على حسن “الصدفة” التي جمعتنا، وعبرتُ من جانبي عن متمنياتي في اللقاء في غير هذه المناسبة، فلطالما كرهت الجدال لأن نتائجه تكون محسومة سلفا، إذ يتشبث كل طرف بأفكاره ويكون هدفه دحض الخصم والانتصار عليه لا أكثر. إلا أن مبرري في دخول معمعانه هو محاولة الرد بروية وشفافية على قناعات صاحبتي أمام أناس ينتظرون إجابات صادقة بعيدة عن بهرجة المساجلات أو الرغبة في نصرة الذات.