“لم نتقدم بأي طلب للعفو، لأننا لسنا مذنبين واستثناء معتقلينا هو لحسابات سياسية ضيقة” بهذا صرح فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان لـ”البيضاوي” والمناسبة هي استثناء معتقلي العدل والإحسان الإثني عشر المحكومين بـ20 سنة سجنا قضوا منها 12 سنة، وتعد هذه المرة الثالثة لاستثنائهم بعد سنتي 1994 و1998.
تلاعب سياسي
وقد اعترفت الدولة رسميا بهويتهم السياسية حينما استثنوا من العفو الشامل سنة 1994، إذ أطلق سراح 16 منهم بينما أبقي على الإثني عشر رهن الاعتقال رغم انتسابهم لنفس المجموعة أو الملف الجنائي. وهو ما يعد اعترافا رسميا وخرقا لمقتضيات هذا العفو، ذلك أن العفو الشامل هو من الناحية القانونية، عفو ينصب على وقائع أو أحداث معينة فيزيلها من دائرة الإدانة بما يترتب عن ذلك من شمول العفو كل شخص نسب إليه ارتكاب أو المشاركة في ارتكاب تلك الأحداث، كما أن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أعلن في سنة 1998 في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية أن ملف طلبة وجدة سيجعل له مخرج وحل نهائي وسيصفى في أجل أقصاه ستة أشهر انتهت في 9 أبريل 1999، بينما لاحظنا أنه حتى إلى سنة 2004 يستثنون للمرة الثالثة بما يفيد أن اعتقالهم يدخل في إطار العلاقة المضطربة بين العدل والإحسان وبين الدولة. وحسب بلاغ العدل والإحسان فإن “الطي النهائي لملف حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم إلا بإرادة حقيقية ومعايير واضحة ودون تمييز أو اعتبار لحسابات سياسية ضيقة ويضيف البلاغ- أن ما حدث يؤكد عدم جدية القرارات أو التسويات الصادرة بهذا الشأن، إنما هو التلاعب السياسي، إذ أنه في الوقت الذي تسلط فيه الأضواء على الإفراج عن ثلة من المعتقلين يجري ردم وقبر المئات في غياهب السجون والمعاقل السرية في جنح الظلام” ويختم البلاغ بالقول “بأن العدل والإحسان تسجل فرحتها مع كل من ارتفعت عنه يد البطش وتجدد تضامنها مع كل ذي حق مهضوم”.
ومما يؤكد حالة الاستثناء أيضا، أن العفو الملكي شمل صحافيين متابعين في نفس قضية محمد العبادي عضو مجلس إرشاد العدل والإحسان حيث استثني هذا الأخير “الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب ويؤكد أن ملف جماعة عبد السلام ياسين كعامل سياسي استثنائي لمعايير أخرى غير مصرح به” حسب البيان.
عفو بالتقسيط
استثناء آخر شمل المعتقلين أحمد شهيد وأحمد الشايب والمحكومين بالمؤبد منذ يوليوز 1984، وهما ضمن المجموعة المعروفة “71” التي حوكم فيها أعضاء من الشبيبة الإسلامية في حين أفرج عن مجموعة “عمر بنجلون” والتي يوجد فيها سعد أحمد ومصطفى خزار وحكيمي بلقاسم ومصطفى عوقيل، ورغم أن المجموعة ككل تتمتع بوضعية المعتقل السياسي، إلا أنه أفرج عن البعض واستثني آخران.
وحسب بيان أحمد شهيد وأحمد الشايب فإن هذا الاستثناء هو الثالث من نوعه منذ 1994 و1998 “وذلك بدون وجه حق، حيث أصبحنا من أقدم السجناء السياسيين بالمغرب (21 سنة في الاعتقال السياسي).
“استثناء حسب البيان- يندرج في إطار السياسة التقليدية للدولة المغربية في تعاطيها مع ملف المعتقلين السياسيين والوطنيين منذ الاستقلال وخلال العقود الماضية، حيث كان إطلاق سراح المعتقلين يتم بالتقسيط. فالدولة دائما تحتفظ باحتياط من المعتقلين السياسيين للتوظيف السياسي والإعلامي”.
واعتبر شهيد والشايب في نفسيهما “أقدم معتقلين سياسيين بالمغرب ورهائن سياسة بمعية مجموعات أخرى لتوظيف سياسي ودعائي في المستقبل … إنها سياسة مكيافيلية لا تنم إطلاقا عن تشبتها المزعوم بقيم الإسلام السمحاء ولا بثقافة حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون” واستنكر المعتقلان السياسيان عدم إطلاق سراحهما واستمرار وضعهما وراء القضبان “كرهائن قابلة للاستعمال الدعائي والدولي بالتدخل بقوة من أجل متكسباتهما وإطلاق سراحهما.
جزائريون مستثنون
مجموعة أخرى تم استثناؤها من العفو الملكي وهي المعروفة بالمجموعة العسكرية بالرباط لسنة 1996 وتضم ثلاثة آخرين وأربعة مغاربة، في حين تم الإفراج عن معتقلي المحاكمة العسكرية بالرباط والتي تتضمن سبعة أشخاص، والمجموعتان المحكومتان في قضايا متشابهة (تهريب الأسلحة أو حيازتها أو إخفائها) وتتراوح أحكام هذه المجموعة بين 11 و14 سنة سجنا.
من جهتها تضاربت بيانات الجمعيات الحقوقية والنقابية، ففيدرالية الصحافيين المغاربة اعتبرت الإفراج “خطوة مهمة تعيد الاعتبار للعمل والممارسة الصحفيين” وتطالب في نفس الوقت بـ”عدم عرقةل صدور الجرائد التي يصرها بعض الزملاء المغاربة عنهم”.
أما الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فعبرت عن ابتهاجها لقرار الإفراج عن عدد من معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين مسجلة في نفس الوقت أن “استثناء عدد من المعتقلين السياسيين سيبقي الملف مفتوحا ضمن الملفات العالقة المرتبطة بالقمع السياسي الذي عرفته ولازالت تعرفه بلادنا لحد الآن”.
أما المركز المغربي لحقوق الإنسان فثمن في شخص رئيس خالد الشرقاوي- المبادرة الملكية بإعلان العفو “الذي رغم أهميته لم يكن شاملا، حيث لم يستفد منه أيضا من تبقى من المعتقلين لأسباب سياسية.
وفي نفس الإطار اعتبر أحمد الصبار رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف أن “العادة جرت في هذا البلد على استثناء البعض لأسباب سياسية”. وقال الصبار في تصريح لـ”البيضاوي” أن المنتدى بعد هذا العفو سيناضل من أجل إطلاق سراح 11 معتقلا سياسيا (7 منهم يمثلون المجموعة العسكرية) في حين اعتبر معتقلي العدل والإحسان المستثنون يدخلون في إطار الجرائم السياسية وليسوا معتقلي الرأي، وأنهم ليسوا ضمن أجندة المنتدى.
أما المنظمة المغربية لمساعدة السجين فاعتبرت حسب رئيسها حميد حمدي- العفو “خطوة جبارة ولها عدة دلالات أظهرت بأن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح”.
من خلال هذا العفو الملكي الذي لا يمكن في جميع الأحوال إلا تثمينه، وتهنئة المفرج عنهم، يتضح أنه لم يكن شاملا، وأن الصفحة لم تطو بعد نهائيا، رغم تأكيد وزير العدل لهذا الطي، فهل سننتظر السنوات القادمة ليتم الاعتراف بأنه لدينا معتقلون سياسيون.