تطلع المرأة إلى الحـيـاة الطـيــبـــــــة

Cover Image for تطلع المرأة إلى الحـيـاة الطـيــبـــــــة
نشر بتاريخ

تقديم

قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحَا مِنْ ذَكَرٍ وِأُنْثَى وَهُوَ مُومِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ سورة النحل الآية97. الحياة الطيبة ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وكل مؤمن يطمع في هذه الحياة الطيبة التي جزاؤها عند الله الأجر الحسن، فالحياة الطيبة جزاء متى قوي الإيمان وابتعدت المرأة عن الفتن والمغريات، وجنبها المجتمع أن تكون فقط موضوع شهوة مباحة أو محور الفن الرخيص مدرة الأموال ودمية الرجل. فكيف السبيل إلى الارتقاء بالمرأة المغربية من مكامن الفتنة لتعيش الحياة الطيبة؟ كيف تخرج من طاحونة المادية لتتذوق لذة العبادة في سعيها وكدحها؟ ما المخرج من حيرتها؟

تدرج في الحداثة

بدأت البوادر الأولى للدخول في دائرة الحداثة بعد الاصطدام المباشر مع الاستعمار، حيث فرض ثقافته وأفكاره بعدما أحكم سيطرته سياسيا وعسكريا، وإن تصدى لأفكاره وثقافته القابضون والقابضات على جمر الإبقاء على الثوابت والتحصن بمبادئ الدين الإسلامي، فإن الكثيرين والكثيرات أخدهم بريق الغرب المغري بحريته وتقدمه العلمي والفكري، فانسلخوا من مبادئهم وقيمهم التي لم يُبق منها الجبر إلا بقايا هي الظلم والتخلف والأمية واحتقار المرأة وتهميشها، فكان أن قلدت المرأة المغربية لباس المرأة الفرنسية، فتخلت تدريجيا عن حجابها، وكان الإذن الرسمي بذلك بعد ظهور بنات ملك البلاد على شاشات التلفاز سافرات، ثم تابعت المرأة مسيرة التقليد والتحرر وإثبات الذات من خلال الولوج الى التعليم بشكله الحديث بعدما همش التعليم العتيق وعطل وهو الذي كان يخرج العلماء والعالمات، وأصبح النموذج الفرنسي في التعليم هو الذي يغذي الفكر حتى بعد الاستقلال، فتخرجت من المدارس المغربية والجامعات نساء اقتحمن مجالات اجتماعية واقتصادية وحقوقية عديدة، لكن نسبة منهن تأثرت بالمنهج الحداثي في التفكير وبالنمط الغربي نموذجا للحياة، فتقلص الاهتمام بالقيم الدينية بل انحصر، وتركز الاهتمام في الجانب التراثي على اللباس التقليدي للتباهي في المناسبات بعدما فقد غايته باعتباره رمزا للوقار والستر والحشمة، كما ركز الإعلام الحداثي المغربي على المرأة باعتبارها وسيلة شد الانتباه وترويج السلع وإنجاح الحملات. ولم تستطع المناضلات الحداثيات تحرير عقلية الرجل المغربي من نظرته الدونية للمرأة، ولا القضاء على مظاهر تهميشها وبخسها الحق في تكافؤ الفرص في المجالات الحيوية، ولم تستطع جمعياتهن تخليصها من الجهل والاستغلال والعنف، وإن تمكن بجهد منهن وبدعم من المؤتمرات الدولية وبعض الهيئات والمنظمات من تحقيق بعض المكتسبات -في زعمهن- أهمها تغيير قانون مدونة الأسرة، غير أن النتائج كانت مخيبة للآمال، حيث ارتفعت نسبة الطلاق وتزايد عدد الأطفال المشردين، كما تزايد عدد الأزواج الذين يتخلون عن أسرهم، واتسعت رقعة الأمهات العازبات، وتفاقم مشكل إيوائهن واحتواء مشاكلهن. كانت المكتسبات قليلة رغم المعارك النضالية الطويلة والتي كان مصدرها حاجات حقيقية ذاتية وأخرى بضغط من جهات أجنبية لها أجندات خاصة تخدم مصالح الحداثة وما بعدها.

مأزق التمزق

وفي خضم النضال المؤطر والتوجه المقصود نحو الحداثة من نساء تأثرن برياح الغرب، كانت نساء أخريات دفعتهن أمواج التغيير طوعا وكراهية نحو ميدان العمل والوظيفة، بعدما تشبع المجتمع بعادات وقيم جديدة، واختلطت الأصول بالفروع وتغيرت واجهات العمل وثغور الدفاع، فأضحى التعليم حقا للجميع – وهذا من الحسنات- والعمل ضرورة، خاصة وأن المدونة ساوت في الإنفاق والمسؤولية الأسرية بين الزوجين. فلا ينكر أحد المكانة المهمة التي تصدرتها المرأة المغربية في مجالات حيوية، كما لا ينكر أحد أن نسبة مهمة من نساء المغرب لازلن يعانين من عتمة الجهل والأمية والظلم والفقر والتهميش والإقصاء، لا فرق في ذلك بينهن وبين الرجال. وفي وسط هذا العالم الموار الذي انخرطت فيه المرأة، لم توفر لها الحداثة ما به تستطيع أن تحافظ على خصوصياتها، وتوازن بين مهماتها، وترجح أولوياتها، وتقدم الأصل على الفرع والفرض على المندوب. فلم تستطع المرأة أن توازن بين مهمة تربية النشء وبين العطاء الفاعل المنتج داخل مجتمع لا يستطيع السير قدما دون فاعلية المرأة وإنتاجها وإبداعها. فكان الحرص من جانب المرأة على العمل والنجاح يقابله تخلي الرجل عن كثير من مسؤولياته الأسرية إما لجهل أو تهاون أو بطالة فرضها المجتمع، فتعددت التزامات المرأة، وثقلت مسؤولياتها، فكل فراغ يتركه الرجل تحاول المرأة ملأه، بل قد تتعدى إلى مهماته أحيانا من باب الحرص، لا فرق في ذلك بين العاملة والموظفة وربة البيت والمثقفة والأمية، فتاهت عن أولوياتها حتى أصبح الكثير من النساء يعشن حالة تمزق.

مخرج

المرأة عماد الأسرة التي هي أساس بناء المجتمع، لذلك فتعليمها وتكوينها وتربيتها على القيم والمثل العليا هو بناء للمجتمع ككل. والمنكر دورها في الأسرة وأهمية عطائها داخل المجتمع هو جاحد منكر. لكن السؤال الملح هو كيف نستفيد من هذا العطاء وذلك الدور بشكل يحفظ لها مهماتها الأساسية ويبقيها على ثغورها الحساسة دون أن نقصم ظهرها أو نغير وجهة عطائها بحيث لا يكون الخاسر الأسرة ولا المجتمع؟

يقول الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله: الحياة الدنيا دار بلاء، يخفف وطأة البلاء تعاون المرأة والرجل المؤمنين على الصمود أمام الشدائد وعلى اقتحام العقبة بالعدل في الغنم والغرم، وبالإحسان والبر والتسامح والإسعاف الحنون والمودة والرحمة. تشد المرأة عضد الرجل، وإن اقتضى الأمر تنازلها عن بعض حقوقها تكرما منها، ويعترف الرجل بفضلها فيسابقها إلى الإحسا)” التنوير ج1 ص216. لابد إذن من التعاون بين الرجل والمرأة، تعاون رحمة وعطاء وعدل وإحسان بين الزوجين، هذا التعاون المبني على تربية أساسها الإيمان بالله واليوم الآخر هو الشرط الأول للتخفيف عن المرأة والاستفادة من عطائها، تعاون هو نتيجة ما تلقاه الرجل وما تلقته المرأة من تربية على القيم الإسلامية تؤهلهما للتطلع إلى الحياة الطيبة، وأساسه الثقة المتبادلة بينهما، فهي عماد الأسرة وهو مصدر أمانها، وبهذا تتأسس اللبنة الأم في البناء الاجتماعي. والأساس أن تبني المرأة آخرتها مثل أخيها الرجل، التطلع إلى الآخرة ينتج عنه الصبر والاحتساب لله والعدل مع الآخر والإحسان إليه خوفا من الله ورجاء في مغفرته. والشرط الثاني أن يتقن كل واحد مهمته بعد أن يعرف ثغره الذي لا يعوضه أحد في الوقوف عليه. فالمرأة الأم أولى أولوياتها إلى جانب الأب حفظ الفطرة، فطرة الإيمان في قلوب النشء ووصل حبلها بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبحفظ الفطرة تحفظ الأسرة ويبنى المجتمع المؤمن الذي يتعاون رجاله ونساؤه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذلك كله ومن أجله أعطى الشارع للرجال على النساء “درجة”، “وهي تثقيل لميزان الرجل بمثاقيل المسؤولية، وتخفيف عن أعباء المرأة التي ندبها الشرع لمسؤولية عظيمة” التنوير ج1 ص203.

ولكي تصل المرأة إلى الاستقرار النفسي والروحي تحتاج إلى من يأخذ بيدها، يذكرها بدينها وبالآخرة همّا لابد أن يحضر في حياتها بل في كل تفاصيل اهتماماتها، حتى تستعد للعمل الصالح الذي تتحقق به الحياة الطيبة في الدنيا والفوز في الآخرة. هذه الطمأنينة بذكر الله والفرار إلى جنابه يحتاجها الرجل أيضا، فكلاهما معني بخطاب الحق سبحانه، ولكليهما دور في بناء الأمة. وجذور الفطرة لازالت تسري في قلوب نساء مغربنا الحبيب رغم الفتن، فهن لا يدخرن جهدا في العمل والبذل والعطاء، وهن في الحاجة الماسة لكلمة طيبة تعيد حرارة الإيمان إلى القلوب، ولنصيحة تحول الوجهة إلى المقصود، وفكرة صادقة تنور درب التائهات فيعدن إلى جناب الواحد المعبود. التحدي كبير أمام المرأة لأنها جزء من مجتمع تحتاج معالجة قضاياه إلى نظرة شمولية، ويحتاج خروجها من حيرتها إلى همة عالية وإرادة قوية تنزعها من وهم العادة وترقى بها الى راحة العبادة، فتهنأ حينها نفسها حتى وإن كانت في مواقف تحتاج إلى مزيد من صبرها وعطائها.