بين الأم الوالدة والأم المدرسة

Cover Image for بين الأم الوالدة والأم المدرسة
نشر بتاريخ

 

الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا       أعـددت شعبا طيب الأعــراق
الأم روض إن تعهــده الحيـــا    بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق

لطالما تغنينا بقصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم رحمه الله، ونحن لا زلنا صغارا في أحضان المدرسة الأم والأم المدرسة.

تربت أجيال على معاني التعظيم للأُمّين، الأم التي جاءت الوصية النبوية الخالدة بحسن صحابتها، والأم التي كنا نلج أعتابها في سن مبكرة بعد أن يودعنا آباؤنا فيها يقينا منهم أنها الأم الثانية المحتضنة المربية المعلمة والناصحة.

أفرغت من الكثير من محتوياتها، واكتظت أقسامها عن آخرها بأعداد لم يعد بمقدور المدرسين استيعاب أعداد المربَّين ولا حفظ أسمائهم، فضلا عن تتبع تربيتهم وتقويم سلوكياتهم ومتابعة تعلمهم عن كثب.

طالت البرامج وكثرت المقررات حتى ناءت ظهور اليافعين واليافعات عن تحمل ثقل الأسفار. أسفار تتجدد بين الفينة والأخرى وتختلف باختلاف المقاطعات لأهداف تربوية يقولون، لكنها تتدخل فيها الكثير من المصالح الاقتصادية.

أم صارت أُمّين ، إحداهما للعموم وأخرى للخواص يتزاحم على أبوابها الآباء بمختلف مستوياتهم الاجتماعية، إما تنكرا للأم الأصلية أو لعدم الثقة في مجهودات مربيها، أو رغبة في تكوين يظن أنه الأمثل، أو للحصول على معدلات تبز معدلات الأقران في ميادين اكتساح المؤسسات العليا، وساحات اقتناص فرصة تعلم يؤهل لعمل صار شحيحا في عصرنا، حتى أضحى المعطلون من أصحاب الشهادات سُبة في جبين دولة لا تؤهل أبناءها لسوق الشغل، ولا تفتح لهم أصلا أبوابه إلا بعد جحيم العطالة والمطالبات والمسيرات وآلام عصي المخزن التي لا تلتئم.

أم مدرسة عقت حتى مدرسيها، فأصبحت تقتطع من مرتباتهم الهزيلة إذا مارفعوا الصوت مطالبين بتحسين أوضاعها وأوضاعهم، تريد أن تثنيهم عن تحقيق مطالبهم المشروعة، مهددة إياهم بلقمة عيشهم. أهي صاحبة اليد الطولى أم هم القائمون عليها؟ أيرعوي الأحرار أم إنهم سيتراجعون عن مطالباتهم إن هم ضيق عليهم في الأرزاق، أم هي مسيرة الألف ميل التغييرية التي لاحت خطواتها ولن تتوقف إلا بعد تحقيق المطالب؟

آن الأوان أن تعيد دولتنا المبجلة حساباتها، وتهتم بقضية التعليم فيها، وأن توكلها للأمناء الأقوياء من ذوي الغيرة على أبناء الوطن، لأن لا إقلاع حضاري يرجى من غير هذه السبيل.

يُـقال أن رئيس وزراء اليابان سُـئِـل عن سِــرّ التطور التكنولوجي في بلده؛ فأجاب: بدأنا من حيث ما انتهى منه الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، وأعطينا المُـعَـلّـمَ راتب وزير، وحَـصَـانة دبلوماسي، وإجلال إمبراطور.

ثم إن تآزر جهود الأُمّين لا شك سينتج جيلا قويا يُعز به الله تعالى الأمة، صقورا وأسودا قوية يعول على سواعدها في البناء والتغيير. أم ولدت وربت وما تخلت، حرصت على كمالاتها التربوية والعلمية والأخلاقية والجهادية دون أن تلهيها عن كمالها الوظيفي الذي هو لها أصل، كمالها وزوجها أن يكونا أبوين مسؤولين عن أجيال قوية لا عن تفريخ عددي غثاء.

أم ينبوع للرحمة والرفق، تحرص على عملها الصالح، وتشع بأخلاقها العالية وتربيتها الرصينة، وتُرضع لبان التقى صافية نقية لأجيال قوية وأمينة.

ولإنتاج هذا الطراز، لا بد من إعادة الاعتبار للأُمّين معا تأهيلا وتعليما وتدبيرا… لتتضافر جهودهما حفظا للفطرة وتحقيقا للمؤهلات الضرورية لخوض غمار حياة تتنوع متطلباتها بشكل متسارع.