تاريخ الزلازل بالمغرب.. كوارث توطد لحمة المغاربة

Cover Image for تاريخ الزلازل بالمغرب.. كوارث توطد لحمة المغاربة
نشر بتاريخ

عاش المغاربة لحظات مرعبة إثر الزلزال الذي تعرضت له مناطق متعددة من البلاد يوم الجمعة، الثامن من شتنبر 2023، بدرجة تفاوتت من منطقة إلى أخرى، بلغت في بؤرته بمنطقة إيغيل إقليم الحوز 7,2 درجات بمقياس ريختر وفق المركز الوطني للجيوفيزياء. فيما بلغت حصيلته المعلنة إلى حدود الساعة قرابة ألفين وخمس مائة شهيد، وقرابة ذلك من الجرحى، ما يناهز 1500 من أولائك الجرحى حالتهم وصفت بالخطيرة، فضلا عن سقوط قرى بأكملها وانهيار عدد كبير من المباني في مدن عدة، ومازالت نداءات الاستغاثة ورسائل طلب المساعدة تصل من دواوير يقول أهلها إنهم يعيشون عزلة تامة إلى حدود اليوم الرابع (الإثنين) على الزلزال.

زلزال الحوز.. الأعنف بالمغرب منذ أزيد من قرن

ورغم أن هذا الزلزال لم يكن الأول الذي ضرب المغرب إلا أن المعهد الوطني للجيوفيزياء بالمغرب، ذكر في بيانه حول الحدث، أنه هو “الأعنف منذ قرن”، بينما وصفته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية بأنه “أقوى زلزال يضرب البلاد منذ أكثر من 120 عاماً”، وقد بلغت رجته عددا كبيرا من المدن المغربية وخرج الناس إلى الشوارع خوفا من انهيار البيوت عليهم، بينما ذكرت وسائل إعلام دولية أن الرجة بلغت بعض المدن الجزائرية والإسبانية والبرتغالية.

ما يلاحَظ، هو أن المغرب لا يتعرض للزلازل بالمقارنة مع دول هي معروفة بهذه الظاهرة، لكنه ليس في مأمن منه، ووفق الإحصائيات الرسمية لـ”المعهد الوطني للجيوفيزياء” في المغرب، فإن الهزات الأرضية أصبحت ظاهرة يومية في بعض مناطق المغرب، حيث تسجل أجهزة الاستشعار والرصد التابعة للمركز يومياً حوالى 30 هزة تتراوح قوتها بين درجتين إلى 3 درجات على سلم ريختر. وقال المركز إن هذه الهزات لا يشعر بها السكان ولا تشكل أي خطورة.

وقد شهد عددٌ منا بعضا من الزلازل القوية أو سمع عنها، بينما ثلاثة منها يمكن وصفها مدمرا وأودى بحياة كثيرين، لاسيما في الحسيمة سنة 2004، وقبله زلزال أكادير سنة 1960. لكن ما الذي يربط هذه الزلازل؟

يرى خبراء الزلازل أن المنطقة المحددة بؤرةً لهزات هذا الزلزال الأخير، منتمية إلى سلسلة جبال الأطلسين المتوسط والكبير وهي مثل سلسلة جبال الريف المصنفة ضمن “سلاسل الجبال الألبية” التي تعد جيولوجيا نشيطة ومتحركة زلزاليا، نتيجة تقارب الصفائح التكتونية بالقارتين الإفريقية والأوروبية التي تنتج حركية في الفوالق الزلزالية، وهي نفسها التي أنتجت زلزال أكادير 1960.

وقد سبق لمسح جيولوجي للمناطق الأكثر تهديدا بخطر الزلازل، أن أكد هذا الترابط في وقت سابق، وأكد أن المنطقة التي شهدت الزلزال الأخير وشمال المغرب ومنطقة الريف تحديدا هما المنطقتان الأعلى نشاطا زلزاليا في المغرب.

زلزال أكادير بلغت درجته 5,7 درجات وقد دمّر المدينة بأكملها وتسبّب في مقتل حوالي 15 ألف شخص، ناهيك عن الجرحى والأضرار التي خلفها، في حين زلزال الحسيمة بلغت درجته 6,4 درجات ووقع في منطقة أقرب إلى البحر الأبيض المتوسط، وأسفر عن 628  شهيدا وعن جرحى وأضرار مادية جسيمة..

تاريخ الزلازل في المغرب..

تذكر بعض كتب التاريخ أن المغرب تعرض في تاريخه لزلازل بعضها على أرضه، وأخرى ارتدادية وقعت في البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي، كما يذكر علماء الجيولوجيا أن مناطق من المغرب تقع على شريط جغرافي واقعة بالقرب من الحد الفاصل بين الصفيحة الأفريقية والصفيحة الأوراسية على خط الزلازل، كما أن المغرب يطل على البحر الأبيض المتوسط الذي توجد به العديد من البؤر النشطة.

وقد شهد المغرب أحداثا زلزالية في أوقات متفرقة، في القرون السابقة، وتذكر المصادر أن أول زلزال سجل بالمغرب، هز ضفتي مضيق جبل طارق عام 818 للميلاد، وآخران عنيفان بعد ذلك سنة 1079، قبل وقوع الزلزال المدمر الذي أتى على أجزاء واسعة من مدن تازة وفاس ومكناس عام 1624م، ووصفته دراسة نشرت في العام 2017 بأنه “من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ المغرب”.

 وعاود الحدث نفسه سنة 1660م بمدينة مليلية، ثم بسواحل المغرب عام 1719م، وبلغ أجزاء واسعة من مدينة مراكش، تبعه آخر سنة 1722 تسبب في خسائر جسيمة ببعض المدن الساحلية. وفي سنة 1731 شهدت أكادير هزات أرضية عنيفة، أدّت إلى تدمير أحياء عديدة فيها. وفي السنة نفسها دمر الزلزالان اللذان ضربا مدينة لشبونة بالبرتغال، معظم المدن الساحلية المغربية.

وفي سنة 1792، ضرب زلزال عنيف مدينة مليلية من جديد ودمر عدداً من أحيائها. وتكررت سنة 1848، ما أدّى إلى وقوع خسائر فادحة في العمران وسقوط ضحايا. ووصل الزلزال مدينة تطوان سنة 1909م، ودمر أحياء عديدة في إحدى الضواحي وسقط شهداء كثر وجرحى.

لماذا زلزال الحوز هو الأقوى؟

يمكن لأي مقارن استنتاج ما هو بادٍ بين الزلازل الثلاثة، وهو أن الأول (أكادير) والثاني (الحسيمة) محصوران في منطقة أو مدينة واحدة، بينما الثالث لم ينحصر في مكان واحد، لذلك أحس به المغاربة في مدن عديدة وعم الخوف والهلع.

أما من الجانب العلمي وفق خبراء الزلازل، فإن قوة أي زلزال تختلف بالنظر إلى المعطيات الموضوعية المرتبطة به، ولا تكفي قوة درجات ريختر لتحديد آثاره وحدها، وإنما يعد عمق المكان الذي ضرب به الزلزال محددا إلى درجة كبيرة، في تحديد خطورته وقوة دماره.

فكلما كان الزلزال غائصا تحت الأرض انخفضت خطورته وانحصر مكانه، وفي مقابل ذلك، كلما كان عمق الزلزال صاعدا إلى سطح الأرض كانت خطورة شموله لمكان واسع كبيرة، أما قوة “زلزال الحوز” فهي ترجع إلى ثبات فيلقه الزلزالي لمدة طويلة، رغم نشاطه المعروف؛ ولذلك فهو كان يجمع طاقة إضافية يوما بعد يوم، وحين تجتمع طاقة كبيرة فلا بد أن انفجارها سيكون مزلزِلا.

وذهب باحثون آخرون إلى أن هذا الزلزال بقوته وباعتبار المكان النشط زلزاليا الذي وقع فيه كانت آثاره ستكون أكثر كارثية لولا أن جبال الأطلس التي وقع فوقها لم تحصره.

فعنف هذا الزلزال مقارنة مع سابقيه، يعود إلى قوة الهزة الأرضية التي بلغت 7 درجات على سلم ريشتر، وإلى عمق الهزة التي لم تتجاوز 8 كيلومترات، وهي هزة تقريبا سطحية؛ ما يعني أن تأثيرها يكون دائما أكثر من الهزات ذات عمق أكبر.

الزلازل تُعزّز التضامن والتآزر بين المغاربة

 ومثل كل الكوارث والحوادث التي يتعرض لها المغرب باختلاف مجالاتها وأنواعها، يهب المغاربة إلى نصرة بعضهم والتضامن والتآزر والتكافل، وهذا ليس بغريب، فنرى كل الاختلافات في الثقافات والآراء والانتماءات تتلاشى أمام ثقافة النصرة والتعاون والدعم الذي يقدمه الواحد للآخر.

فإذا كان الجميع يتنافسون في مثل هاته الأحداث المؤلمة لتقديم المعونة للآخرين، فإن ذلك لا يعبر إلا عن الفطرة التي جبل عليها الإنسان عموما والمغاربة بالخصوص، لتنتصر على ما تخلفه أعطاب السياسة في إفساد خيرات البلاد وسرائر العباد، وتبين أن المغاربة مهما بلغت أحزانهم ومعاناتهم، ومهما بلغت بهم السياسات الرسمية العرجاء في مجالات شتى، فإنهم أكبر من أن تنال من وحدة قلوبهم مهما اختلفت أماكنهم فوق هذه الأرض الطيبة.

وإذا كانت هذه الكوارث تكشف عن سلامة قلوب المغاربة، وقوة إيمانهم في التسليم إلى الله عز وجل واحتساب الأجر عنده، فإنها تكشف بمثل ذلك -على الأقل- عن عزلة غريبة وهشاشة اجتماعية مخيفة تعانيها آلاف الدواوير والمداشر، وحتى المدن والمناطق، وهي تعبر عن حقيقة يراد تغييبها، ما كان الواحد ليعرفها ويسمع عنها في خضم الصناعة الدعائية الرسمية التي ألفت المساحيق التجميلية.

في هذا السياق، واسترشادا بهذه القيم الراسخة، تتواصل جهود الإنقاذ من متطوعين لتغطية الخصاص في المناطق التي لم تبلغها بعد مؤسسات الدولة، كما تعج الآن مواقع التواصل الاجتماعي بصور لقوافل التضامن والتكافل والتآرز، تنظمها جمعيات ومنظمات عاملة في المجتمع المدني.

وفضلا عن ذلك، هناك متطوعون يحاولون الوصول إلى من يحتاجون إلى المساعدات لإيصالها بكل ما أوتوا من وسائل… كما أن حملات التبرع بالدم لفائدة الجرحى والمعطوبين تتواصل في مختلف مستشفيات البلاد منذ صباح السبت المنصرم، إسهاما في إنقاذ أرواحٍ هي في أمس الحاجة إلى قطرة دم… مثلما أن عددا من الأطباء أعلنوا تطوعهم في القطاعين العام والخاص فمنهم من تحول إلى المناطق المنكوبة للإسعاف، ومنهم من فتح عيادته بالمجان لتخفيف الضغط عن المستشفيات العمومية.