حبسهم العذر وشاركوكم في الأجر

Cover Image for حبسهم العذر وشاركوكم في الأجر
نشر بتاريخ

بقلم: عطية معيين

تتباهى الناس بختماتها؛ تلك أربع، وذاك خمس، وهذا يختم القرآن الكريم كل ثلاثة أيام..

تفتح فاطمة هاتفها الجوال، فترى أعمال الخير تترى، تتقاطر من كل صوب وحدب.

ويشاهد أحمد صديقه عليا وهو يوثق مشاهد عمراته وزياراته للروضة الشريفة على صاحبها أزكى الصلاة والتسليم، يشاهد كل يوميات اعتكافه بالمسجد الحرام، ومنظر السفرة المصفوف وقت أذان المغرب.

تتابع سعاد كل يوم المشروع الذي تبنته إحدى الجمعيات في إفطار الصائمين وشراء كسوة العيد، وهي التي لم تستطع إنفاق درهم واحد طوال شهر.

تتحسر فاطمة وهي التي بالكاد استطاعت إكمال ختمة واحدة، وتنظر إلى نفسها بعين الاحتقار، وما عساها تفعل وهي الساعية على أطفالها منذ ساعات الفجر إلى ما قبيل المغرب، فقد ازدادت طلبات الزبائن في المحل الذي تشتغل فيه بصنع الحلويات. تعود كل مساء وقد لفحتها حرارة الفرن، وتورمت قدماها من الوقوف الطويل، لتبدأ عملا آخر ينتظرها، هو الاعتناء بأسرتها بعد يوم غياب.

أما أحمد فقد اسْتُنفِذَت طاقته في مناوبات عمله، مرة ليلا ومرة نهارا، بإحدى شركات النسيج.

يتناول سحوره على عجل في المعمل في مدة لا تتجاوز الخمس عشرة دقيقة، ليعود ثانية إلى إتمام عمله، وأحيانا يتناول فطوره بنفس الطريقة أيضا، ولم يستطع الصلاة في المسجد إلا في عطل نهاية الأسبوع..

وسعاد؛ ربة بيت، ذات أطفال، التحق بعضهم بالمدرسة حديثا، والآخرون ما زالوا في طور الرعاية. لا يختلف يومها في رمضان عنه في غيره، بل أكثر، فهي ملزمة بتحضير الوجبات لأطفالها الصغار، وإعداد فطور الصيام لها ولزوجها.

وهكذا هي دوامة الحياة عند الكثير، بل أكثر، كلما رأيتهم تذكرت الآية الكريمة: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (التوبة، 92).

ينظر الله إلى قلوب عباده، فيرى تحسرهم على ما فاتهم، وهم من غير المتكاسلين ولا الغافلين، وإنما شغلهم السعي على أسرهم أو آبائهم وأمهاتهم عن القيام ببعض الطاعات الخاصة بهذا الشهر الفضيل..

لم تكن فاطمة ولا أحمد ولا سعاد، وغيرهم كثير، ممن أبعدهم التلفاز ولا الجوال عن الختمات والقيام وسائر الطاعات.. وإنما شغلتهم مسؤوليات في أعناقهم، ومهمات لا يستطيعون تركها، ولا يوجد من ينوب عنهم في أدائها..

قدموا القليل وأعينهم تفيض من الدمع حزنا، غير أنهم علموا أن رب العباد أرحم بهم من أنفسهم، وأنه الكريم الذي يجازي على النيات.

وأن الجنة يدخلها أقوام وأقوام، بعضهم بكثرة تعبدهم وتوفيقهم للأعمال الصالحات، وبعضهم بالسعي على الأرملة والأيتام، وببذل الجود من الموجود، وبقلبهم الذي وسع العباد بالأخلاق الفاضلة..

رفقا بنفسك يا فاطمة، ويا أحمد، ويا سعاد… فرب العباد دائم الوجود، ليس فقط في رمضان، وإنما في انتظار الصلاة بعد الصلاة، وفي الجمعة والجماعات، وفي حلق الذكر، وفي ركعتين بجوف الليل، وفي قضاء حوائج الناس… في دعاء تتذلل فيه وتخشع وتطرق الأبواب، وفي دعاء يستحضرك فيه غيرك، فيحملك معه إلى عنان السماء..

ورفقا بأنفسكم؛ يا من جعلتم من مواقع التواصل مكانا لعرض أعمالكم، دون مراعاة لإحساس عاجز أو مريض أو فقير.

رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا.

اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا وإسرافنا في أمرنا، وتقبل منا الطاعات، واجزنا عن الإحسان إحسانا وعن الإساءة والتقصير عفوا وغفرانا. آمين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.