تابع الرأي العام الوطني والدولي خروج ساكنة مدينة أكادير وجهة سوس ماسة إلى الشارع للاحتجاج على الأوضاع المتردية والمزرية التي كانت تعيشها المراكز الصحية المحلية والإقليمية والجهوية، والتي لم تعد تقدم ما هو مفترض فيها من خدمات طبية، بل أصبحت تسجل حالات وفيات كثيرة ومتتالية في وقت قصير، وبالخصوص على مستوى المركز الاستشفائي بأكادير.
جهة سوس ماسة هي إحدى الجهات الاثني عشر التي استقر عليها التقسيم الإداري الجهوي للمغرب تمهيدا لإرساء مجموعة من البرامج التنموية التي لا تعدو أن تكون شعارات فارغة المضمون؛ من مثل الجهوية المتقدمة والدولة الاجتماعية وغيرها من العبارات الرنانة التي لا يكاد يخرج منها ولو جهاز كشف بالرنين المغناطيسي واحد بمركز صحي من المراكز المتناثرة عبر مدن وبوادي المغرب.
منطقة سوس العالمة بتاريخها المجيد ورجالاتها العظام وإنسانها المثابر المجد لم تلق من أجهزة الدولة إلا التهميش والإقصاء، فانبرى السكان لرفع كل مظاهر التخلف عنها؛ فكانت سباقة بجهود أبنائها وإمكانياتهم الخاصة إلى إقامة الكثير من المشاريع التنموية الاجتماعية والخدماتية. فالعديد من الطرق والمسالك الجبلية وشبكة الربط بالكهرباء والماء الصالح للشرب والمدارس تم إنجازها بفضل وجهود الخيرين من أبناء المنطقة. هذا فضلا عن المدارس القرآنية ومؤسسات التعليم العتيق التي تعد بلاد سوس رائدة فيها على صعيد المغرب، والتي تتلقى تمويلها كاملا من تبرعات الخيرين من أبناء المنطقة.
كل هذا لم يشفع للمنطقة ولا لساكنتها كي تتقدم الدولة بتحمل واجباتها التنموية وتنجز بعضا من حاجيات السكان الملحة في مختلف جوانب حياتهم المعيشية، بالخصوص ما يرتبط بالصحة والتعليم. ولعل بعض مخلفات فيضانات السنوات السابقة وفاجعة زلزال الحوز وتارودانت خير شاهد في هذا الباب.
جهة سوس ماسة خزان المغرب الفلاحي في العديد من المنتجات الزراعية التي يتم إنتاجها بالمنطقة نظرا لخصوصياتها المناخية وكفاءة الأطر الفلاحية بها. فضلا عن ثرواتها البحرية والمعدنية وقوة جذبها السياحية الكبيرة. مع ما ينتج عن ذلك من تشغيل لليد العاملة وجلب للعملة الصعبة وتنشيط لدورة الاقتصاد الوطني.
تعد جهة سوس ماسة رابع جهة من حيث حجم المساحة البالغة 53789 كيلومتر، وسادس جهة مغربية من حيث عدد السكان الذين يتجاوزون ثلاثة ملايين نسمة بقليل، وإذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار موقعها الجغرافي المتميز الذي يتوسط خريطة المغرب؛ فإن قيمتها الاقتصادية والاستراتيجية تزداد أهمية وخطورة بالنظر إلى ارتباطاتها وامتداداتها الاجتماعية والثقافية بباقي مناطق الجنوب المغربي وصولا إلى الأقاليم الصحراوية المسترجعة.
تشكو منطقة سوس من شح كبير في الكثير من التجهيزات والبنيات التحتية التجهيزية والخدماتية؛ فعند حدودها الشمالية يتوقف خط السكك الحديدية المتوارث عن الحقبة الاستعمارية، وتفتقر غالبية بواديها إلى مستشفيات أو مراكز صحية مجهزة، بل وإن حتى المركز الاستشفائي الجهوي الأهم بالجهة المتمركز بمدينة أكادير لا تشتغل به مصلحة الراديو والسكانير إلا قليلا بدعوى الأعطال والأعطاب المزمنة. لكن بالمقابل وعلى مقربة من هذا المركز الصحي تجود ميزانية الجماعة الترابية بأكادير بما يقارب 26 مليون درهم، أي مليارين وستمائة مليون سنتيم، لإنجاز مأوى للكلاب الضالة فقط لأن أجنبية تحركت فيها حمية الدفاع عن حقوق الحيوان فاشتكت من سوء أوضاعهم ببلادنا.
إن جهة سوس ماسة تكتنز من الثروات والإمكانات الطبيعية والبشرية والتاريخية ما يمكن به إقامة أسس ودعامات متينة لتنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية، تعود بالنفع العام على البلاد والعباد. بل وتوقف هدر الطاقات والجهود، وتصون الموارد وتحميها وتستثمرها بشكل معقلن ومستديم، وعلى المسؤولين أن يفهموا جيدا أن الأسبقية للإنسان في كل البرامج التنموية.