حسن الظن بالناس فضيلة من الفضائل الأخلاقية التي حث عليها ديننا الحنيف، وقيمة عظيمة من القيم الإنسانية الراقية، ومفهومه هو أن يتخذ الإنسان موقفًا إيجابيًا تجاه الآخرين، بحيث يفسر أفعالهم وأقوالهم بأفضل صورة ممكنة، دون التسرع في الحكم عليهم بالسوء أو الشك في نواياهم. ويعتبر حسن الظن عاملًا مهمًا في بناء العلاقات الإنسانية السليمة وتعزيز روح المحبة والألفة بين الناس.
هذا الخلق أحد أهم المبادئ في حياة الإنسان، فهو تعبير عن سلامة القلب وحسن النوايا، وهو أحد أهم أسباب السعادة وراحة البال والسلامة من تبعات مظالم الناس يوم القيامة.
وحسن الظن خلق رفيع يشمل مستويين:
– المستوى الأول يخص العلاقة بالله تعالى الخالق الرازق المدبر الحكيم، فحسن الظن بالله من أسمى طرق التعبير عن معاني العبودية والمحبة له سبحانه وأعلى مراتب الاعتراف له بالربوبية والألوهية.
– أما المستوى الثاني فهو المتعلق بالعلاقة بين المسلمين، وما يكتنفها من ظروف وملابسات يحتاج معها المسلم لتفعيل خلق حسن الظن لتسير الأمور على خير كما يرضى ﷲ عز وجل، ويتحقق التعايش بين الناس بالحسنى.
وأهم أسس حسن الظن بالناس هو إدراك المسلم أن الله وحده هو الذي يعلم ما في القلوب والنوايا، وأن الحكم على الآخرين يجب أن يكون مبنيًا على حقائق وليس على ظن أو شك، فيعمل بذلك على تجنب الكثير من الخلافات وسوء الفهم التي قد تنشأ نتيجة التسرع في إصدار الأحكام، إذ إننا عندما نحسن الظن بالآخرين، فنحن نعزز الثقة المتبادلة بين الناس ونساهم في بناء مجتمع متماسك..
فالظن في معناه هو عكس اليقين، وهو التردد وعدم الجزم في الحكم على أمور متعارضة في تفكيرنا وتصرفاتنا، فينتج عنه إما حسن الظن أو سوء الظن. وحسن الظن هو ميل الحكم إلى جانب اليقين، أما سوء الظن فهو ميل الحكم إلى جانب الشك، ويمكن التعبير عنه بطريقة أخرى وهي تغليب الخير أو الشر في أمر ما؛ حيث إن حسن الظن هو تغليب الخير، وسوء الظن هو تغليب الشر، وحسن الظن يبنى على أدلة صحيحة، أما سوء الظن فيبنى على الوهم والخيال والشائعات.
وحسن الظن خلق مهم جدا في التعامل بين الناس، إذ يمثل تنزيل حسن النوايا القلبية على الواقع المعيش، ومن أجل سلامة المجتمع ولكي يعيش المسلمون في سعادة وطمأنينة؛ أمر الله تعالى في كتابه العزيز بالتعامل بحسن الظن فقال سبحانه: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪جْتَنِبُواْ كَثِيراٗ مِّنَ اَ۬لظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَ۬لظَّنِّ إِثْمٞۖ [الحجرات: 12]؛ أي اجتنبوا الظن السيء وأحسنوا الظن ببعضكم، فالظن الخاطئ إثم يعاقب عليه صاحبه يوم الحساب.
وكذلك حذر عليه الصلاة والسلام من الحديث المبنيِّ على الظن فقال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) أخرجه البخاري.
والمقصود في النصين الشرعيين هو اجتناب سوء الظن وتغليب حسن النية واليقين، فالأصل حسن الظن بالناس ولا يصار إلى سوء الظن إلا بأدلة قطعية.
وقد ورد في هذا المعنى كثير من الأقوال عن السلف الصالح، فعن عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه أنه قال: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها محملا في الخير).
ونقل كذلك عن جعفر بن محمد قوله: (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرا لا أعرفه).
ويروى عن محمد بن سيرين قوله: (إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه).
إذن فالشارع الحكيم يحث على هذا الخلق النبيل والمبدأ القويم في التعامل بين المسلمين، فكيف إذن يمكن للمسلم أن يربي نفسه على التعامل بحسن الظن مع الناس؟
كي يختصر المسلم على نفسه الأمر عليه الالتزام بأمر ﷲ ورسوله ويتخلص من كل شك وظن بالمسلمين، وينتهج منهج التفكير المبني على حسن الظن والنية الصالحة، خاصة في ظروف يلتبس فيها الصواب والخطأ حتى يستبرئ لدينه ولا يقع في الظن الموجب للعقوبة.
فمنهجنا الرباني يرشدنا لأسلك السبل وأسلمها في التعامل مع الغموض وعدم الوضوح في المواقف، فننحاز مباشرة وبدون تردد للجانب الإيجابي في الموضوع، فهو أقل ضررا وأخف أثرا مهما كانت النتائج.
فالخطأ في حسن الظن خير وأفضل من الوقوع في معصية سوء الظن، قال تعالى: فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْماَۢ بِجَهَٰلَةٖ فَتُصْبِحُواْ عَلَيٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَۖ [الحجرات: 6].
وإن الشيطان يستغل عقول الناس التي تذهب مباشرة إلى افتراض السوء فيوسوس لهم ويزيد من تضخيم الأمر وتوسيعه حتى يفضي إلى الشحناء والبغضاء بينهم، وتشويه العلاقات الاجتماعية وإثارة الفتن، لكن المسلم الذي ينتهج المنهج الرباني السليم لا يدع للشيطان فرصة ليعبث بتفكيره ويوجهه وجهة الشر، بل يحافظ على سلامة تفكيره وسلامة سريرته فيقطع الطريق على كل خاطرة يمكنها أن تخدش في علاقته بأخيه المسلم.
ولنا في نملة سيدنا سليمان خير مثال حين قالت: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّمْلُ اُ۟دْخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَۖ [النمل: 18]، عملت النملة بمبدأ حسن الظن والتمست العذر لسليمان وجنوده وظنت بهم خيرا؛ حيث إنهم يمكنهم تحطيم النمل من غير قصد منهم وذلك لصغر حجمه.
لهذا كله ينبغي للمسلم أن يسعى دائمًا إلى تحسين ظنه بالآخرين، وذلك من خلال تدريب نفسه على التماس الأعذار لهم وتجنب الحكم عليهم بناءً على الشائعات أو المظاهر الخارجية، إذ إن حسن الظن بالناس من الصفات التي تساهم في تقوية أواصر المحبة والتسامح والتعايش في المجتمع، وهو مفتاح لبناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل والفهم الصحيح والثقة الدائمة.