لا يستطيع الناظر لواقع التعليم ببلادنا أن يغفل عن المعاناة التي تحيط بالمتمدرسين في العالم القروي وخاصة الفتيات منهم. تلميذات بنياتهن الجسمية ضعيفة، يقطعن يوميا مسافات ليست يسيرة على الأرجل، مرورا بمسالك وعرة، تكتنفها مخاطر كثيرة، الحر والغبار صيفا، والبرد والأوحال شتاء، وفيضانات الوديان المباغت الذي يتهددهم بالموت، فلا قناطر ولا جسور تسهل تنقلهم بين ضفتي الأنهار والوديان.
وقد يتطلب قطع التلاميذ المسافة الفاصلة بين المدرسة ومحل سكناهم مدة زمنية ليست قليلة، قد تصل في بعض المناطق إلى ساعتين، يعانون خلالها التعب والقلق وكل الضغوطات النفسية خوفا من الأمطار والعواصف والفيضانات والكلاب التي يمكن أن تباغتهم في كل حين ودون سابق إنذار. ففي أي حالة جسمية ونفسية يصلن المدرسة؟ وفي أي ظروف يتلقين الدروس؟ وهل يستوعبن الملقن لهن؟ يضاف إلى ذلك مشكل التغذية، حيث ينال منهن الجوع مناله كل يوم باضطرارهن للمكوث طيلة اليوم بالمدرسة لعدم إمكانية الذهاب إلى البيت والعودة منه في اليوم الواحد، خصوصا مع ضعف خدمات المطاعم المدرسية، أو عدم وجودها ببعض المدارس الفرعية، فتعود التلميذة إلى منزلها وقد خارت قواها وأخذ منها التعب والجوع مأخذه.. فتأكل بالكاد لقيمات لتركن إلى النوم دون قدرة على مراجعة الدروس و لا إنجاز الواجبات.
في اليوم الموالي يذهبن إلى المدرسة، يقطعن نفس المسافة الطويلة، يجلسن أمام المدرس شاردات، منهكات.. وهكذا، يومهن كغدهن، وتستمر المعاناة أسبوعا بعد آخر، وشهرا بعد آخر، وينتقلن في آخر السنة الدراسية! فلا استيعاب – في الغالب – بالشكل المطلوب، ولا تحصيل لجل المعارف الملقنة، ولا نتائج مؤهلة لأغلبية التلميذات، ولا مردودية مدرسية تعكس الأهداف.
هذا إن حالفهن الحظ وأكملن التمدرس، وإلا فمنهن من تغادر المدرسة في سن مبكرة من أجل مساعدة أسرتها في أعمال المنزل والحقل والرعي وجلب الحطب.. معاناة تتكرر كل اليوم تحيلنا على قولة لسيدنا عمر بن الخطاب: لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟
فأين مسؤولونا من هذه المساءلة والخشية من الله، والحال هذه مع خيرة بناتنا تهدر طاقتهن بدل استثمارها في البناء و الرقي بالأمة من وحل الانحطاط إلى أفق التطور.