تعليم الفتاة القروية.. الحق المسلوب

Cover Image for تعليم الفتاة القروية.. الحق المسلوب
نشر بتاريخ

لا مراء أن التعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية التي نصت عليها الأمم المتحدة في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث أكدت في المادة  26 على أن:

1- لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.

2- يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام.

3- للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم.

وهو ما ترجمهُ الدستورالمغربي لسنة 2011، في فصله 31، الذي نص على حق التعليم لكل المغاربة، أينما كانوا في هذا الوطن، حيث لابد أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.

لكن عند كل دخول مدرسي تقف الفتاة القروية متسائلة عن حظها من هذه القوانين الدولية والوطنية، وكيف يمكن أن تستفيد من حقها في التعليم وي بنت الجبال الوعرة البعيدة عن كل مظهر من مظاهر التنمية؟ في كل دخول مدرسي تتكرر المأساة بانقطاع عدد كبير من الفتيات القرويات عن الدراسة وترك مقاعدهن شاغرة.

ورغم المشاريع التنموية والأموال الطائلة التي تصرف فإن تعليم الفتاة القروية لا يزال حقا مسلوبا، والواقع يشهد أن الفتاة القروية هي آخرمن يلتحق بالمدرسة وأول من ينسحب منها، إذ ما يزال تمدرسها ضعيفا. إنه عنف مركب يمارس جهرا على الفتيات القرويات، وتقبر أحلامهن بأن يصبحن طبيبات ومعلمات ومخترعات.. فضلا عن أن يكن أمهات وربات بيوت قادرات على تربية أجيال مواطنة واعية طموحة.

والمطلع على الإحصاءات التي تصدرها وزارة الترية الوطنية المغربية [1] سيندهش من ضعف نسبة الفتيات اللائي يستطعن متابعة دراستهن، في الجبال والمداشر والقرى النائية بالمغرب، فهن يتركن مقاعد الدراسة اضطرارا بسبب عوائق اقتصادية واجتماعية وتنموية، والتي يمكن إجمالها في:

– تدهور الوضعية الاقتصادية بالوسط القروي، وانتشار الفقر.

– ضعف التجهيزات الأساسية للمناطق القروية من كهرباء وماء وطرق ووسائل النقل والاتصال وخدمات إدارية وصحية.

– قلة المؤسسات التربوية والتي يضطر المعلم معها أن يجمع بين المستويات في حجرة دراسية واحدة.

– ارتفاع كلفة التعليم، وهوما يراه الأب من الكماليات لأنه لا يتمكن حتى من توفير الأساسيات لتستمر أسرته على قيد الحياة.

– بُعد المدرسة عن محل سكنى الفتاة التي تضطر أن تقطع مسافات طويلة هي وصويحباتها يوميا، مما يدفع بالوالدين من حرمانها خوفا عليها من مصائب الطريق.

– عدم إعداد سياسة تخطيطية تنموية شاملة تراعي خصوصية التضاريس وقساوة المناخ، مع احترام الموروث الثقافي لساكنة المناطق القروية ودمجها في الأنشطة التعليمية.

– عدم استيعاب الأبوين أهمية التمدرس.

– ضعف الحملات التحسيسية التوعوية لساكنة البوادي بضرورة استمرار بناتهم في التعليم بمستوياته الثلاث الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي، وهو أقل ما يمكن من التحصيل العلمي.

– تحمل الفتاة مسؤولية الأعمال المنزلية في سن مبكرة لمساعدة الأسرة.

– افتقار المدارس في العالم القروي إلى التجهيزات الضرورية كالسور حول المدرسة، والمرافق الصحية كالمراحيض، مما يشكل حرجا كبيرا للفتاة القروية  كلما كبرت.

– الظروف الصعبة التي يواجهها المعلم والمعلمة من ضعف، بل غالبا غياب، وسائل النقل والاتصال..

– قلة الأقسام الداخلية والمساكن للتلميذات القرويات اللاتي أكملن المرحلة الابتدائية ويردن الالتحاق بالمرحلة الإعدادية..

إن جل ما سبق ذكره من المشاكل هي عوائق يمكن التغلب عليها بإرادة سياسية تنموية شاملة يحترم فيها حق الجميع في التعليم مع مراعاة خصوصية الفتاة القروية، فتعليمها خيار استراتيجي للبلاد. لابد من إعطاء التعليم “مكان الصدارة في أولويات البناء بما هو التعليم، ومعاهد التعليم ومدارسه الابتدائية والثانوية والجامعات، ومحاضن الصغار أمكنة للتربية والتأثير. وبما هو النظام التعليمي والإعلامي شبكة محيطة بوقت الناشئة مستولية على حياتها الفكرية والنفسية” [2]. وهو أفضل الاستثمارات التي تظهر نتاجها باستفادة الدولة من أطر كفؤة منتجة، بل معها ستعرف البلاد تنمية حقيقية بتربية وتعليم نواة الأسرة، وهي تلك الفتاة التي ستساهم في تكوين أسرة واعية  تفتل في حبل التماسك الاجتماعي واقتصاد متين.

#_التعليم_حق_للفتاة_القروية


https://www.men.gov.ma/Ar/Documents/Depliant18-19.pdf [1]
[2] عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، ط 2018/4، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت،  ص 123.