هل علينا بأفراحه وأنواره يوم العيد بعد أن تصرم شهر رمضان الأبرك ومضى، وليت العام كله رمضان، شهر الصفاء والقرب والسبق والتنافس في الخيرات. مضى كما يمضي كل عزيز مخلفا وراءه علوا في الروحانية وصفاء في الصدور وعزما على السير وفقا لمراد الله الخالق سبحانه. مضى، وعلى فرحنا بقدومه وحبورنا باستقبال العيد الأبرك استنانا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، نجد في قلوبنا كمدا على ما آلت إليه خير أمة أخرجت للناس.
لن نقف واصفين عمق الجرائم التاريخية المسلطة عليها من خلال مؤامرة تفنن في حبكها العدو المتربص وأتباعه من بني جلدتنا النابتين في تربتنا وبما قدمت أيدينا، بقدر ما نطمح أن نقف عند بعض هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عسى بذكره تتنزل الرحمات ويلم الله الوهاب شعثنا ويشفي جراح أمتنا.
فبعد أن ارتضى عليه السلام للأمة يومين للعيد: الفطر والنحر كما في الحديث الصحيح الذي رواه سيدنا أنس رضي الله عنه قال: “كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم النحر” 1 .
ومما سنه عليه السلام الاغتسال يوم العيد ولبس أحسن اللباس والتطيب احتفاء به وإبرازا للنعمة والفرحة وتعظيما لشعائر الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم يلبس لهما أجمل الثوب وأحسنه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة كما جاء بذلك الأثر، كما كان ذلك ديدن صحابته الكرام الذين تشربوا معاني التعظيم لشعائر الله وحرماته في حجره الزكي، كما تعلموا معاني الإخاء والصفاء فكانوا كما تزودوا بها تربية يشيعونها واقعا في باقي أحوالهم ويؤكدونها ببذل السلام والتهاني بالعيد.
ومن هدي الحبيب المصطفى عليه السلام الخروج إلى المصلى وتعجيل الفطر، قبل قصده، بتمرات يأكلهن وترا، ويحث النساء والعواتق والحيض والأطفال إليه ليشهدوا الخير ودعوة المسلمين.
وإكراما للمسلمين وتحببا إليهم وحرصا على صلتهم، كان عليه السلام يتحرى مخالفة الطريق عند ذهابه إلى المصلى وعودته منه: عن جابر قال: “كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق” 2
ومن هديه عليه الصلاة والسلام أن يؤدي صلاة العيد ويتبعها بخطبته الجامعة المؤلفة المصوبة، كما علم الأمة الإكثار من التكبير وذكر الله تعظيما لأمره وتحديثا بنعمائه: وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 3
وشجع على اللهو المباح إظهارا للفرحة: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه الشيخان رحمهما الله: إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت”
رحمة ورأفة وذوق وسمو في معاملة الأهل والإحسان إليهم وتثبيت معاني الفرحة في الصدور والحبور في الأجواء، ترسخ قبل العيد بإكرام ذوي الحاجة والعوز بزكاة الفطر الطهرة الطعمة.
إلا أن العيد لا يكتمل إلا بالعض بالنواجد على محصول رمضان وحصاده حتى تستمر نورانيته ويصير عامنا كله رمضان، كما لا يحلو والقلوب يعتريها الجفاء، لأن الأخوة الإيمانية مقدمة معظمة، لا تحدها الحدود ولا المسافات.
تقبل الله منا ومنكم وكل عيد وأمتنا منصورة).