جماعة المسلمين.. من أجل رؤية تبني الصرح وتوحد الصف (2)

Cover Image for جماعة المسلمين.. من أجل رؤية تبني الصرح وتوحد الصف (2)
نشر بتاريخ

المحور الثاني- جـماعــة المـسـلمـيــن: نــواتــها ونــواظـمـها

– نــواة جــمـاعة الـمـسلميــن

لقد كان لجماعة المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نواة صلبة، تتكون من فئتين عظيمتين من المؤمنين؛ هما المهاجرون والأنصار. وما دونهما ممن أسلم ولم ينصر أو يهاجر؛ سماهم القرآن أعرابا.

– المهاجر كل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق بما جاء به، وانتقل من مكة، أو من أي مكان، إلى دار الهجرة يترب، غايته أن يرابط ويتجند استعدادا للجهاد الفاعل المؤثر المحيي لدين هذه الأمة.

– الأنصاري كل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق بما جاء به، وآواه، أو آوى أحد صحبه؛ ونصره، وأعطى على ذلك برهان صدق. بذل للمال والنفس، وتضحية بالغالي والنفيس.

فإذا كانت الهجرة والنصرة بهذين المعنيين المذكورين فهل هي تاريخ مضى وانقضى؟. أم أن البعدية في قوله تعالي: والذين ءامنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم. لا تحد بزمان وأن معانيها متجددة ماضية في أمة رسول الله إلى أن يشاء الله رب العالمين.

بعدما استقرأ رحمه الله تعالى آيات الله عز وجل، وأحاديث رسوله الواردة في الموضوع، وما كتبه سلفنا الصالح – رحم الله الجميع- حول فقه المسألة، خلص أن الهجرة والنصرة انتقال المسلم الخامل من أعرابيته إلى الاهتمام بمصير الأمة وحمل همها، والانضمام إلى جند الله بعد قطع حبال الجاهلية، وعصبياتها، وولائها) 1 . فللهجرة والنصرة عنده معنى جهادي؛ إذ بهما تتجسد الولاية في الله جندا مرابطا سريعا إلى نصرة الله والمستضعفين) 2 .

– الهجرة تعبئة جند الله، أموالا وأنفسا، أوقاتا وجهودا؛ لتبليغ دعوة الله.

– الهجرة انحياز إلى الله ورسوله. وهجر كل من انتسب لغير الله، واعتز بغير الله، ونصر غير الله، واستنصر بغير الله، واعتقد ألوهية غير ألوهيته سبحانه.

– الهجرة هجر ما نهى الله عنه، هجر للمعاصي، هجر للقومية والعصبية التي تفكك وتقطع وحدة الأمة.

– النصرة بذل وتضحية. النصرة إقدام واقتحام. النصرة شرف ورجولة. النصرة يقظة وأهبة.

– النصرة أن تقول كلمة الحق في حق الحق وأهل الحق.النصرة دعاء خاشع لأهل الحق.

– النصرة وقوف بجانب الحق وأهله، ونصرة لله ورسوله والمستضعفين في الأرض.

ثم يؤكد أنه إذا كانت الهجرة والنصرة بهذه المعاني؛ فإنها سارية ماضية لم تنقطع ولن تنقطع –إلى أن يشاء الله رب العالمين-، وأن معانيها تتجدد في أمة رسول الله كلما نهض فيها جماعة هاجرت الى الله ورسوله، ونصرت الله ورسوله، وجاهدت في سبيل الله ورسوله والمستضعفين في الأرض.

المهاجر إذن والأنصاري اسم ومرتبة وشرف؛ لكل من انتسب إلى جماعة المسلمين؛ انتساب الحق والحقيقة؛ ليتعلم دينه ويستكمل إيمانه، وَيطلب أغلى ما ُُيطلب، المولى عز وجل، ويتجند ويتأهل لحمل أعباء الرسالة الرحيمة وتبليغها للعالمين. أما القاعد الطاعم الكاسي الذي ليس له نصيب من هذه المعاني، فمحروم. حرم الشرف، وسبقه الرجال.

إن هذه النواة الصلبة للجماعة المجاهدة، أو الرابطة المجاهدة الحاملة لأعباء الأمة الواقفة إلى جانبها، والتي ترتبط فيما بينها بروابط إيمانية نورانية تصل الأرض بالسماء، يطلب إليها أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية بتربيتها وإيمانها، لأن ما يقدح في إيمان عضو الجماعة المجاهدة قد لا يقدح في إيمان عامة المؤمنين) 3 . فبقدر صلاحها يصلح حال الأمة مما يشع من نورانيتها وإيمانها من معان يفيض خيرها على الأمة سكينة ورحمة ورفقا حتى تعود إلى دينها عودا جميلا. والأمراض التي تقدح في إيمان عضو الجماعة المجاهدة وتسقطه إلى مراتب العامة، ذكرها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصيته لأبي ثعلبة؛ وهي: الشح المطاع، والهوى المتبع، والدنيا المؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه. كما أن كل إخلال بشعبة من شعب الإيمان البضع والسبعين ينقص من كافة المؤمن) 4 . أمراض خطيرة تهدد الكيان المعنوي للطليعة المجاهدة الوقاية منها ذكر الله، وعلاجها الاستغفار والإنابة) 5 .

– الـنـواظــم الـثـــلاث لجـماعــة الـمسـلميـــن

إن الجماعة، أو رابطة جماعات التنظيمات الإسلامية، كيفما كان عددها، أو تكثلها البشري لا يكون بمقدورها تغيير مجرى تاريخ هذه الأمة، أو تصحيح مساره، إلا بتنظيم مكتمل البنيان متين الارتباط، ولا يتم هذا إلا بسلك سواد الأمة الأعظم في النواظم الجامعة لشروط الولاية، نواظم أسسها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله للتنظيم الإسلامي كي يكون جسما متماسكا متلاحما تسري في صفه معاني الذلة على المؤمنين والعزة على غيرهم الذين لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة، أبرزها بالشرح والتفصيل والتدقيق في كتاب المنهاج النبوي وأعاد طرحها في هذا الكتاب تذكيرا وتأكيدا، وهي: الحب في الله والبغض فيه، الشورى وإجماع الرأي، مع حرية الاجتهاد، الطاعة لله ورسوله ولأولى الأمر 6 . وذكر أنها نواظم ينتظم عليها أمر الأمة في مستقبل دولة القرآن.

أ- الحب في الله والبغض فيه. هذا هو المعنى القلبي للولاية) 7 . البساط الجامع لجماعة المسلمين، أي أن نحب كل جماعة تدين لله بالإخلاص والولاية، أن نحب كل مجاهد ونتوق إليه، ونعتاد اعتباره عضوا من جسمنا) 8 . وهو عطاء واصطفاء من الله عز وجل، وسعي وتحصيل ومجاهدة ومصابرة من العبد؛ لننزع من القلب أمراض الفرقة؛ التحاسد والتناجش والتباغض. أن يكون القلب صافيا سليما تجاه كل من يسعى أو يساهم في إحياء هذه الأمة وإعادة عزها؛ ذاك أدنى مراتب الحب في الله درجة.

ب- الشورى وإجماع الرأي والاتفاق على الخطة العامة. هذا معناها العقلي) 9 . فالإجماع مع طيبة القلب وصفاؤه هو الأصل المطلوب، فإن لم يتحقق الإجماع؛ نظرا للاختلاف الحاصل بين مختلف تنظيمات العاملين لمستقبل الإسلام في بعض القضايا وأساليب العمل والبناء، فلا يمنعن ذلك من الاتفاق على الخطة التي تخدم وحدة الأمة وتكسر الحواجز التي تنسينا أننا أمة واحدة وأننا مستخلفون في الأرض، أما إن تعذر الإجماع والاتفاق بعد إبداء الآراء واستنفاذ آليات التشاور فقرار من أعطاه الشرع حق العزمة الحاسمة ملزم للجميع. فإذا ظننا أن الشورى إنما أمر بها الشرع ليشعر المؤمنون أنهم في الحق سواء، وليرضي كل منهم أنانيته من خلال الإدلاء برأيه والدفاع عنه، فقد فاتنا أن الأمة المجاهدة لا تضيع الوقت في المجاملات، وأن النتيجة العملية والقرار التنفيذي؛ هما الثمرة المرجوة من غراس الشورى) 10 .

ج- الطاعة للقيادة. وهذا معناها وشرطها العملي التنفيذي الجهادي) الطاعة ثمرة غراس شجرة المحبة. الطاعة امتحان للتربية الإيمانية في أحد أعظم أبوابها التنظيمية. الطاعة تسليم وتنفيذ لإجماع قرار الشورى. الطاعة وما أدراك ما الطاعة كي لا تتوقف الجماعة المجاهدة عن مسيرتها، وتمضي نحو تحقيق غايتها. فما لا يغطيه التحاب في الله من عيوب الهوى يغطيه التفاهم على خطة موحدة وفهم متقارب متسامح. وما لا تغطيه تانك الناظمتان تضع الطاعة له حدا) 11 .

إن اجتماع هذه النواظم الثلاث في أي جماعة أو تكثل تجعل من حركته حركة قوية فعالة قاصدة بناءة، وهي صمام الأمان عندما تشتد الأزمات وتتداخل المشاكل وتعم الريبة وتشن حروب التشكيك على الجماعة المجاهدة أو الرابطة المجاهدة، كما أنها لا تنزل على سواد الأمة الأعظم من السماء، ومع الملائكة، إنما ينظمها قيادة تشع من ربانيتها كل هذه المعاني.


[1] كتاب “جماعة المسلمين ورابطتها” للإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله ص: 60.\
[2] ن. ص: 59.\
[3] ن. ص: 112.\
[4] ن. ص: 113.\
[5] ن. ص: 113.\
[6] لقد أوضح رحمه الله “من هم أولى لأمر منا” في العديد من كتبه منها كتاب ”رجال القومة والإصلاح”، وهو كتاب ضمن سلسلة الكتب التي تؤسس لمشروع دولة القرآن.\
[7] ن. ص: 80.\
[8] ن. ص: 82.\
[9] ن. ص: 80.\
[10] ن. ص: 109.\
[11] ن. ص: 107.\