الخيانة هي انتهاك الثقة ونقض العهد وكسر الأمانة، ففي زمن تستهدف فيه الحقيقة، وتقصف الحناجر التي أرادت أن تبقى صادحة بالحق، يصبح الخائن أخطر من العدو، فعلى مر التاريخ، كان العدو معلوم الملامح، مكشوف الوجه، واضح الغاية، ظاهر السلاح، مسموع الخطى، ترفع رايته فيستعد لمواجهته، لكن الطعنة المؤلمة ليست تلك التي تأتي من خصم معلن، بل من يد نشأت من تراب الوطن، ممن تنكر بثياب قريب، وجريمته ليست طعنة لجسد فقط، بل لثقة، وتمزيق لرباط، واغتيال لقيم سامية يصنعها الشرفاء بدمائهم وصدقهم، خيانة ممن باع ضميره وشرفه في سوق المصالح بثمن بخس.
في عصرنا الحديث، ما تزال الخيانة سلاحا تستخدمه قوى الاحتلال لتصفية الأحرار، كما حدث مع الشهيد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي، الذي عرف بشجاعته وثباته على موقفه ومبادئه، ورفض مغادرة أرضه رغم كل الضغوطات والتهديدات التي كان يواجهها، ورغم العروض التي قدمت له، كان رحمه الله صوتا للإعلام الحر، يوثق جرائم الاحتلال ويكشف للعالم معاناة غزة وصمود شعبها، لكن يد الغدر طالته عبر عملاء تعاونوا مع الاحتلال، فكانت خيانتهم جريمة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون سياسية، وكان دمه شاهدا على عظمة صدق الرجال والثبات على الحق.
وفي سيرته صلى الله عليه وسلم نجد دروسا تتناغم مع ما حدث، ونجد النموذج في ذلك شخصية عبد الله بن أبي بن سلول، كان منافقا لا يجاهر بعداوة، حيث في غزوة أحد ظهر وجهه الحقيقي، خرج مع المسلمين مظهرا الدعم، ثم انسحب بثلاثمائة رجل في لحظة فارقة، تاركا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في موقف صعب. لم يكن ذلك انسحابا عاديا، كان طعنة معنوية، إنه الوجه القبيح للخيانة، أن ينقلب صاحب الأمس خصما مندسا، وأن يضعف الصف بدلا من أن يقويه.
ورغم كل هذا وذاك يبقى الحق محفوظا برجاله، ويبقى المؤمن الصادق الشريف مكرما عند الله تعالى وعند الناس؛ ولو هزم جسدا لكنه لا يهزم روحا، أما الخائن ولو طال عمره لا يذكره التاريخ إلا خزيا وتبقى لعنة الأحرار تطارده، فالحق لا يضيع مهما تكالب المتآمرون، ومن يحمل رسالة ولو غير مستخدم للسيف فهو في ميدان جهاد، وهو منصور حيا كان أم شهيدا.
وصدق من قال: “يموت الأبطال وتبقى سيرتهم نوراً، ويموت الخونة وهم أحياء في العار”.