حلم بمقعد

Cover Image for حلم بمقعد
نشر بتاريخ

أم توصي ابنتها هيام التي بلغ منها التوتر ما بلغ: “تأكدي جيدا من الإجابات يا بنيتي ولا تخافي سيكون كل شيء على ما يرام..”. وفي زاوية أخرى يجلس عبد الله الذي وصل لتوه بعد سفر دام خمس ساعات متواصلة بالحافلة ليصل إلى مكان اجتياز المباراة..

مشاهد مماثلة تتكرر أمام المدارس العليا كل سنة، حيث تتوافد جموع من التلاميذ والتلميذات رفقة آبائهم وأمهاتهم ليجتازوا مباريات تقيم معارفهم ومكتسباتهم للولوج إليها.

هؤلاء الشباب اليافعون الفرحون حديثا بالحصول على شهادة العبور للدراسات الجامعية “الباكلوريا”، لم تكتمل فرحتهم حتى دخلوا في دوامة من التفكير للاستعداد للمباريات، وتلك معضلة في حد ذاتها. يتهافت أبناء الطبقة المتوسطة على المراكز مؤدين مبالغ ليست بالبسيطة بينما يكتفى أبناء الشعب بما هو متاح على الشبكة أو سؤال أبناء الأقارب والجيران عن نماذج سابقة. يحجون جميعا من كل حدب وصوب يوم المباراة ليتنافسوا على مقاعد تضمن مستقبلهم كما يظنون. عددهم أمام البوابة يفوق أكثر من عشر مرات العدد المطلوب.

انشغلت هيام عن أمها في حديث متقطع مع صديقاتها اللواتي التحقن بالمكان، بينما ظل عبد الله في مكانه ينظر هنا وهناك والحشود تتزايد كل لحظة.

يسمحون لهم أخيرا بالدخول بعد انتظار طويل. يدخل الأبناء ساحة المعركة وأدمغتهم هي أسلحتهم في هذا اليوم وآباؤهم من ورائهم ينهالون عليهم بالدعوات والتوصيات.

الغريب في أمر هذه المدارس أنها مستقلة بذاتها، يجد التلميذ نفسه مجبرا لا مخيرا أن يستعد لهم جميعا، كل واحدة على حدة. نتساءل هنا لماذا لا تكون هناك مباراة موحدة للمدارس ذات التخصص المتقارب (طبي، هندسة، تقني، اقتصادي، أدبي..)؟! ذلك سيختصر الوقت والجهد، ناهيك عن عناء السفر في كل مرة. ولماذا لا تكون هناك مراكز جهوية يجتاز بها تلاميذ كل جهة دون الحاجة للسفر؟! أسئلة لا زلت أطرحها على نفسي في كل سنة، أنا التي اجتزت هذه المرحلة خمس سنوات مضت.

تفتح الأبواب ويبدأ المحاربون في الخروج. تقف والدة هيام على أصابع قدميها محاولة رؤية ابنتها، تلمحها أخيرا لتلوح لها هيام، فتأتي الأخيرة متحمسة والفرحة تملأ عينيها بما وضعته على ورقة الامتحان. يمر بمحاذاتهم عبد الله وباله منشغل بوقت رحلته الموالية.

يرجع الآباء والأبناء والأمل يملأ صدورهم وهو يحلمون بمقعد..

أعلن عن اللوائح بعد مرور 3 أيام ليقبل عبد الله وهيام للولوج لكلية الطب، وهما اللذان طالما تخيلا نفسيهما بالوزرة البيضاء، هيام نهجا على خطى أبيها وعبد الله طبيب قريته الأول الذي سيستقر بها بعد انتقال المئات قبله.