أراد أهل طنجة أن ينقذوا أنفسهم من الأمواج العاتية والقاسية التي تتلاطمهم في خضم الحياة اليومية، تحمل معها ألما وفقرا وجوعا وظلما وإهانة وذلا وقسوة.. فغرقوا في مياه قبو جرفتهم كالفئران إلى مصير مؤلم وبشع وفاضح لكل شعارات الكرامة وحقوق الإنسان المرفوعة ضدا على الواقع المعيش.. مشهد مؤسف تألمت له القلوب واستنكرته العقول واستقبحته الإنسانية.
أرادوا النجاة من غرق الاحتياجات اليومية التي يزداد ضغطها يوما بعد يوم، فغرقوا عندما قبلوا، تحت ضغط الحاجة وانعدام البديل، عملا لا يوفر لهم أدنى شروط الحماية لا القانونية ولا الإنسانية، ثم غرقوا ثالثا عند أول امتحان للبنية التحتية للبنايات – حتى وإن سمي السكن فيلا – والتي لا تخضع هي أيضا لشروط السلامة المفروض أن يتم مراقبتها من طرف السلطات المختصة أثناء البناء.. ولا نحسبهم إلا انتقلوا إلى دار خير من دار؛ دار السكينة والقرار والسلام والطمأنينة، دار العدل الذي افتقدوه في دنياهم العابثة بكرامة وأقوات وأرواح الناس دون مساءلة ولا محاسبة.. وأمرهم على الله.
عبث المسؤولون بمصير الناس، وانتهكوا كرامتهم، وأدخلوهم في دوامة خانقة من البحث المرير عن لقمة العيش، تغاضوا عن انتهاكات وخروقات أرباب الشغل وتستروا عليهم، ليؤدي الثمن – كما هي العادة – المواطنون المستضعفون؛ يستيقظون باكرا فيختبئون في قبو خانق لا تشمله رقابة ولا متابعة إلا المراقبة الإلهية، وأنى لأحد أن يهرب منها، يذوقون شتى أنواع التعسف وانتهاك حقوق العمال، ويساقون إلى الموت مكرهين؛ لأن البنيات التحتية في بلدنا تتواطأ مع القوانين لتغرق المواطن غرقا مختلفا شرابه.
كل هذه الحيثيات لا يمكن إلا أن تدفع المواطنين دفعا للاحتجاج والمطالبة بالحقوق، مهما طال صبرهم، لذلك فإن المخرج من الحرج الذي تعيشه السلطات لا يمكن أن يتم بأي حال من الأحوال بنهج المقاربة الأمنية التي لا يمكن أن تخرس الألسن إلى الأبد، إنما بالمبادرة لإحداث تغيير جذري في اختيارات الدولة السياسية، وجعلها المواطن في صلب اهتماماتها، بدءا بإعلان مصالحة مع المضطهدين وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية هذه الاحتجاجات السابقة والحالية، ثم فتح حوار جاد مع المواطنين لمعرفة احتياجاتهم، وإطلاق مشاريع ذات بعد قريب لإنعاش ما يمكن إنعاشه، وأخرى استراتيجية بعد مد جسر الثقة لأجل البناء على أساس متين. إلا يكن هذا فلا يمكن أن نصد النتيجة مع تغذية أسبابها.