بين يدي العاشر من أكتوبر.. المرأة المغربية في يومها الوطني: سقف الانتظارات وحجم التراجعات

Cover Image for بين يدي العاشر من أكتوبر.. المرأة المغربية في يومها الوطني: سقف الانتظارات وحجم التراجعات
نشر بتاريخ

الكاتبة الوطنية للقطاع النسائي بجماعة العدل والإحسان

عام جديد ومناسبة تتجدد، وفي كل عام تسامح المرأة المغربية الواقع والحال وتنسج أحلاما جديدة تستمد منها الصبر على الوجود والبقاء، بعد تبدد سابقاتها في الغد الواعد بالكرامة والعدالة الاجتماعية والتمكين المستحق.

خطابات رسمية وشعارات عريضة، ترفعها في كل مناسبة ومحفل مؤسسات مهترئة خربة، لم يبق من أسمائها سوى الهياكل، بينما أفرغ جوهرها من كل قيمة ومضمون، مؤسسات صورية مسلوبة الإرادة، فاقدة للبوصلة، لا تبدع إلا في سياسات التفقير والتجهيل واحتكار منافع البلاد برا وبحرا، وتجريد المواطنين من أبسط حقوقهم المشروعة في العيش الكريم. سياسات مشلولة لا تعرف معنى شعار “الرشد” أو  “والحكامة”، يدفع ضريبتها المواطن البسيط والفئات الهشة، في مقدمتها النساء؛ مستضعفات المستضعفين..

ويطل علينا اليوم الوطني للمرأة المغربية هذه السنة بين يدي احتقان شعبي كبير واحتجاجات واسعة في عدد من مدن المغرب، تنادي بمطالب اجتماعية عادلة تمثل أبسط احتياجات المواطن في بلده: سياسات رشيدة، تعليم جيد يستفيد منه الفقير والغني، تطبيب يحفظ صحة الناس ولا يغتني على حساب أرواحهم، قضاء عادل يحفظ الحقوق ويرعى المظالم بعيدا عن الزبونية والسمسرة، فرص شغل تحفظ ماء الوجه وتضمن العيش الكريم لجميع المواطنين… حقوق مشروعة، على بساطتها، قوبلت للأسف بسخط المخزن وتضييق أجهزته الأمنية، وعنف مرَضي ليس له ما يبرره، مما يبرز بالجلي الواضح واقع بلد “التي جي في”، و”ملاعب الرفاه”. واقع أصبحت كل وسائل التجميل عاجزة عن تزيين ملامحه التي شوهتها السياسات المشلولة والبرامج الوهمية والخطط المختلة.

وفي الوقت الذي تنتظر فيه نساء المغرب الحبيب -بحسن نية- وفاء الدولة بوعودها في تمكين المرأة وتعزيز مكانتها داخل المجتمع، وتمتين منظومة حقوقها، وإصلاح أحوال عيشها ومعاشها بما يصون كرامتها ويعلي شأنها، تتبخر انتظاراتها وأحلامها أمام حجم الاختلالات والانتكاسات التي تعتري البرامج والخطط الرسمية التي تعدها بالإصلاح والتغيير، ويكفي التمثيل في هذا السياق بالنموذج التنموي الجديد الذي تعهد برصد أوضاع النساء والعمل على النهوض بها، وتوفير كل فرص التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لها، وإدماجها في المجتمع. والغريب العجيب أن يخصص لكل هذه الأهداف الكبرى ضمن وثيقة المشروع (ما يناهز 160 صفحة) عدد صفحات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة! وهذا المثال إنما يعكس حجم الإهمال وطبيعة التعاطي الضيق مع قضايا المرأة وهمومها داخل البلد، ويكشف ضعف السياسات الرسمية في التعاطي مع المسألة النسائية، تشهد لذلك النسب المرتفعة للفقر والبطالة والهشاشة والأمية والهدر المدرسي في صفوف النساء والفتيات خصوصا في الأوساط القروية، ونسب وأشكال العنف المتنامي ضد النساء من مختلف الشرائح في الفضاءات العامة والخاصة، والتحرش الجنسي، وهجرة النساء، وتحدي الموت من أجل لقمة العيش، ومعاناة الأجيرات في المعامل والمزارع… هذا وغيره في مقابل تدنّ ممنهج لمستويات الوعي، ومستويات الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية، ولعل ما تعيشه ضحايا زلزال الحوز لما يفوق السنتين من مظاهر التشريد والإهمال، وتوالي وفيات عدد من الأمهات أثناء الولادة في مستشفى أكادير، حالات تعكس صورا فاضحة للإخلال بالمسؤولية، والعجز عن حماية حياة النساء، بله الحديث عن تسطير وتنفيذ خطط “للتنمية” و”التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي للنساء”!.

وإذا كانت كواهل النساء في المغرب صدقا تثقل بأحمال وأعطاب تنوء بها الجبال، فإن صمودَها في الجهود التي تبذلها لممانعة السياسات الداخلية التي تستهدفها بالإهمال والتهميش، من خلال حركية دؤوبة تجمع بين الحضور العلمي والانخراط السياسي والفعل المجتمعي والنضال الحقوقي، وقوتَها في مواجهة السياسات الخارجية التي تستهدف طمس هويتها، والتنكر لدينها وقيمها، والتطبيع مع مختلف أوجه الفساد، من خلال حركية واعية تجلت في انخراطها المسؤول في النقاش المجتمعي حول مدونة الأسرة بخلفياتها ومقترحات تعديلها، ومساندتها لشعب غزة الأبي في معركته الباسلة في وجه الاحتلال الصــهيوني الغاشم وزبانيته. حركية لم تستنزف من المرأة فقط الوقت والجهد، بل تطلبت برهان صدق وقناعة تقدمه كل من ترفض سياسات الرعونة والفساد، من حياتها وحريتها وشرفها وسمعتها.

وفي ختام هذه الكلمة نؤكد أن الأوضاع المتردية التي تعيشها المرأة المغربية على مختلف المستويات، وتناسل أزماتها سنة بعد أخرى، خصوصا في المناطق الهشة والقرى المنسية، نتيجة سياسات فاشلة عناوينها الكبرى: التفقير والتجويع والتضييق والتعنيف وتكميم الأفواه، في مقابل إحكام القبضة والتسلط الجائر على العباد ونهب خيرات البلد واحتكار ثرواته من طرف الفئات المفسدة المتغولة، عوامل تجعل بلدنا الحبيب على صفيح ساخن قد تأتي نتائجه على الأخضر واليابس، إذا لم تقابل بالحوار الجاد بدل الوعود الكاذبة، والإرادة الصادقة للتغيير بدل المماطلة والتسويف، والإصلاح الحقيقي الجذري التي يعيد للمواطن كرامته ويحفظ له حقوقه، ويجدد ثقته في وطنه.