حرب غزة صراع بين الحق والباطل

Cover Image for حرب غزة صراع بين الحق والباطل
نشر بتاريخ

مقدمة:

ثلاثة أسابيع واليهود الصهاينة يسومون أهلنا بغزة سوء العذاب…

ثلاثة أسابيع من التقتيل والتدمير وسفك الدماء بلا حق، لم ينج منه طفل ولا شيخ ولا امرأة ولا حيوان…

ثلاثة أسابيع من قصف متواصل بالليل والنهار دون توقف، ودوي الانفجارات المرعب يصم آذان الأطفال والنساء والشيوخ بلا انقطاع… إلا آذان المستكبرين والمطبعين وإعلامهم المتصيهن، فلا تسمع، وأعينهم ولا ترى…

مجزرة وحشية رهيبة يشنها اليهود الصهاينة على أهلنا بغزة بلا إلٍ ولا ذمة، حربُ إبادةٍ ضروس بلغت فيها غطرسة العدو الصهيوني منتهى همجيتها، وتجاوز فيها التنكيل بالأبرياء الآمنين كلَّ حد، وحَوَّل حياتَـهم إلى جحيم مستعر؛ دمارٍ هائلٍ، وتخريبٍ عظيمٍ حوّلا القطاعَ ومُدُنَه وأحياءَها وبيوتها إلى ركام وأطلال، وموت وخراب…

وتُتابع الأمة جمعاء بكل قطرة دم تجري في عروقها، وبكل ذرة من ذرات جسدها… بقلوب تتقطع ألما وأفئدة تتمزق حزنا وأسا، عاجزة مغلوبة مقهورة مكتوفة الأيدي، أحداث هذا الظلم العظيم… شاكية إلى الله هذا الواقع المهين والخيانات الدنيئة، وتداعٍ على أبنائها بغزة فظيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير…

ويتم كل هذا على مرأى ومسمع من “الدول الكبرى”، من لها الأمر والنهي في العالم، من تتبجح ليل نهار بدفاعها عن حقوق الانسان والديموقراطية… فقد افتضحت من جديدٍ حقيقتُها وانكشفَ قبيحُ سريرتها وانجلى كالح وجهها، وبلغ نفاقها مداه، وأصبحت طرفا مشاركا في الحرب يرغو حكامها ويزبدون، ويتوعّدون ويتهدّدون، وجندوا جنودهم وعبأوا إعلامهم لقلب الحقائق ونفث الشك والريبة، نُصرة للمعتدي الغاشم؛ فالاستكبار العالمي لا يقيم وزنا ولا اعتباراً للإنسان والحقوق، ولا للمواثيق والمعاهدات، عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني أو مصالحه، بل يستهين بأرواح الأبرياء من الأطفال والنساء، ويرمي الفصائل المقاوِمَة للاحتلال بالإرهاب ويتصدى لكل تنديد للانتهاكات الصهيونية وجرائمها… فالكيل بمكيالين دأبه ونهجه… فأعداء الحق يتناصرون بمقتضى عداوتهم له ولحمَلَته والدعاة إليه رغم ما قد يكون بينهم من خلاف وصراع … و”القوانينَ الدولية” التي وضعوها وفرضوها لا تحفظ حقًا ولا تُحَقِق كرامة ولا تحقن دمًا ولا تُحَرّرُ أرضًا.

1) ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ 1

صدق الله مولانا العظيم، فعداء اليهودِ للذين آمنوا مستمر منذ بعثة الإسلام، وعميق وشديد ودائم كما يقره البيان القرآني والوقائع التاريخية. يقول العلامةُ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظمُ الناسِ معاداةً للإسلام والمسلمين، وأكثرُهُم سعيا في إيصال الضَّرَرِ إليهم، وذلك لشدَّةِ بُغضهم لهم بغياً وحسداً وعِنادا وكفرا”.

ولكن رغم كل هذه النكبات والويلات وجَور الأعداء وخيانة الأدعياء وشدة الحصار، فغزة لم تنهار، وصبرُ أهلِها وجَلَدِهم وثباتِــهِم، بعث الأمل في القلوب وأحيا الرجاء في النفوس… فإخواننا صامدون بالرغم من قلة الإمكانيات، وعظم التضحيات، وكثرة التخاذلات واتساع الخيانات…

فما هي رؤيتنا الى ما يجري؟ ومتى نصر الله الموعود؟ وما هي بشائره؟ وما هو واجبنا تجاه أهلنا في غزة وفلسطين؟ أسئلة نعمل على الإجابة عليها في هذه المقالة/الكلمة.

2) ما هي رؤيتنا للأحداث؟

هل ما يتعرض له إخواننا من تقتيل وتعذيب وتهجير… يعتبر قدرا من قدر الله؟ هل يعتبر هزيمة للمسلمين وانتصارا لأعداء الدين؟

لا بد للمؤمن أن ينطلق في نظرته للأحداث وتحليله لها من كتاب الله وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ففيهما ما كان وما هو كائن وما سيكون… فكل شيء خلقه المولى عز وجل بقدر، وقدره تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير 2، سبحانه وتعالى…

وما شهدناه خلال هذه السنين من أحداث وحروب وأزمات وتغييرات مناخية وكوارث وجوائح… قدر من قدر الله ومخاض لعهد جديد إن شاء الله، واستعداد لاستقبال ضيف مبارك طال انتظاره، وقدر نسأل الله أن يعجل بنزوله، وفرج لكل الإنسانية نرجوه سبحانه أن يسرع بحلوله.

والمؤمن يستقبل ما يقع في هذا الكون بقلب راض مطمئن، وفهم واع عن الله، وعزم راسخ للثبات في مواطن الكفاح، والصبر عند الصدمات…

قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه» 3.

يقول الامام عبد السلام ياسين رحمه الله عز وجل: “والمؤمن القوي المستقيم العقيدة لا يخوض في غامضات القضاء والقدر، بل يفوِّض علم ذلك إلى الله عز وجل ويثق بحكمته عز وجل وتدبيره وحسن اختياره لخلقه، غير غافل لحظة عن أن مَبْنَى هذه الدار الفانية ومعناها ابتلاء العباد بالشر والخير فتنة. ولله سبحانه الحجة البالغة في باديات الأمر وخفياته.” 4

3) صراع بين الحق والباطل

وما يحدث بغزة العزة اليوم ويتعرض له أهلنا هناك من تشريد وقتل جماعي وإبادة فظيعة زلزلت القلوب وهزت المشاعر تحت أنظار المجتمع الدولي المتواطئ المتآمر المتفرج، جزء من هذا المخاض، وحلقة جديدة من حلقات الصراع الأبدي الأزلي بين الحق والباطل، بين أولياء الله وأولياء الشيطان، بين المستضعفين المظلومين والمستكبرين المتجبرين… وقدر من قدر الله عز وجل… فهو مدبر هذا الكون وقيومه، لا يتحرك فيه متحرك ولا يسكن ساكن إلا بأمره…

فالصراع بين الحق والباطل سنة ربانيةٌ ماضية ما دامت السموات والأرض، ومعركة لن تَخبُوَ نارُها ولن تَخْمَد جَذوتُـها إلى قيام الساعة، تمتد فصولُـها عبر تاريخ الإنسانية كما يخبرنا بذلك الذكر الحكيم: وَلَوْلَا دِفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لفسدتِ الأرضُ، ولكن اللهَ ذو فضلٍ على العالمين 5.

فلولا هذا الدفاع بين أهل الحق وأهل الباطل، لعمَّ الفسادُ الأرضَ وانتشر واستشرى، فهلكت الأرض وكل من عليها من كائنات… وبهذا الدفاع والتدافع تعلو كلمةُ الله وتظهر على الدين كله، ويرفع به الله أقواما ويُعلي ذكرهم، ويتخذ شهداء هم عند ربهم أحياء يرزقون…

فهو أمرٌ حتمي وسُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الله في كونه، فالحق والباطل ضدان لا يجتمعان، ونقيضان لا يأتلفان، وعليه ما فتئ أهل الباطل يسعون إلى أهل الحق لإزالتهم وصَدّ الناس عنهم بكل ما أوتوا من قوة، ويحْتَالُون في إِضْلَالِهم بكل حِيلَةٍ وإمالتهم إِليهم بكل وسيلة.

ويمثل اليهودُ الصهاينة في هذا الزمان روحَ الباطل 6 ومذكوا نعرته وعداءه ومُؤَجِّجُوا فتنته، وينصرهم في عدائهم ويؤيدهم بدون قيد ولا شرط، الاستكبار العالمي والنصرانية المهودة، ويشكل هؤلاء الدعم والقوة لهم… والله من ورائهم محيط. وفي هذا يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله عز وجل: “لنتابع القرآن الكريم في إكثاره من ذكر اليهود والنصارى والمشركين، ولنقرأ من إزاء القرآن سنة الله التي جعلت خط سير هذه الأمة موازيا للوجود اليهودي النصراني الشركي دفاعا ومدافعة ودفعا إلى “وعد الآخرة” 7.

واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى بأقبح الكيد وألأم المكر، وشنوا عليه حربا مريرة لم تفتر لحظة واحدة منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تزال لحد اليوم يتسعر أوارها لا يهمد، فتاريخُهُم مع الإسلام ظلامٌ في ظلام، وأيديهم القذرة ملأى بالإجرامِ.

وعلى هذا “ليست “قضية فلسطين” قضية محلية، بل هي قضية مصيرية… هي بداية المواجهة الحاسمة بين الحق والباطل، بين الجاهلية والإسلام” 8.

وإن كان للباطل جولة بما كسبت أيد الناس وبالبعد عن دين الله والتهاون في الأخذ بالأسباب، فللحق بإذن الله صولات وجولات… والعاقبة للمتقين… فالحق باق ثابت أبلج، والباطل فاسد لجلج، لا ثبات له ولا استقرار، زائل لا محالة مهما طال الزمان ومهما ملك من قوة وعتاد… فالحقُّ والعدلُ أساسٌ في هذا الكونِ، وأصلٌ في بناءِ السماوات والأرض، ومن الحق أن تزولَ غِشاوَةُ الظلمِ، وتنقشِعَ غُمَّةُ الاستكبارِ، وتُـملأ الأرضُ قِسْطا وعدلا.

يقول المولى عز وجل: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق 9.

ويقول: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا ينْفَعُ النَّاسَ فَيمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ 10، والجفاء في اللغة هو ما يرمي به الوادي إلى جنباته، فكما يضمحل زبد السيول وأمواج البحار فيصير غثاء لا ينفع ولا يُنتفع به، فكذلك يضمحل الباطل ويتبدَّد… فهو يعلو كالزبد ويتجمع ليتلاشى ويندثر وينمحي.

 

وكما سن الله عز وجل الصراع بين الحق والباطل ووضع له سننا، سن الابتلاءَ لعباده المؤمنين؛ ابتلاء بالسراء والضراء وتعاقب النصر والهزيمة، وابتلاء بالخوف والجوع ونقص في الأموال والأولاد… ليمحصهم ويطهرهم تطهيرا ويتخذ منهم شهداء. فيقول سبحانه عز وجل: إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 11، صدق الله مولانا العظيم.

فما يتعرض له إخواننا في غزة من تقتيل وإجرام وفظائع في صمت دولي مريب وتواطئ دول الاستكبار الغربية وحكام الجبر مقيت، ابتلاء للأمة جمعاء لتعلم أنها فرطت في دين الله فتطاول عليها أخس الخلق، كما هو عامل مهم يسهم في إيقاظ أمة طال سباتها وغاب وعيها، فانتشال الأمة من وهدتها تتطلب رجّات وهزات وتضحيات… شاء الله عز وجل أن يكون مركزها ومحورها فلسطين، أرض الإسراء والمعراج…  

وفي الأخير لن يصيب المؤمنون إلا ما كتب الله لهم، ولن يصيبهم إلا الخير بإذن الله فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران، 174-175).

ثم إن “احترام نواميس الله في الكون وسنته في التاريخ مع صعود النيات إلى الملك الحق مفاتيح لأبواب السماء، بها مع الصلاة والدعاء تتنزل السكينة وتغشى الرحمة وتهب رياح النصر برفرفة أجنحة الملائكة 12.

فنسأل ذي القوة والجبروت أن ينزل على المجاهدين بفلسطين سكينته ويوافيهم بالنصر من حيث لا يحتسبون، ويجعل الدائرة على الصهاينة والمتصيهنين، والحمد لله رب العالمين.


[1] المائدة: 82.
[2] ابن القيم الجوزية.
[3] رواه الترمذي رحمه الله عن جابر رضي الله عنه بإسناد حسن.
[4] الامام عبد السلام ياسين، كتاب الإحسان، جزء 2، ص 260.
[5] سورة البقرة، الآية 251.
[6] الإمام عبد السلام ياسين، كتاب سنة الله، ص 118.
[7] كتاب سنة الله، ص 230.
[8] الإمام عبد السلام ياسين، سنة الله، ص 118-119.
[9] سورة الأنبياء، الآية 18.
[10] سورة الرعد، الآية 17.
[11] سورة آل عمران، الآية 137-141.
[12] “الإمام عبد السلام ياسين، كتاب سنة الله، ص9.