أبرز متدخلون حجم القهر والظلم الذي يطال العاملات الزراعيات، وذلك في ندوة دولية نظمها القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان عن بعد، تحت عنوان: “العاملات الزراعيات بين واقع القهر ومطلب التكريم: مقاربة اجتماعية، قيمية، حقوقية وقانونية”، يوم الجمعة 11 يوليوز 2025، وبثت مباشرة في الصفحة الرسمية للقطاع النسائي للجماعة. وقد أدارتها الأستاذة أسماء بوكرار وشارك فيها عدد من الوجوه من داخل المغرب وخارجه، قدموا شهادات وتحليلات كشفت عن واقع بالغ القسوة تعيشه العاملات الزراعيات في ظل هشاشة قانونية واستغلال اقتصادي وتمييز اجتماعي صارخ.
الهجرة الموسمية ومآسي العاملات المغربيات في أوروبا
سلطت الناشطة الحقوقية خديجة عناني، الضوء على المفارقة الصارخة التي تنتهجها دول الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة، مشيرة إلى أن الميثاق الأوروبي للهجرة يسعى إلى انتقاء الكفاءات العليا في الطب والهندسة، مع توفير شروط الاستقبال الجيد، في حين يعتمد في المقابل على ما يسمى بـ”الهجرة الدائرية” لاستقطاب فئات معينة لا يسمح لها بالاستقرار، بل يطلب منها العمل الموسمي فقط.
وأكدت عناني أن النساء المغربيات العاملات في الزراعة يمثلن فئة مستهدفة في هذا النمط من الهجرة، حيث يقبلن على العمل في ظروف صعبة وأجور زهيدة، مستشهدة بتجربة العاملات في مزارع الفراولة بإسبانيا. وأوضحت أن تفضيلهن من قبل أرباب العمل الأوروبيين لا يعود فقط إلى كفاءتهن الزراعية، وإنما كذلك إلى قدرتهن على القبول بوضعيات عمل كارثية، وغياب شروط الكرامة، في ظل الهشاشة التي يعشنها حتى في بلدهن الأصلي.
العمل الزراعي وإدماج النساء في التنمية
من جانبه، أكد الأستاذ إبراهيم بايزو، الباحث في علم الاجتماع، أن معالجة واقع العاملات الزراعيات ينبغي أن تنطلق من إشكالية التنمية الشاملة في المغرب، باعتبارها عملية تحرير للطاقات البشرية وتعزيزا للحريات الموضوعية. وأوضح أن إدماج النساء في العمل الزراعي لا ينبغي أن يختزل في بعده الاقتصادي، بل يجب أن يربط بالأبعاد السياسية والاجتماعية والحقوقية الكفيلة بضمان كرامة المرأة العاملة ومشاركتها الفاعلة في مسار التنمية البشرية.
وأشار بايزو إلى أن العمل، في هذا السياق، ينبغي أن يفهم بوصفه مدخلا للاندماج الاجتماعي وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي، بالإضافة إلى كونه حقا من حقوق الإنسان. وأبرز أن وظيفة الشغل لا تكتمل دون ضمان كرامة العامل، ما يقتضي تمكين النساء العاملات في الزراعة من شروط العمل اللائق والحماية القانونية والحقوقية اللازمة.
نساء تونسيات في قلب معاناة العمل الزراعي
وفي مداخلة من تونس، قالت خديجة الشملالي، الحقوقية والفاعلة الجمعوية، إن واقع المرأة العاملة الفلاحية في تونس لا يختلف كثيرا عن نظيرتها في المغرب، رغم بعض التحسن الظاهري في التشريعات وتحركات المجتمع المدني. وأشارت إلى أن المرأة التونسية تساهم بنسبة 58% من اليد العاملة في القطاع الزراعي، وتؤدي أعمالا شاقة من جني المحاصيل وإزالة الأعشاب ونثر البذور.
غير أن المقابل الذي تتقاضاه هؤلاء النساء لا يتجاوز 15 دينارا تونسيا في اليوم، وهو ما يمثل خرقا سافرا لقانون الشغل الذي يحدد الحد الأدنى للأجر بـ18.9 دينارا. وفي المقابل، يمنح الرجال في نفس القطاع أجورا قد تصل إلى 30 دينارا، ما يعكس تكريسا واضحا للتمييز على أساس النوع الاجتماعي ويؤكد استمرار التهميش المزدوج للنساء: كعاملات وكإناث.
ضعف التفعيل القانوني يضاعف هشاشة العاملات
بدوره، تناول الأستاذ محمد الطايفي، المحامي بهيئة مكناس، الإطار القانوني المنظم لعمل العاملات الزراعيات في المغرب، مشيرا إلى أن مدونة الشغل تؤطر هذه العلاقة، وتنص على أن عقد الشغل هو عقد رضائي يتيح للطرفين التفاوض حول طبيعة العمل والأجر وساعات الشغل. لكنه أشار إلى أن الواقع مختلف تماما، إذ تضطر النساء إلى قبول شروط مجحفة بسبب الحاجة لإعالة أسرهن، ما يفقدهن القدرة على فرض أي شروط تحمي كرامتهن أو تضمن لهن الحد الأدنى من الحقوق.
وأوضح الطايفي أن المادة التاسعة من مدونة الشغل تمنع التمييز بين الأجراء على أساس الجنس، سواء في التشغيل أو الأجر، لكن هذا النص يبقى دون تفعيل فعلي في الميدان، حيث يفضل أرباب العمل تشغيل النساء بأجور أقل وشروط أقسى، مما يعمق هشاشتهن القانونية والاجتماعية رغم وجود نصوص تشريعية تبدو إيجابية في ظاهرها.