حب ينير الوجدان

Cover Image for حب ينير الوجدان
نشر بتاريخ

ها قد أطلت علينا ذكرى غالية من أعز الذكريات وأجلها، ذكرى مولد خير البرية؛ النور المضيء والرحمة المهداة منقذ البشرية من الضلال والهلاك. بمولده استنار الكون وأضاء، وهلت كل الكائنات واستبشرت، سعد بمقدمه البشر والشجر والحيتان في قعر البحر. حبه يرضي المولى الكريم ويشع في القلب نورا وبهاء ويربطه بسلسلة نورانية ربانية ترصعها لآلئ المحبة والوقار والخضوع للواحد القهار.

فكيف نقوي حب خير الأنام في قلوبنا؟

وكيف نجعل ذكراه وسيلة لتمتين هذا الحب وتوطيده؟

لنجدد حب المصطفى في قلوبنا

اطلع الله عز وجل على قلوب الخلائق فانتقى أطهر وأصفى قلب فاتخذ صاحبه حبيبا وقرن اسمه باسمه وجعله سيد البشرية جمعاء، ومن ثم أوجب حبه على العباد فقال عز من قائل: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (التوبة: 24). ما جعل الله حبه يسمو على كل المشاعر إلا لما فيه من حياة للقلوب ونور للصدور.

وقد نال الصحب الكرام الحظ الوافر من هذا الحب النبوي الشريف فكانوا يلهجون بلسان واحد: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله»، فدوه بأموالهم وأنفسهم، وذادوا عنه في المعارك والغزوات، وأطاعوه في كل صغيرة وكبيرة، حتى أن أحد المشركين وصف حال الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فقال: «لم أر قائدا مع أتباعه مثل محمد قط، فهو لو بصق لاختطفوها ومسحوا بها وجوههم تبركا وحبا…».

وعلى نفس النهج سار السلف الصالح؛ فمنهم من كان يصفر لونه ويقشعر جلده كلما ذكر بشمائل المصطفى، ومنهم من كان يعزف عن ركوب الدابة في بلد دفن به جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم تواضعا وتذللا لمقامه الشريف، ومنهم من كان يأبى أن يحدث بحديثه دون طهور…

فاز القوم وسعدوا بحب النبي الكريم وحظوا بالمراتب العلا وبالقرب والخلود معه في الجنة، فالمرء مع من أحب كما بشرهم صلى عليه الله وسلم، وهم حين بشرهم بهذه البشارة ما فرحوا بشيء كما فرحوا بها، وحق لهم أن يفرحوا لأن هذا الفوز لا يعدله فوز.

ولما طغت المادة على حياة المسلمين بدأت جذوة حب الرسول الأعظم تخبو في القلوب، والشوق إليه يتلاشى من الصدور، لذا أجمع علماء الأمة في القرن الثالث الهجري على ضرورة إحياء ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ليتجدد شوق المسلمين لرسولهم، ولتبقى قلوبهم حية نابضة بحبه.

اشتقت إلى إخواني

قوم يأتون بعدي يحبونني ولم يروني، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، أجر العامل منهم بأجر خمسين رجلا، فسأله الصحابة رضوان الله عليهم: أمنا أم منهم؟ قال بل منكم. تكريم نبوي يلحق آخر الأمة كما شمل أولها، واشتياق خير الأنام إلى كل محب صادق مناه اللحاق بالقوم والفوز بمرافقته صلى الله عليه وسلم في أعلى الجنان.

إن كان الصحب الكرام قد برهنوا على حبهم له بالهجرة والنصرة وتقديم الغالي والنفيس لإعلاء كلمة الله وتأسيس دولة الإسلام، فإن أول ما يجب علينا اتجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أن نحبه وننشر حبه في الكون لنقطع لسان كل متطاول حاقد ولنخرص كل جاهل يتفوه بما لم يعلم…

 

فما كان للذين حاولوا أن يسيئوا لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم- ولم يستطيعوا- أن يقولوا ما قالوا لو علموا رفقه بالكفار وعفوه عنهم حتى ولو بالغوا في إذايته ومطالبة الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم أناس يوحدون الله. وقوله لهم عند قدرته عليم :اذهبوا فأنتم الطلقاء…

 

ما كان لهم أن يقولوا ما قالوا لو علموا عيادته لجاره اليهودي المريض الذي كان يؤذيه كل صباح بالقاذورات في باب بيته. وحلمه على المتبول في المسجد… ورفقه به وحسن توجيهه للشاب الذي جاء يطلب الإذن بالزنا فقال له أترضاه لأمك؟ قال لا قال أترضاه لأختك؟ فقال لا… ومن ذلك الحين والشاب من أتقى الناس.

 

ما كان لهم أن يقولوا ما قالوا لو علموا إنصافه للمرأة وتحريرها من ربقة الجهل والعبودية حتى أصبحت ذات شأن عظيم يتنزل فيها قرآن يتلى وتحاور العلماء في المسجد بل يتلقى الرجال عنها العلم والمعرفة…واهتمامه بالأطفال وتشجيعهم على اللعب والحوار لتتنمى قدراتهم وتقوى شخصيتهم فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل الطفل عمر عن طائره قائلا: يا عمير أين النغير؟ وكان يترك الحسن والحسين يمتطيان ظهره الطاهر…

 

حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها حكم ودروس وعبر وتوجيه في جميع المجالات، وشخصه الكريم يحب حتى من ألد أعدائه فبالأحرى من كان من أمته لكن أنى للقوم بمعرفة حياته إن لم تبذل أخي المسلم أختي المسلمة قصارى جهدك كي تعرف به وبسيرته العطرة.

 

جعلني الله وإياكم أعزائي القراء من المحبين للرسول الكريم ومن الذين يبرهنون عن حبهم بصدق وإخلاص آمين آمين والحمد لله رب العالمين.