تنشئة الأبناء في واقعنا المعاصر: إشارات وتنبيهات (3) | الثقة

Cover Image for تنشئة الأبناء في واقعنا المعاصر: إشارات وتنبيهات (3) | الثقة
نشر بتاريخ

قاعدة 3: الثقة مصدر التقدير والاحترام

إذا كانت “الأسرة القوية عماد الأمة القوية، والأم المربية الـمُصلحة عماد الأسرة” [1] فلا قوة تذكر إن لم يتبادل الأفراد الثقة والمحبة والاحترام. ومن معاني الثقة لغوياً الربط والإحكام، فالوالد الثقةُ مغناطيس يشدُّ إليه وُلده عاطفيا وفكريا، وإذا كان محط ثقتهم كانت لوصاياه وتوجيهاته المعنى والأثر في قلوبهم وعقولهم. وتُصدِّق البنتُ أمَّها وتصدُقها، يفاتحن بعضهن بعضا بالمذاكرة والحوار في مختلف القضايا النفسية والاجتماعية وغيرها، ويصحب الوالدانالأبناء إلى مجالس الخير، فيُنصت الطفل لتوجيه والده ويعمل بنصيحته.

بالمقابل أيضا حريٌّ بالأب أن يثق بولده ذكراً كان أو أُنثى وأن يفوِّض له القيام ببعض الأعمال التي يطيقها وبتدرجٍ وحكمةٍ، مثل بعض الأغراضالإدارية من وثائق وشهادات.. وبعض حاجات الأسرةمن تنظيف للملابسوترتيب للكتب وإعداد للطعام.. إلخ، ففي الحديث سأل رجل عائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئا؟ قالت: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته”[2]. فعجبا ممن يطمئن لعجزه واتكاله على غيره حتى في طيِّ فراشه وتلميع حذائه!

العاجز عن تدبير أموره عاجزٌ عن خدمة أهله ونفع أمته، أناني ينتظر ببلادةٍ أو كِبرٍ أو هما معاً أن يخدمه الآخرون فيستروا عورته ويشبعوا جوعته ويقضوا حاجته. يمنعه جُبنه وجهله وتقاعسه من النهوض للعمل والتحمل والإنجاز. مجتمع الكسالى البطالين لا ينتج صناعة ولا يصنع حضارة، خاصة في عصرنا الذي كثرت فيه الملهيات والمغريات، زينتها الصناعات الشيطانية المتلاعبة بعقل الإنسان الماكرة بعاطفته السارقة لحُلمه.

من آكد الواجبات في التربية أن يعرف الولد حقوقه وواجباته، حدود تدخله وإمكاناته، حتى لا يخلط بين ما له وما عليه، مثلما تلزم مكافأته مقابل كل إنجاز ناجح، وتشجيعه على التوكل والتخطيط والإقدام، ليتربى على المواجهة الميدانية والجرأة والشجاعة والإنجاز، بتدرج ومرونة لا بحماسة مفرطة أوغضبية منفرة.

كان المسلمون يُعلمون أبناءهم كما في الوصية النبوية السِّباحة والرّماية وركوب الخيل، وكلها نماذج من أعمال يتدرب فيها الشباب على معاني الرجولة والقوة والحزم والجهاد والمسؤولية والتحدي. تدريب تمتزج فيه الجدية بالتشويق والحفز، والرياضة عموما تنشط الأبدان والنفوس، وتقلل من الإصابة بكثير من الأمراض، وإن كانت بعض “الرياضات” اليوم تضر ممارسها وتلحق به الضرر بالناس أو بالبيئة، مثل الملاكمة التي توجه فيها الضربات العنيفة إلى وجه الإنسان، أو  مصارعة الثيران التي يعتدي فيها الناس على الحيوان بشكل بشع، أو الألعاب التي تلوث الطبيعة.. وقد ساهم في ذلك تُجار الألعاب بتأثيرهم في عقول الصغار عبر الإشهار المؤدى عنه في أسواق الإعلام المزينة للأشياء التافهة، فيُكلف الأبناء آباءهم اقتناءها بأغلى الأثمان..


[1] المرجع نفسه، 2/222.
[2] مسند الإمام أحمد، مسند الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، رقم الحديث 25341.