منذ تأسيس جماعة العدل والإحسان، حملت على عاتقها مسؤولية تربية الأجيال وبناء الإنسان المؤمن الذي يجمع بين عبادة ربه وعمارة الأرض. لم تكن هذه الرؤية مجرد شعار، بل كانت مشروعًا تربويًا متكاملًا يقوده رجال ونساء استلهموا خطاهم من مؤسس الجماعة؛ الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله. وها نحن اليوم، في الذكرى 12 لوفاته، نستحضر إرثه التربوي والفكري.
الإمام عبد السلام ياسين: مربي الأجيال وصانع المشروع
لم يكن الإمام عبد السلام ياسين مجرد مرشدٍ أو مرب، بل كان نموذجًا يُحتذى به في الصبر والثبات على المبدأ، وفي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. ترك الإمام إرثًا فكريا وروحيا شامخا، جعله رمزا للتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر ومنارة للشباب الباحث عن المعنى في خضم التحديات المعاصرة.
كتب الإمام عبد السلام ياسين في كتابه إمامة الأمة: “يُنتَظَرُ من الشباب المسلم أن يكونوا أسْدَ العرين، وحماة الدين، وعمادَ الأمة. وذلك لا يأتي إلا بتربية تزرع في القلب الإيمان والتقوى. فإنه إن انتشر جند الله في الحركية الدائبة يوشكون أن ينْسَوْا الغاية. ومن نَسِيَ الله أنساهُ نفسَه، فهَلَكَ وأهلك” 1.
هذا الاقتباس يوضح النظرة العميقة التي يحملها الإمام لدور الشباب في النهضة والإصلاح. كان يؤمن بأن بناء الإنسان يبدأ من الروح والقيم والمبادئ، قبل بناء المادة أو المؤسسات. كما كان يعتبر أن الصحبة والجماعة هما السند الحقيقي للشباب في زمن الفتنة، مؤكدًا أن الشباب لا يصلح بمعزل عن بيئة صالحة تربطهم بربهم وتقوّم مسيرتهم.
“لا تكونوا أحبتي مقلدة واسمعوا خطاب ربكم في تلاوتكم، وتسديد نبيكم في وصاياه ونموذج سلوكه. ارفعوا همتكم إلى الله، واجعلوا نصب أعينكم دائمًا وصية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم حين قال له: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ“ 2.
شهادات الوفاء لصاحب الذكرى
طوال مسيرة جماعة العدل والإحسان، كانت الشهادات واللقاءات والحوارات دليلا حيا على الأثر الفكري والتربوي العميق الذي خلفه الإمام عبد السلام ياسين في حياة الشباب. الكثير منهم يروون كيف أثرت أفكاره ومبادئه في مسارهم العلمي والسلوكي.
نشهد اليوم شبابًا تربوا في كنف الجماعة، يحملون المشعل بأمانة، ويجددون العهد على الوفاء للمبادئ والقيم التي زرعها الإمام في قلوبهم. هؤلاء الشباب، الذين لم تأسرهم تيارات التفريط أو الغلو، ظلوا على منهج تربوي متوازن، واضعين العدل والإحسان شعارا لحياتهم وأعمالهم.
ذكرى الوفاء: إرث يتجدد
ذكرى الوفاء للإمام ليست مجرد احتفاء رمزي، بل محطة لتجديد العهد والاستمرار في حمل الرسالة. نستذكر كلماته في وصيته للأجيال:
“وأوصي بالعمل الصالح، انطلاقًا من صلاح المؤمن والمؤمنة في عبادتهما وتقربهما إلى الله عز وجل زُلفى بالفرض والنفل، وتوجهًا بالجُهد العامل البعيد النظر، الصابر على مشاق الطريق، لجمع شتات الأمة وبناء وحدتها لَبِنةً لبِنة، حتى يرتفع صرح الخلافة على منهاج النبوة، التي بِهَا وَعَدَنا من لا ينطق عن الهوى، مبشِّرًا بغَد الإسلام الذي لا ريب فيه، كما هي الساعة والبعث والنشر والحشر والجنة والنار حقائق لا ريب فيها” 3.
“كونوا أحبتي حيث تكره النفس ويكره الشيطان. كونوا حيث يحب الله أن يراكم. كونوا أنصارًا لله، كونوا جندًا لله، كونوا متحابين في الله” 4.
الخاتمة
الإمام عبد السلام ياسين، الذي شبّ الشباب في كنف فكره وشابت رؤوسهم وهم على خطاه، ترك إرثا عظيما يدفعنا للتأمل والعمل. نستلهم منه الثبات على المبادئ والحرص على تربية النفس والأجيال القادمة، ليظل مشعل العدل والإحسان منارة للأمة وأملا في مستقبل أكثر إشراقا.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا السير على دربه بأمانة وإخلاص.