حلة الوطن في العيد…

Cover Image for حلة الوطن في العيد…
نشر بتاريخ

يهل علينا عيد الفطر هذه السنة، ووطننا الكبير على صفيح ساخن على كل المستويات، يهل علينا وظروف سياسية واجتماعية تنزل بثقلها على كيانات تحفظ من الإسلام الرسم أكثر من المعنى، والمظهر أكثر من الجوهر.

يهل علينا وبلادنا تئن تحت مطالبات اجتماعية ملحة لإخوتنا في الريف، قد تكون أشد إلحاحا في جهات أخرى من وطننا “الآمن”، قوبلت بلغة العصا والتعنيف والاعتقالات، عوض الحوار والتفاوض وأداء الحقوق.

يعم حزن عميق من كان في قلبه ذرة من إنسانية، لما يرى من الانتهاكات التي يُخشى أن تفسد فرحة العيد، وتتعالى الدعوات بعقاب من كان سببا في سقوط والد أحد شباب الحراك، والذي كان مسبوقا يقينا بشهداء سبقوا في حراكات مجتمعية سابقة خلدهم التاريخ بمداد الكرامة والعزة بالله تعالى، وخلد جلاديهم بمداد البوار والخزي.

توتر هائج مائج تزداد حدته كلما قوبلت المطالبات بالصد والرد، والتعذيب النفسي والجسدي الذي أصبحت تتسلل أخباره من وراء زنازن الاعتقال، وأسوار السجون…

كممت أفواه الأحرار، ومُنع من الخطابة من أبى تدجين الجهات الوصية، واستعيض عن خطب الخطباء الهادفة، الموقظة للواسن، والمحركة للساكن، بأوراق خطب مكتوبة مطبوعة، مفصلة على مقاس الإرادة المخزنية، تدفع جملة ليصك رنينها الممقوت آذان مصلين أصبح الكثير منهم يتحاشى التبكير للجُمَع، حتى لا يسمع لغوها الفاضح، ويتأذى ببعدها عن ملامسة هموم الشعب، ومتطلبات أمة مغلوبة مكدودة منهوبة، فيقدر أن أجر البدنة قد يكون أولى لمن عاف المنكر، ولم يقو على تغييره إلا بالتأخر المقصود.

سكت علماء عن الحق في الداخل والخارج، بل أصبح بعضهم أبواقا لأنظمة غاشمة ظالمة، يدعون لهم على المنابر ويباركون فضائحهم، ويتباكون على أعتاب كراسيهم خوفا وطمعا، والأشنع حينما يستغلون روحانية ليال عشر في بقعة قدسها الله ونزهها عن الإثم والاعتداء والانتهاك، من أجل أن يفتضوا صدق الصادقين، وخشوع الخاشعين، وروحانية المعتمرين القاصدين نيل ثواب حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل الدعاء للمعتدين والدعاء على المحاصَرين المقاطعين، وتمرير سياسات التجزيء والتقطيع لوطننا بإملاءات ترامبية تراجيدية.

فتحت مغالق خزائن العرب القارونية على مصراعيها، وبكرم حاتمي غاب في مواطن النصرة، في وجه زائر الضفة الأخرى، فخضعت رقاب حماة حمى الملة والدين وأنصارهم، لتقديم جزية عن يد وهم صاغرون، من شأنها أن تؤمن العمل ورغد العيش لمواطني الدرجة الأولى في الضفة الأخرى، وتزيد فاقة شعوب الدرجة الأخيرة، المنصوحة باتباع سياسة شد الوسط بالحجر “زهدا من الدين”، حتى لا يزعج أنين معداتها الفارغة صولجان حكام العشائر.

وبين يوم وليلة، بل وبين رمشة عين والتفاتتها، تشتعل نيران التفرقة والتجزيء، فيطال حريقها قلوب الشعوب قبل الحكومات، ويتحول الجيران إلى أعداء، وتغدو البلاد المسلمة لقمة سائغة يسهل التداعي عليها من كل جانب، وتتحول الحركات التحررية التي تشكل إشراقة لطيفة في ليل العروبة البهيم، إلى حركات إرهابية، ويصير جزء مهم من وطننا المستلب، المساند الرسمي للتطبيع والتمييع مع كيان بني صهيون الغاشم.

أيها العيد، فرحنا بك ملزم ما دام فرحا بالله وبمحارم الله، ما دام هو يوم الجائزة الربانية من الله الجواد الذي يروى عن رسوله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمنّ بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة” [1]

عساك تعود وقد رسمت البسمة على شفاه الوطن الحزين، عزا وتمكينا وقوة، ووحدة لا تتمزق، وصفا لا يخترق، ولعل أكبر عيدية لك يا مواطن الوطن، أن تعود لك كرامتك المفقودة في وطنك الجريح.

__________

[1] أخرجه سلمة بن شبيب في كتاب: “فضائل رمضان” وغيره، وقد روي من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإن كان الحديث ضعيفاً عند أهل العلم، فإن معناه صحيح وله شواهد كما يقولون.