حدث استوقفني.. حينما اشتكى الجمل صاحبه لرسول الرحمة

Cover Image for حدث استوقفني.. حينما اشتكى الجمل صاحبه لرسول الرحمة
نشر بتاريخ

وافانا شهر الربيع النبوي يُقبل بأنوار الحبيب المصطفى يذكرنا بمولد سيد الكرام وإمام الأبرار خير من مشى على الأرض ودعا، وأرشد واهتدى، وهدى عباد الله قائلا: من هنا صراط الله المستقيم.

ولأننا مأمورون بالوقوف عند سنته واستلهام العبر من سيرته والتعلم من تفاصيل حياته، نقف عند معجزة من المعجزات التي أظهرت رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان، بل وكيف أن حيوانا رأى الحبيب المصطفى فعلم أنه وجد الرؤوف الرحيم الذي سيبث إليه شكواه فيعيها ويوصي به خيرا ويترك الوصية خالدة أنّ الرحمة واجبة لكل المخلوقات التي خلق ربنا يوم خلق بإذنه ما أراد.

ففي الحديث الشريف الذي رواه أبو داوود وغيره أن النبي دخل ذات مرة بستاناً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جَمَل، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن، فقال: (لمن هذا الجمل؟) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه).

يا له من حدث عجيب غريب يحمل في طياته عبرا وعظات تنطق رحمات من قبس النبوة، فلم يقف نوره عند بني البشر فقط، بل أنار على سائر المخلوقات، حتى أن الجمل عندما رأى طلعته البهية انطلق يبث شكواه ويعرض حاجته ويطلب سؤله.

إني سائل يا كرام فأخبروني: من قال للجمل أنه رسول الله؟ وكيف لان هذا الحيوان وذرف الدموع وهو المعروف بشموخه؟ ومِن أين له بالحكمة حتى يستعطف الحبيب المصطفى للاقتراب منه ولمسه وقضاء حاجته التي هي من معجزات الله لنبيه الكريم ومن دلائل نبوته؟

نكون في زمرة الغافلين إن نحن مررنا دون توقف على تفاصيل هذا الموقف العظيم واستنبطنا منه تصديقا لقول الله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ هذه الرحمة النبوية التي عاش يمشي بها بين أهله وأصحابه وينشرها بالقول والفعل والعَبرة والنّبرة حتى أجمع العدو قبل الصديق على عظمته وسموّه ورفعته، كيف لا وهو الذي جاء بدين الرحمة من ربّ رحيم وأخذ العهد أن يخرِج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.

نعم أيها الأحباب، فقد رأى الجمل المظلوم في وجه الحبيب الفرج فبادر، ونحن الأولى أن نبادر إلى ما جاءنا به رسول الله، ونحن المخبَرون أن باب الله للتوبة والإنابة هو رسوله، قال ربنا عز وجل: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً.

هلا نظرتم معي أيها الأفاضل إلى قيمة الحنو والرأفة في رسول الرحمة حيث انتبه لهذا المخلوق ولاحظ دمعته وتفاعل مع شكواه، وقد يمر الواحد منا بأخيه المسلم فيجالسه ويحادثه ولا ينتبه لما يختلج نفسه ولا يقرأ ملامح وجهه. وهنا درس بليغ نتعلمه من معلم البشرية الخير أن انتبهوا لخلق الله وأحوالهم فقد يجعل الله الفضل بك على مكلوم فتقضي حاجته فتنال الرفعة والثواب.

ثم انتبهوا معي حفظكم الله إلى إسراعه بحل المسألة ورفع اللبس، وتوضيح النازلة دون تأخر أو تماطل، نعم رغم أن المشتكي جمل مسخّر لحمل الأثقال إلا أن الرحمة قيمة نبوية راسخة أحسّها حتى الجماد، وارجع لقصة الجذع الذي حنّ إليه إن أردت.

ويا له من درس نبوي مبهر لمن يلقي السمع ويتلقف الدرر من سيرة الحبيب التي لم تقتصر على البشر فقط بل التمس بركاته الشجر والحجر والغمام والتراب… فقد كان الرسول الكريم نبراسا يضيء الطريق لسائر المخلوقات حتى يستنبط العبد العاقل من عظمة هذا الرسول الرحيم فيتّبع أثره ويقصد خطاه ويلزم غرزه لينال المراد بالمعية الروحية الدنيوية والمرافقة الأخروية بتوفيق من رب العباد.

إن في سيرته لعجباً، وما هذه القصة إلا نقطة في بحر جوده وأنهار فضله على العالمين، كيف لا وقد زكاه رب العالمين من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، فقال سبحانه في شهادة ربانية دائمة: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ.

فصلى الله وسلم وبارك على صاحب الخلق العظيم وأفاض علينا من بركات ذكراه ما يستقيم به حالنا وأحوالنا، إنه سميع مجيب.