بقلم: شيماء العيساوي
اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول.
إن الإسلام بفضائله الثابتة ومبادئه الكريمة، وقيمه العالية يسعى لتحسين العلاقات الاجتماعية وإقامة الروابط بين الناس على أساس الاحترام، وحسن المودة وطيب العشرة، وتبادل الثقة ورعاية المصالح وصون الحقوق، وعلى أساس التعاون والبر والخير والاستقرار والأمن، لاسيما بين الجيران.
فالجيرة في الإسلام أمانة ينهض بعتباتها أصحاب الأخلاق الفاضلة والعزائم المتوثبة القوية، وقد جاء تأكيد الوصية بالإحسان إلى الجار في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله سبحانه يقول وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (سورة النساء الآية: 36).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه” 1.
فما أجلها وأعظمها من وصايا وآداب، والآداب مرتبطة بالإيمان، والمؤمن الحق رقيبه إيمانه لا يسعى في الشر لجاره، فإيمانه قانونه وضابط أعماله وأفعاله وأقواله، والجيرة أمن وسلام واستقرار وصيانة ومودة والرسول صلى الله عليه وسلم ما زال يوصينا بالجار ويقول: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه” 2.
فالأصل أن نتقي إيذاء الجار لأن له حقوقا، سواء كان مسلما أو غير مسلم، أجنبيا أو قريبا.
فإن من أعظم الآداب الإحسان إلى الجار، التي حث عليها إسلامنا القويم ويحرص عليها الفكر المستقيم والذوق السليم، وإن من الإحسان إكرام الجار وحفظ اللسان وإمساكه إلا عن الخير فلا يصدر عنه أذى لجار ولا غير الجار، إذ اللسان أداة خير وصلاح إذا أحسن صاحبه استخدامه وهو في الوقت نفسه يكون معول هدم وشر إذا أسيء استخدامه. والإيذاء ضد الإحسان.
تعاون الجيران دعامة قوية لأمن الجماعة وأمن الحي والمدينة بل وحتى الدولة بأكملها، فإن منع أسباب الشقاق والعراك واعتبار كل واحد منهم حارسا ومسؤولا أمينا تقيا لجاره، يرعى حقوقه في غيابه وحضوره ويدفع عنه وأهله أسباب الأذى والسوء والشر فسيتحقق السكون والرضى والأمن والسلامة للأمة وللوطن.
ومن تراحم الجيران وتعاطفهم وتآلفهم، وصفاء نفوسهم ما يحقق لهم مصالح جمة، وإن تبادل الهدايا بينهم وإن صغرت يزيل من قلوبهم شوائب الحسد والحقد والغيظ، ويفتح بابا عظيما من التواد والتحاب وتأليف القلوب، ويزيل كل أسباب الشحناء والبغضاء.
ذكرتني الأحداث الأخيرة التي تقع في غزة، بأغنية مغربية تغنى للصغار، فتطبطب الأم أو الأخت الكبيرة أو حتى الأب على إبنهم الصغير وتغني له: “نيني يا مومو (يا صغيري) حتى يطيب عشانا إيلا ما طاب عشانا يطيب عشا جيرانّا”، وهذه لها معانٍ كثير، والأصل في كوننا جيرانا داخل تراب هذا الوطن أو خارجه، فالمعنى أنه إذا لم يكن لنا عشاء ليطبخ ونأكله لسبب من الأسباب، فلننتظر قدوم عشاء جيراننا لأنه لا محالة سيأتون بطبق يشبع بطوننا ولو كان بسيطا وقليلا.
وهذا المعنى يليق بنا استحضاره في علاقتنا بإخواننا في غزة، فهم في مقام الأهل والجوار، فإذا لم يُطبخْ لهم عشاء بسبب الحرب والفقر والجوع والحرمان والحصار والدمار، والحزن والألم ويعانون نقصا في المواد الغذائية والأدوية، فأولى بنا نحن إطعامهم ومساعدتهم ومناصرتهم والوقوف معهم والدعاء لهم حتى نكون أحسن أمة أخرجت للناس وأحسن جيران نطبق وصية الله وجبريل عليه السلام ورسول الرحمة صلى الله عليه وسلم.