تنشئة الأبناء في واقعنا المعاصر: إشارات وتنبيهات (5) | الدعاء

Cover Image for تنشئة الأبناء في واقعنا المعاصر: إشارات وتنبيهات (5) | الدعاء
نشر بتاريخ

قاعدة 5: بالدعاء يحصل الاهتداء وتُرد أمواج البلاء

مفتاح الأمر في التربية هو الدعاء، والتضرع إلى الله تعالى ليهب لنا ذرية طيبة ويُنبتها نباتاً حسناً، وليصلح بالَ أبنائنا وبناتنا، كما كان يفعل الأنبياء عليهم السلام، من قبيل: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (آل عمران: 38)، رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الأحقاف: 15)، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان: 74)، فتكون النتيجة هي: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا (آل عمران: 37). فالهداية بيد الله وحده، ولا يستطيع أحد أن يكون هاديا إلا بإذنه سبحانه، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (الواقعة: 64).

من قصص القرآن الكريم في العناية الإلهية بالأطفال حفظُ الله سبحانه للفتى إبراهيم الخليل عليه السلام من النار، وللطفل يوسف عليه السلام فيغيابات الجبّ، وللرضيع موسى عليه السلام من الغرق. ولفتية الكهف من ظلم قومهم، ولفتى الأخدود من نقمة الملوك.. ويحفظ الله ذريات عباده الصالحين في كل حين، قال تعالى: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالحاً (الكهف: 82)، لذلك لا يبخل المؤمن من الدعاء في مواطن استجابة الدعاء لحفظ ذريّته في عقِبه إلى يوم القيامة، كان سعيد بن المسيب يقول لولده: “لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك” [1]، وقال عمر بن عبد العزيز: ما من مؤمنٍ يموت؛ إلَّا حفَظه اللهُ في عقبِه وعَقب عقبه! وقال ابن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح؛ ولدَه وولدَ ولدِه، والدويرات التي حولَه، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر” [2]، قال أبو العتاهية:

لا تسألن بني آدم حاجـــة ** وسل الذي أبوابه لا تُحجب
فاجعل سؤالك للإله فإنمـا ** في فضل نعمة ربنـا تتقلب

وصايا على سبيل التذكير

1. البيت المسلم ليس مجرد مطعم ومضجع، وإنما هو بيت دعوةٍللخير والمعروف، وتربية على أخلاق الإسلام، ومن أجل ذلكيحتاج الصبر والاصطبار ودوام الدعاء والمصاحبة والحوار. وقد كان الإمام ياسين رحمه الله يدعو في جميع صلواته بهذا الدعاء القرآني: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان: 74).

2. لست وحدك مُربيا (مربية) لابنك وابنتك، فمعك شركاء تعرف منهم وتُنكر، ووسائط الإعلام الموجهة في عصرنا ابتلاءٌ ما سبقه على وجه الأرضابتلاء.

3. التعاون مع الأبناء حتى يشتد عودهم، فقوة الشخصية وتوازنها وإيجابيتها تأتي فيما بعد، ولا تُصنع دفعة واحدة ولا تُعطى جاهزة..

4. لستَ أنت من يحكم على سلوك ابنك، فقد تُخطئ من حيث تظن أنك تصيب. استُره وتغافل عن خطئه، فمن ستر مسلماً ستره الله، والأبناء أولى بالستر لدوام العِشرة.

5. النوابغ قلة، وفي كل أمة من الأمم. فلا تخاصم ابنك وتحرجه بتفوق أقرانه وأبناء خؤولته وعمومته وجيرانه. ولا يُصنع النبوغ بالحرص والتعنيف، كما قد يعود السبب في ضعف النتائج أيضا إلى التوجيه الدراسي أو المنهج التعليمي..

6. الأبناء كالفواكه تُسقى بماء واحد، ويُفضل بعضها على بعض في الأُكل. ومن آيات الله أن تتفاوت قدرات الناس وتتباين ميولاتهم وأذواقهم واتجاهاتهم.

7. غالبُ الخصومات في البيت بين الأزواج أو مع الأولاد تكون في تحصيل الكسب المادي (الدنيا وللدنيا)، خصومات حظوظ النفس وما يقوله الآخرون وضغط التقاليد والعادات الاجتماعية وثقافة البلد.

8. مراعاة سن الطفل وإسعافه في وضعية انقلاب كيانه البيولوجي (المراهقة)، والتغافل عن أخطائه من غير أن تتركه سائبا تتلقفه رفقة السوء تجره إلى السوء.

9. تقاسم الأدوار بين الأب والأم في توجيه الولد، وإذا غضب أحدهما من سلوك شائن حنَّ الآخر حتى يلجأ الابن وتلجأ البنت لأحدهما عند الخصام والتوبيخ.

10. لا تشْكُ أبناءك لعائلتك وأقاربك وزُوارك. إنما الشكوى لله وحده. والتنبيه بالرفق والقول اللَّين والوصية بالخير حيث كانوا. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

والحمد لله رب العالمين


[1] ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، تحقيق محمد الأحمدي، دار السلام، ط2، 2004، 2/554.
[2] المرجع نفسه، 2/554.