حضر الشعب في مسيرة الرباط وحضرت “الكوفية الفلسطينية” بما لها من دلالات

Cover Image for حضر الشعب في مسيرة الرباط وحضرت “الكوفية الفلسطينية” بما لها من دلالات
نشر بتاريخ

حضر الشعب المغربي مسيرته الوطنية الجديدة اليوم، الأحد 11 فبراير 2024 بالرباط، وحضرت كل الرموز المرتبطة بالقضية الفلسطينية. وأبرز هذه الرموز الكوفية الفلسطينية بدلالاتها الرمزية والتاريخية والوجدانية والثقافية.

لم تكن الكوفية رمزا دالا على الثقافة الفلسطينية فحسب كما هو حال عدد من الرموز في الثقافات المرتبطة بالشعوب، وإنما هي أكبر من الثقافة بمفهومها المتداول، فارتداؤها من قبل شعوب العالم يحمل دلالات التضامن مع الشعب الفلسطيني، بل يتجاوز التضامن إلى تبني السردية الفلسطينية لتاريخ الصراع الدائر مع الصهاينة في الأرض المباركة.

“هاته الكوفية التي أتوشحها، أتتني من الأرض المباركة من فلسطين، من غزة تحديدا” تقول نسيبة من الدار البيضاء، التي تعتز عباراتها وقسمات وجهها، بارتداء كوفيتها التي أحضرها لها ولدها من أرض غزة أيام كان طبيبا، وقد زار تلك الأرض في إطار جولاته الإنسانية ضمن الطواقم الطبية التطوعية قبل التقاعد.

قصة كوفيتي هاته ممتزجة، يتداخل فيها ما هو ديني بالتاريخي والوجداني، تضيف نسيبة، ثم تؤكد: “أنا كبرت وترعرعت في أسرة لا تغيب القضية الفلسطينية عن تفاصيل حياتها، ومنذ نعومة أظافرنا نشأنا على ذلك”.

سألنا نسيبة حول ما إذا كانت الكوفية مرتبطة بالمسيرات فقط؟ فأجابت بأنها أكبر من ذلك ولا ترتبط بالأشكال الاحتجاجية المباشرة، “إنها مظهر وجداني للذات نعم، لكنها إشارة سياسية لنظامنا السياسي بأن الشعب المغربي مع هذه القضية ورافض بالمطلق للتطبيع مع الغاصبين”، وأضافت: “ارتداء الكوفية في العمل وفي الشارع هو عمل توعوي بأهمية القضية وتعريف بها في أوساطنا وتعميق لهذه الصلة، كما أنها لغة حجاجية أمام المتنكرين للقضية من منطلق تازة قبل غزة، فضلا عن كونها دعما للمقاومة هناك، وسنظل نقاوم بما استطعنا من أشكال إلى زوال التطبيع في المغرب”.

تربط نسيبة كوفيتها بـ”الانتماء”، وتعتقد في حديثها معنا من وسط المسيرة الشعبية بالرباط، أن اختيارها يتعارض مع ما يناقضه، لذلك “فلا معنى لارتداء الكوفية الفلسطينية بما تحمله من دلالات الانتماء، إذا لم نتشبع بمقاطعة الرموز المقابلة للكوفية”، تشير المتحدثة صراحة إلى ما بات يعرف الآن بـ “ثقافة المقاطعة”، ثم تقول: “تربينا منذ الصغر، على أن استهلاك سلع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني محرم في عائلتنا، وسلمنا بذلك في البداية، لكننا اليوم فهمنا عمق ما نشأنا عليه منذ الصغر”.

حال نسيبة لا يختلف كثيرا عن أحوال آلاف المغاربة الذين تكشف كل فعالية تضامنية مع فلسطين، بما فيها هذه المسيرة، حجم تعلقهم بكل ما له علاقة بفلسطين من أعلام وكوفيات، فلا تتصور مسيرة أو وقفة احتجاجية أو مهرجانا بدون حضور الكوفية التي تكتسي أهمية بالغة باعتبارها رمزا نضاليا وسياسيا يحمل رسائل فكرية ودينية لا تنفك عما تحمله البندقية في ميدان التدافع بين المقاومين والصهاينة في أرض الرباط.

لا تخلو مسيرة من المسيرات الشعبية الضخمة التي تشهدها شوارع الرباط وأزقتها وأمام البرلمان من بائعي “الشعار” كما يسمونها، ترى المتقاطرين من كل المدن يتجمعون، أحدهم يقتني علما صغيرا لطفلته، والآخر سوارا يحمل رمزا فلسطينا، والثالث شالا يمزج بين خيوط الكوفية والعلم المغربي، والرابع كوفيتان إحداهما له والأخرى لزوجته…

محمد في عمر الثلاثين بائع للكوفيات والأعلام والرموز الفلسطينية أمام البرلمان، أكد في حديثه لنا أن بيعه لهذا “الشعار” لا يتعلق بالربح المادي فقط، وإنما “أشعر أنني أقدم خدمة لهذه القضية بتقريب هذه الأشياء لمن يحضر للمسيرة”، ثم يضيف: “لقد أحضرتها من كراج علال بالدار البيضاء، لهذا الغرض”.

لا يسلم عدد من بائعي “الشعار” من التضييق كما أشار إلينا أحدهم، وقد بين امتعاضه من مصادرة السلطة لسلعته صباحا قبل انطلاق المسيرة. وهذا يقوي فرضية حضور وازع خدمة القضية أكبر من وازع الربح، ذلك أن التوجه الرسمي التطبيعي، لا يدعم مسار تعميم رموز القضية الفلسطينية، لذلك حاولنا استفسار البائع لكنه تحفظ على مواصلة الحديث، فتسللنا بين جمع المقتنين على إيقاع شعار علا في سماء العاصمة “فلسطين أمانة.. والتطبيع خيانة”.

حضرت الكوفية بمختلف أحجامها على شاكلة عَلَم، وفي صورة لثام، وباختلاف ألوانها؛ حمراء كانت، أو بيضاء أو غلب عليها لون السواد، وسواء في حلتها الفلسطينية الأصيلة أو أضيفت إليها في تشكيلها رموز مغربية متنوعة، لكنها في المحصلة هي “كوفية فلسطينية” تكتسب شرعيتها فوق الأكتاف وحول الأعناق وفوق الرؤوس، كما وهي مرفرفة فوق الجماهير إلى جانب علم أبي عبيدة وعلم حماس وأعلام أخرى تزينت بهم شوارع الرباط.