تأملات قرآنية

Cover Image for تأملات قرآنية
نشر بتاريخ

استوحشتَ من الحياة، ضقت ذرعا بكل الألسن، تعبت روحك، تشتتت أفكارك، ظُلِمْت، بكيت الدموع دما، غُصِبْت في حقك، تغربت… اسودت الدنيا في وجهك…. ارتفع أنينك… ازداد وجعك.

ولا تدري ما العمل… تعال معي لحيظات أدلك على مفتاح سعادتك.

القرآن.. أجل.. القرآن.. اجعله أنيس روحك الشاحبة.. تصفحه آية آية.. اعقد معه عقد محبة.. اصحبه في سرك وعلنك.. في حلك وترحالك.. في ليلك ونهارك… تأمله.

ألست تقرأ ألا بذكر الله تطمئن القلوب. فما حالك مع الذكر؟ إن لم يطمئن قلبك فرتب أوراقك ونظم أورادك، وأصلح سرك، وأسل دمعك، فثمة خلل وثلمة لن تسدها إلا جلسة تخلو بها مع ربك تدنيك من حمى المحبوب. أحبه فإنه يحب الذاكرين وقد أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما.

ألست تقرأ وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. فما نصيبك من الحمد وقد تجلى عليك ربك بجميع صفاته الحسنى. أكرمك وهو الكريم الذي لا حد لكرمه، قربك وهو القريب، أجابك وهو المجيب، أعطاك وهو المعطي، وفتح لك وهو الفتاح، تودد إليك وهو الودود، أفلا تكون عبدا شكورا.. احمده، فقد هداك إليه بسر عنايته، ولولا أنه هداك ما كنت لتهتدي.. احمده فهو رب العالمين.. احمده لأنه الله. الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.

ألست تقرأ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. سبحانك ربي ما أعظم شأنك! سبحانك! تقلب هذه القلوب كيف تشاء ومتى تشاء وبما تشاء! سَبِّحْه، فإنه سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سَبِّحْه فإنه العلي العظيم، سبحان الله وبحمده.

ألست تقرأ فاسجد واقترب اسجد إذاً. سجادتك، محراب قلبك وهو يسجد لعظمة ذي الجلال والإكرام، اسجد لمن رفع السماء بغير عمد، اسجد لمن خلق الإنسان من علق، اسجد لمن جعل في كل جسد مضغة إن صلحت صلح بصلاحها وإن فسدت فسد بفسادها… اسجد لتشهد علوه وانخفاضك. اسجد لتشهد قدرته وضعفك. اسجد لتشهد غناه وفقرك. اسجد لتشهد عزته وذُلَّك. اسجد لتشهد ربوبيته وعبوديتك. اسجد لترى الله.

ألست تقرأ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم. فاطرق باب كرمه والجأ إلى عظيم فضله، فربك الواسع لا ينقضي منه العطاء ولا يتوقف منه الجود، لا حد لوهبه، يعطي بلا حساب وعنده المزيد. أقرضه قرضا حسنا يضاعفه لك أضعافا مضاعفة.

ألست تقرأ إنك بأعيننا، فعن أية حماية تبحث وتُقَلّبُ وجهك وأنت تحت نظر الله، يسلمك بإذنه من كل سوء، يواسيك وقد فاضت بقلبك الآهات. يرتب أوراقك التي بعثرتها في الطريق. يجذبك إلى الوجهة التي تليق بك وأنت عبد في كامل خضوعه واستسلامه، إني وجهت وجهي للذي فطرني.

ألست تقرأ ففروا إلى الله فلمَ تستعيض عنه بالبشر؟ مخلوق لا يملك لنفسه حيلة ولا حول له ولا قوة، تتلهف معتقدا اعتقادا جازما أن الحل عنده وتنسى أن ربك يدبر الأمر. كيف غفلت أنه لا فاعل في الكون سواه وما من أمر يتم إلا بإذنه، عجبا لك تفر إلى المخلوق وتحيد بيقينك عن الخالق. اللهم صدق اللجوء إليك وكمال الأدب في حضرتك.

ألست تقرأ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا. قرآن ربي كلام الله الجليل وشفاء كل عليل، في كل آياته أسرار، إن صحب يومك وَجَّهك، وإن صحب ليلك رفع قدرك، وإن صحب روحك أدخلك على الله فاكتفيت به عن الكل وبذلت له ما قدمت وما أخرت. كلمات ربي تجلت بسر ” كن فيكون”.

القرآن نور من الله يضيء ظلمة قلبك ويحطم أصنامه ويرتب أركانه ويفصح لسانك ويقوم اعوجاجه ويخفف أثقالك ويعلي قدرك ويدنيك من ربك بقدر حبك له، فمن أحب الله أحب كلامه.