جاؤوا من كل حدب وصوب، يلبون نداء الواجب والصدح بالحق والرغبة في تغيير واقع لا بد أن يرتفع مهما طال الزمن، وحجبت شمسَ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية حجب تماطل المسؤولين والقيمين على “رعاية” هذا الوطن.
جاؤوا، وإن اختلفت أطيافهم وقناعاتهم، وهم يرددون شعارات الانعتاق ويتغنون بنشيد الحرية..
جاؤوا وهمهم واحد: إشعار من يهمهم الأمر أن المغرب واحد لا يقبل التجزئة ولا التبعيض، وأن شوكة تصيب الواحد منا في الريف تسري آلامها في جسد الشعب الواحد في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وينتفض لها مطالبا بوقف الآلام ومعانقة الآمال الجميلة.
جاؤوا رجالا ونساء، لأن الظلم لا جنس له ولا جنسية، يعلون الصوت عاليا أن كفانا انبطاحا وذلا، كفانا تلاعبا بمصالح الشعب، واستهتارا بمطالبه المشروعة.
وجهوا الرسالة تلو الرسالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد… أننا لا نريد خراب الوطن، ولا زعزعة أمنه، ولا إذكاء الفتن، ولا الرقص على الجراح… نريد ضمان الحق في الماء والهواء، نريد السكن والإيواء… نريد حق الشعب في ثروات البر والبحر والظاهر والباطن… نريد لنا مقاما بين الأمم… نريد الخبز والماء والإدام… نريد للثروة أن تظهر وإن سافرت أن تعود… نريد المدرسة والمشفى، نريد لفاجعة أمي فاتحة ألا تتكرر، ولمأساة محسن فكري ألا تهدد دمويتها مضاجعنا، وأن نطلق ثلاثا عهود المقامع والحديد، ولغة البطش والاستهتار وطحن الأجساد البريئة بآلة القمع المخزنية، وفرعونية مسؤولين لا يجيدون إلا أوامر “طحن مو”.
خرجوا مسالمين، يجيدون لغة الحوار والمطالبة المشروعة، بهمّ عالي وهمم تعانق عنان السماء، لم تستفزهم بعض من الأصوات الضعيفة التي جاءت أو جيء بها من مغرب التطويع والتفقير والتجهيل من أجل أن تغرد خارج السرب بجملتين أو ثلاث صارت مألوفة ممجوجة منبوذة في آذان الأحرار من فرط تكرارها… سمفونية مقيتة على آذان شعب صار أشد وعيا وأكثر تشبتا بحقه… فلم يستجيبوا لاستفزاز، ولم يعيروا اهتماما للغة التخوين…
لم يعيروا اهتماما للفح الشمس الحارقة ولا لظمإ صيام الهواجر… وأبوا إلا أن يلبوا نداء الشعب الواحد، والوطن الواحد الذي يغيب فيه التمايز، وينضوي فيه الكل تحت راية الوطنية الحقة، التي لا يعلوها زيف المصالح، ولا بريق التمسح بأعتاب السلطة.
جميل صوتك أيها الشعب الواحد حينما ارتفع في شوارع الرباط: “وطن واحد، شعب واحد، ضد الحكرة، ضد الاستحواذ والاستعباد والاستبداد والفساد” كانت رسالتك واضحة، لا تحتاج إلى تشفير ولا بيان… إن فات مسؤولو هذا الوطن الاستجابة لمطالبك والاعتراف بحقوقك، يكون قد فاتهم ركب المصالحة وإرجاع الحقوق.