(من قصد السبيل إلى فشل التطبيع)
(وما خفي عند الله هو أعظم وأبقى….)
تقديم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها” صحيح الجامع.
شذرات ولمع قد تجمع شتات النفس والفكر لترغب في النظر لوقائع الأمة، وحدث سفينة غزة من المعالي وتحدد أين الوجهة وبوصلة الفرد والجماعة والأمة رغم فخاخ التطبيع والتيئيس والتكالب.
أسعى في هذه المقالة إلى الإجابة عن:
-كيف نخرج الناس من ضيق النظرة الغثائية أو السطحية إلى سعة الرؤية في التغيير والتحرير ببشارة ويقين وعلم؟
-كيف ندل الناس على ما المطلوب ما بعد هذا التكالب العالمي؟
-كيف نقدم للناس جوابا عن سؤال الكيف؟ كيف ننظر ونرى واقعنا وحقيقة العدو وبأي منظار؟
في غمرة الأحداث والمواجهات والمعارك بين مدرسة المنهاج النبوي واستكبار العدو، كان النبي صلى الله عليه وسلم نعم الموجه والمربي والمعلم في فترات الشدة وانسداد الأفق الأرضي.
كانت النبوة تضع خف الرجال على الخف المنهاجي النبوي، وتنقل القلب والعقل إلى مدارج الفهم العالي لصناعة شخصية إنسان كامل روحيا وعلميا وجهاديا، قادر على السبح في أرض المواجهة، وقلب حركة النفاق وإفساد اليهود القلبي والعقلي وكثرة السؤال إلى هزيمة وانكسار وانحسار.
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرضى في مشروع صنع الأمة وفلك القوة، سوى تربية جيل الصحابة رضي الله عنهم على معالي الأمور والرؤية الاستراتيجية الشمولية، وتجاوز العقبات والتحديات بروح سامقة لا تقنط فتورا، وعقل ثاقب لا يحوم ويدور عنتا في فلك شبهات المطبعين والمنافقين مع الإفساد.
كانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن إستراتيجية منظمة نابعة من الوحي والكمال والمنهاج، ولنا من التاريخ والواقع أمثلة عن “التربية بالمعالي”:
– التربية المعراجية:
في مرحلة الشدة وبعد شدة عام الحزن والطائف، عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة رضي الله عنهم، وهم ينتظرون الجديد من السماء لتجاوز الحصار القريشي.
فبعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراء والمعراج، لم يحدثهم عن إستراتيجية تجاوز عقبة قريش واستبداد الظلم، بل رفع الفهم عاليا وجعل النظر والرؤية في التغيير يتعدى تحرير مكة إلى تحرير الإنسانية وأقاليم الأمة والعالم من الإفساد والاستكبار، ففهم الصحابة رضي الله عنهم العبرة من سورة الإسراء ومن رحلة النبوة إلى بيت المقدس، ليفقه جيل التحرير أن المنهاج النبوي هو ميراث النبوة، وبركة السماء، ليس فقط هدفها تحرير بقعة صغيرة اسمها مكة، بل وتحرير الإنسان والعالم وصناعة العمران في الأرض.
فحين سألته ميمونة بنت سعد عن بيت المقدس أجاب عن عظيم، عن ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال: (أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره)، قلت: رأيت إن لم أستطع أن أتحمَّل إليه؟ قال: (فتهدي له زيتاً يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه). رواه أبو داوود وابن ماجة والطبراني وصححه الألباني.
فحتى النساء تعلمن معالي الأمور، ولم تسأل ميمونة كيف نتخلص من ظلم قريش مع أنه هو الحدث الأكبر، أو تسأل كيف نحرر المسجد الحرام رغم غياب النصرة ودولة حاضنة، بل سألت عن رؤية أعظم وسمو في النظر وعلياء في الجوس والتحرك المستقبلي.
سألت العالمة المجاهدة عن بيت المقدس وهو محتل آنذاك، فمن علم هذه المرأة علو النظر والاستشراف المستقبلي؟ ولماذا لا تسأل أو يسأل الصحابة فقط عن أمر محدود وهو فتح مكة وانتهى الأمر؟
إنها التربية النبوية علمت النساء والرجال النظر من حيث نظر ورأى النبي صلى الله عليه وسلم (لنريه من آياتنا)
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم مما تعلمه من جبريل عليه السلام ومما علمه الله من (لنريه من آياتنا)
أراد منهاج النبوة أن يرفع هممنا اليوم لطلب المعالي، عوض النظر بيأس في تطبيع إماراتي، أو خيانات عظمى بين أنظمة عربية ديكتاتورية والصهيونية، بل علمنا العظماء أن ننظر كيف نتعلم من البحر إشارة الخفاء، وأن الأرض إذا كانت تجري وتموج بالفتن والفوضى والتكالبات، فإن البحر يخفي فيه الله قدرته لنصرة عباده العاملين الصادقين.
– التربية الخندقية:
المثال الثاني في التربية النبوية على علم المعالي هو مثال ونموذج في غزوة الخندق، ومن ميراث النبوة فهم الرجال معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها).
ففي غزوة الأحزاب ولما طبع المشركون مع اليهود لتصفية الأمة ومشروع النبوة، كان التكالب حزبيا جماعيا حامي الوطيس والحصار شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن اليهود خططوا لإفساد يجتث مشروع عباد الله ومشروع البأس والجوس المنكي.
وكانت المواجهة بين العدو والصحابة تدور لفترات طويلة، حتى أنه في أحد الأيام ظل المسلمون يدافعون عن الخندق من قبل صلاة العصر إلى ما بعد المغرب فضاعت عليهم صلاة العصر، وكأن هذا الحدث فريدًا في السيرة، وانزعج المسلمون بشدة لأنهم أضاعوا الصلاة، وقال كما جاء في البخاري عن علي رضي الله عنه: “مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهَمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ”.
كانت المقاومة فعلاً شديدة، وأصيب فيها بعض الصحابة، وطال الحصار.
تربية النفاق:
وبرزت فرقة المنافقين وتسللت عساها تربي الأمة على الجبن والالتفات والذل، والمشركون من حول المدينة واليهود. لا أمل مطلقًا في نظرهم في نجاة الصحابة رضي الله عنهم وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا [الأحزاب:12].
وكان أحدهم يقول: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، وبدأ المنافقون في التسرب من الصف، ثم الفرار وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا.
رغم هذا الاصطفاف بين المشرك واليهود الغادر والمنافق المطبع الذي يذكرنا بتطبيع اليوم، ورغم أن المسلمين كانوا في حالة شديدة من جوع شديدٍ وفي أثناء حفر الخندق، شكا الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم ـ صخرة لم يستطيعوا كسرها، فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخذ الفأس وقال: (بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد.
-رسالة النظرة النبوية مع حمل الفأس…
أراد الصحابة رضي الله عنهم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالصخرة الكبيرة التي تزداد عقبة مع عقبة الأحزاب والحصار، فإذا به ينقل المشهد من مأزق، ونظر حجري صخري، إلى نظر إلى الأعالي، إلى نظر للمستقبل، إلى نظر يرفعك عن التعلق بعقبة الصخرة والنفس والخوف، وتقديرات مادية للمعركة.
الذي نعتبر به من خلال تغيير النبي صلى الله عليه وسلم المشهد إلى حديث عن البشارات ورؤية التحرير والفتوح، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يحفر، في نفس اللحظة كان يحرص وينظر في نفوس الصحابة (حريص عليكم) ويشع من قلبه الحرص والحب والرحمة (بالمؤمنين رؤوف رحيم).
هدفه من التفقد في نظر الصحابة رضي الله عنهم هو توجيه رؤيتهم إلى الأعالي، ومعالي الأمور، بدل الالتفات والاستنكاف عن منهاج النبوة، والانزلاق في الرؤية الأرضية الطينية الوضع القائم، فالحال بالحساب الرقمي والعددي هو أن قوة الأحزاب تحاصر الجوانب، وتغلب في القوة والعتاد، وهذه النظرة قد قدرها بعض الصحابة بالقبة البشرية التي تشعر وتنزل لتنظر بنظر الآخرين.
لكن ما دام بين جنبي الصحابة رضي الله عنهم نبي فإن الرؤية تتحول إلى رؤية إلى الأعالي، بل رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على تلمس معالي الأمور في التغيير والتحرير والعمران.
فليس عبثا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتبشيره إياهم وإيانا بالأفق العالي والنظر من الأعالي، وهو يأخذ الفأس ويقول: (بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس..)
أراد كسر حجر وصخر، لكنه في الآن نفس أراد كسر حجر نفوسنا المرتبطة بالطين والأرض.
التبشير هنا تربية وسط الخندق وحصار الأحزاب، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع نظرهم من نظر أرضي إلى نظر عال، ينقلهم من الانحسار في خندق وفتح ونصر في معركة جزئية، إلى نظر مستقبلي إلى فتح فارس والشام وبيت المقدس والعراق…
-المنهاج والنظرة النبوية باقية وتورث…
سبحان الله، هو منهاج النبوة دوما يصحح المفاهيم، ويوجه برحمة وحب، ويرفع الأفق عاليا، بدل السقوط في فخاخ المنافقين المطبعين مع المشركين واليهود، والذين كانوا يتغلغلون، ويخترقون الصف للتقويض من شخصية عالية، تعلمت من النبوة الهمة والنظر، ولإنزال النفوس والهمم العالية إلى طينية الأرض والحساب بالأرقام والقوة، بدل النظر بالروح الأرقمية…
لاحظوا هي نفس التربية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لميمونة بنت سعد والصحابة حين بشرهم بفتح بيت المقدس وهم محاصرون في أرض مكة.
سبحان الله، النبوة خير ونور وبركة وميراث وأعظم ميراث، ترفع عن الإنسان العنت ومشقة التفكير في الخلاص من حصار قريش، إلى النظر إلى الرؤية الإسرائية المعراجية، إلى النظر إلى فتوح بيت المقدس والقسطنطينية والعالم، بدل التفكير في فتح مكة وبقعة قريش، إنه النظر العالي المرتشف بالصحبة العالية مع الجماعة الصادقة، رغم حصار قوي طال النواة الأولى…
خلاصة الميراث…
الخلاصة إذن، أن التربية النبوية كانت راقية كمالية متممة عالية، رفعت الجيل الخالد من رؤية الطين والخندق والطائف إلى نظرة العلياء، لتطهير الأرض من العلو والإفساد اليهودي، إلى نظرة الفتوح المستقبلي لصناعة العمران في الأرض، وهذا في عصرنا لن يأتي إلا بالفهم عن الله.
– التربية الفلكية الغزية.. (سفينة غزة)
لم أقصد بها تربية حساب وفلك وكواكب، بل قصدت كيف ستكون فلك في غزة وسفينة سببا في تربيتنا على الرؤية العالية والنظرة الخندقية والنبوية.. فما هي حكاية السفينة والفلك في غزة؟
في معركة الأمة مع الإفساد الثاني، وعلى مشارف خير مقبل عظيم للأمة رغم التكالبات، فإن حركة المنافقين والمطبعين تعمل عملها ليل نهار من أجل إضمار شيء مبارك في الأمة، تعمل حركة دون ردات فعل أو عمل مفاجئ أو تحرك عاجل، بل الاستكبار العالمي الصهيوني يحرك نظام الجبر والأنظمة العربية الديكتاتورية (كما سمته النبوة) ليصطف مع الإفساد الصهيوني ليحققوا في الشعوب والأمة اختراقا في النفس والعقل، من خلال حركة التطبيع الديني الأبراهامي والثقافي والهولوكوستي والتراث العبري لضرب هوية الأمة وعمقها وفطرتها لتقبل بالكيان الصهيوني.
أي أن الصهيونية تعمل عمل يهود بني قريظة مع المشركين، للاصطفاف في أحزاب ترسل صفوة العقول والمعرفة للتغلغل أولا في صفوف المدينة لبث اليأس والتشكيك في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم.
نفس الإستراتيجية تتبعها الصهيونية مع منافقي العرب، لكن اليوم بتوظيف “أنظمة نفاق وتطبيع” وآليات عالمية فكرية للتغلغل في نفوس وعقول صفوف الأمة وشبابها، خصوصاً بعد الفشل لمدة مائة سنة في تصفية فطرة وفكرة الشعوب تجاه القضية الفلسطينية والتغيير المطلوب.
وأمام هذا الحصار الذي تعيشه الأمة والشعب الفلسطيني ويشبه حصار الأحزاب، يأبى القدر إلا أن يتدخل لتوجيه بوصلة الأمة مثلما تدخل النبي صلى الله عليه وسلم لتوجيه الصحابة رضي الله عنهم في الإسراء والمعراج والأحزاب، ليرفع رؤيتهم كما قلنا إلى الأعالي بدل التهمم بحصار الاستكبار وتطبيع الجبناء.
السؤال إذا كان المبدل لرؤية الصحابة في محطات الحديبية والأحزاب والطائف، هو منهاج النبوة، فمن في عصرنا سيوجه ويربي ويبدل نظرنا إلى النظر نحو المعالي، ومن يغير وجهتنا ببشارات ترفع الهمم ورؤية من معالي الوحي والنبوة بدل أن نبقى حبيسي النظرة الأرضية المادية، والغرق في القراءة السطحية للأحداث والشتات الفكري دون منظار عال من الوحي، بدل أن نبقى حلس التفكير في دوران ودورة العدو وتطبيعه.
قد نفتقد حضور النبي صلى الله عليه وسلم بين جنبينا وهو معنا، لكن منهاجه حاضر، ونوره حاضر، وخيره حاضر، ومن منهاجه أن نصدق يقينا أن الله ينصر عباده الصالحين المصلحين الذين يتخذون الأسباب. يأتي علماء ومجددو الأمة لينوبوا عن النبوة، ويجددوا النظر في واقع الأمة وتاريخها المفعم بالنكبات والانكسارات والأخطاء التاريخية، ويأتي قدر الله ليكون هو المعلم والموجه، حين تتجلى قدرة الله في البحر وترزق المجاهد القسامي بركة الماء والفلك والسفن والسلاح بسبب عبادة رب السماء وفعل الأسباب.
ولنا في غز ة وحدث ما خفي أعظم رسائل من السماء:
الرسالة الأولى:
قدر الله هو عطاء الله، يرسل رسالة مفادها أن معية الله وعنايته لم تنقطع عن الأمة ولا عن المقاومة ولا عن الطائفة المنصورة.
سنة الله وفلك الله ترسل رسالة تفيد أن أرباب الليل والجهاد “كالشهيد نور بركة” وأحمد ياسين وفادي أبي صلاح ورجال غزة والأمة لا يضيع جهادهم، والله ناصرهم، وجند السماء والأرض والبحر معهم ما داموا هم مع الله، وشغلهم هو الله، وليس الجهاد أو الحركة أو تحرير بيت المقدس نهاية غاياتهم، بل جعلوا أمر الآخرة ملاذا، وتحرير العباد أسبابا، فالتقى حبل الآخرة بحبل الأرض ففتح الباب في البر والبحر (وما كان عطاء ربك محظورا).
الرسالة الثانية:
رسالة البحر وغزة و”قصد السبيل” رسالة إلى الإنسان في الأمة الذي تحاصره أنظمته العربية وتستغل الوباء لتصفية حسابات.
رسالة “قصد السبيل” وعطاء السفينة، أن الحسابات التطبيعية البحرينية أو الإماراتية وغيرها، لا تنفع ولا تغلب، لكن حدث غزة وسفينة غزة والمقاومة أرادت أن ترسل رسالة، أن القدر كان المعلم كي:
– نجدد الرؤية النبوية والنظرة الأرقمية..
– وننظر إلى معالي الأمور، ونرفع السقف عاليا في التفكير والتخطيط:
– ليكون همنا أكبر من تحرير فلسطين من داء مؤقت.
– لتكون رؤيتنا المرتشفة من رؤية الإسراء والمعراج ورؤية الخندق، تتجاوز تحرير فلسطين والأقطار والأرض من الأنظمة الديكتاتورية العربية، بل التحدي أن ننظر إلى ما بعد تحرير بيت المقدس، ننظر إلى صناعة العمران في الأرض، صناعة دولة القرآن، صناعة العمران الأخوي، وتبليغ رسالة الآخرة إلى العالمين كي يكرع العالم ارتشافا، مما ذاق منه المحبون لله والقرآن، ومما حصلته قلوب رجال المقاومة من معية وقرب من الله الذي يعد الفتح الأول.
هكذا كانت “الرؤية الإسرائية والمعراجية” في الطائف، و”الرؤية الخندقية” في الأحزاب، ورؤيتنا الفلكية مع سفينة غزة.
كان الحدث درسا كي نجدد الرؤية إلى كمال الرؤية، ولن نجد الكمال إلا في رؤية النبوة.
الرسالة الثالثة:
هي لي ولك ولنا جميعا، سفينة “قصد السبيل” وحدث السفينة يسعى إلى تحقيق القصد مع الله والفرح بالكرامات مع الفعل والعمل.
قدر الله يذكرنا أن نفرح بعطاء الله مع الاستمرار في أخذ الأسباب لنكون من عباد الله الجامعين فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار.
قدر الله وعطاء السفينة، يذكرنا أيضا ألا نتعلق بزمن النصر أو نتعلق بعتاد سفينة “قصد السبيل”، لكن عمدة الحال، الاعتماد على قدرة الله وعلى سبب الإنسان وسؤال الكيف (ماذا أقدم للأمة وبيت المقدس؟) كي أغنم مثل ما غنم رجال الليل والميدان في المقاومة.
ليس الأس أن تغنم سفينة أو فلكا مشحونا بسلاح، لكن إذا سعيت سعي صحابة نظروا في الطائف والخندق نظرة النبوة والطموح والأعالي، فإنك ستغنم من الله صحبة ومعية بعين الله وعطاء في القلب والعلم والحركة (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا)، هذا هو أساس العطاء والكرامة في فقه المقاومة وفقه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
خلاصة: جبهة الصنع وجبهة عين الله
ما ناله الرجال في الخندق، أو الأحزاب أو فتح مكة، أو معركة سجيل، أو طير أبابيل أو الفرقان، أو مع أحمد يا سين ويحيى عياش، أو صلاح شحادة إلا بصناعة الرجال في سفينة المدرسة القرآنية ومحاضن العلم والتربية الإيمانية والعملية.
إذا تهممنا بصناعة الرجال وفق صنع الله (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) صحبة جبهة الصناعة والسبب وجبهة عين الله والسماء، فإننا لن نجد سفينة واحدة أو عطاءات في البحر، بل سيكون العطاء عظيما، وأعظم الكرامة الاستقامة وأعظم الكرامة، حين نفهم المنهاج النبوي الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لصحبه، وفرحوا به أيما فرح بهذه الرؤية الاستراتيجية في التغيير.
حين نفهم هذا العطاء الأول وهو البناء، ونعلمه ونربي الجيل عليه ونتشربه كميراث للنبوة، آنذاك سيكون العدو الصهيوني صغيرا في أعيننا، والتطبيع بكل الأنظمة العربية المستبدة حقيرا زهيدا.
سؤال اليوم..
السؤال اليوم من يجمعنا على مشروع النبوة، ومشروع تجديد سفن النفس لنسف تكالبات الكيان والسلطان؟
هدفي من هذه الشذرات ليس من قبيل الأماني المعسولة أو دغدغة المشاعر، ديدني أن نخرج مخرج صدق وندخل مدخل صدق، ليجعل الله لنا سلطاناً نصيرا، وبأساً ظهيرا، لتطهير الأرض من حكم الصبيان وعلو طغيان وكيان.
حديث الرحى والدوران…
هدفي من المقال أن نخرج من كوة جبل أو زاوية عالم منكمش يأكل من فتات مأدبة سلطان، أو دروشة مثقف جبان، إلى سعة الدنيا والآخرة، إلى سعة نظرة الإسراء والمعراج، والنظرة الخندقية، دون تخندق في بلاط سلطان تحت مائدة وتطبيع، هدفنا أن نخرج من عزلة أنفسنا في بيوتنا، وأنانية وشح نفوسنا إلى سفينة “قصد السبيل” وسفينة “الصنع والفعل” والعمل بعلم الله وعين الله ووحي الله..
وأسأل نفسك وحدثنا كم عشت دهرا، وماذا قدمت للأمة وبيت المقدس وسفينة التغيير والتحرير والعمران؟
وقل: هل تأخرت، ماذا عملت؟
لماذا فاتني الرجال؟
لماذا بقيت حلس بيتي مع طرفة نفسي وحب الدنيا دون عطاء وبذل، يحوله الله إلى عطاء وفرح بالله، وفرح بفيوضات ستعلمها وتحسها كما فقهها رجال المقاومة ورجال الأمة والعطاء؟
الدواء هو الدوران مع سنن الله، ومن سنة الله الفعل في الأرض، (ما عملي، عملي عملك).
سألني صديق وشهيد “حسن أجلابي رحمه الله” في محاضرة بعنوان “حديث الرحى والدوران” عن كيف ندور إن تحرك العدو ودار دورانا، قلت:
دوروا حيث دار القرآن، هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً فِي الدِّينِ فَلَا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ ؛ يَمْنَعْكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ).
وما دارت وتحركت أمواج في فلك غزة والمقاومة فدلتهم على غنائم إلا بدوران الرجال مع القرآن..