بالوثائق.. هيئة الدفاع تكشف المزيد من تفاصيل قتل كمال عماري

Cover Image for بالوثائق.. هيئة الدفاع تكشف المزيد من تفاصيل قتل كمال عماري
نشر بتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه

بلاغ من هيئة الدفاع في ملف الشهيد كمال عماري

بمناسبة الذكرى الخامسة لوفاته رحمه الله

حلت بنا هذه الأيام، الذكرى الخامسة لوفاة المرحوم كمال عماري، الذي انتقل إلى جوار ربه، يوم الخميس 02 يونيو 2011، بقسم الإنعاش بمستشفى محمد الخامس الإقليمي بمدينة آسفي. وقد كان المرحوم قد ادخل المستشفى إثر تفاقم حالته الصحية نتيجة العنف والضرب والاعتداء الذي تعرض له من طرف عناصر القوة العمومية، يوم 29/05/2011، بشارع عبد الرحمن الوزاني، المعروف بدار بوعودة، بآسفي، وذلك بعد ترصده من طرفهم إثر تفريق مسيرة احتجاجية سلمية لحركة 20 فبراير.

وقد سبق لهيئة الدفاع في بلاغاتها السابقة، والمؤرخة في 22/11/2011، 14/02/2012، 31/05/2012، 29/05/2013، 01/06/2014، و02/06/2015، أن فصلت في ظروف وملابسات الاعتداء والعناصر التي اعتمدتها في قيام مسؤولية الأجهزة الأمنية، والوقائع التي تبين النية المبيتة في المس بحياة الشهيد وسلامته البدنية. كما أنها بينت وقائع الملف والإجراءات التي قامت بها هيئة الدفاع لتتبع إجراءات القضية، من شكاية، ومعاينة لجثة المرحوم، وخبرة طبية شرعية، ثم بحث تمهيدي من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، وتقص للحقيقة من طرف المجلس الوطني لحقوق الانسان، ومن طرف الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية، وكذا إحالة الملف من طرف النيابة العامة على قاضي التحقيق، وانتصاب عائلة الضحية طرفا مدنيا.

كما أن هيئة الدفاع وافت الرأي العام بمجريات هذه الإجراءات في حدود ما يسمح به القانون، معبرة عن بواعث قلقها وتخوفها من بطء هذا المسار القضائي ومن عدم جدية اجراءاته.

وها نحن الآن، وبعد صدور قرار بعدم المتابعة، وبعد مضي خمس سنوات على هذه الجريمة النكراء، التي إلى جانب مسها بحياة الشهيد، وبالحقوق المادية والمعنوية لذويه ومعارفه وأصدقائه، فإنها مست بالحق في التظاهر السلمي وفي الانتماء وفي المحاكمة العادلة والمساواة أمام القانون وأمام القضاء، وكرست الحماية للجناة وإفلاتهم من العقاب، كما مست حق الجميع في معرفة الحقيقة وتحديد المسؤوليات الفردية والجماعية عن ذلك، نقول بعد هذا كله، نعود لتفصيل معطيات الملف إطلاع الرأي العام عليها.

فرغم أن المجلس الوطني لحقوق الانسان، باعتباره مؤسسة دستورية من مؤسسات الدولة، سبق له أن بين في مناسبات متعددة، أن مسؤولية الاعتداء على الشهيد كمال العماري، تتحملها الأجهزة الأمنية التي تدخلت يومها لتفريق المسيرة الاحتجاجية السلمية، وقامت بترصد النشطاء بالأزقة والدروب، وقامت بالاعتداء عليهم بشكل عنيف غير مبرر ودون تحفظ، فإن هذا المجلس اكتفى بإرسال صورة من تقريره للسيد الوكيل العام، الذي أدلى به في ملف التحقيق، دون أية مطالب أو متابعة، ودون تمكين ذوي حقوق الضحية ودفاعهم، والرأي العام من هذه الوثيقة، رغم المطالبة بها، بشكل يخالف القانون المؤسس للمجلس، ودوره المفترض في خدمة حقوق الانسان وحمايتها.

كما أن النيابة العامة، وقضاء التحقيق رفضا طيلة هذه المدة، تمكين ذوي حقوق الضحية ودفاعهم، من نسخة من تقرير التشريح الطبي الذي انفرد الوكيل العام بإعلان خلاصاته بشكل انتقائي في بلاغ للرأي العام.

كما رفض السيد قاضي التحقيق، طيلة مدة التحقيق، تمكين الدفاع من نسخة من وثائق الملف بما يمكنه من أداء وظيفته ضدا على حقوق الدفاع، والمبادئ الأساسية المنظمة لمهام المحامين.

ملف التحقيق تضمن عشرات الشكايات المقدمة من طرف عائلة الضحية ونشطاء من حركة 20 فبراير، تعرضوا للعنف ولاجراءات تحكمية خلال يوم 29/05/2011، كما تضمن محاضر الشرطة المحلية بآسفي وكذا محاضر منجزة من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، لكنه خلا من تقرير معاينة الجثة من طرف الشرطة القضائية ومن طرف النيابة العامة.

وقد تضمن تقرير المجلس الوطني، المقدم ضمن وثائق ملف التحقيق، تجميعا لعدة معطيات وتصريحات تؤكد أن الضحية توفي إثر الضرب والإيذاء غير المبرر، غير المتحفظ وغير المتناسب الذي تعرض له:

وبعد استعراض التقرير للعديد من الوقائع والظروف المتداخلة، ولموقف السلطات المحلية وتضارب تصريحاتها خلص إلى ما يلي:

تضمن الملف أيضا، تقرير التشريح الطبي لجثة الضحية، والذي قام به فريق طبي من مصلحة الطب الشرعي التابع للمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء بتاريخ 02/06/2011، والذي قدم وصفا تفصيليا للإصابات التي تمت معاينتها على جسد الضحية، والتي تغطي كامل جسده، والحقت به اصابات بالغة، دالة على عنف الفعل والقصد المبيت للفاعل او الفاعلين، كما ان هذه الاصابات هي ناتجة عن ضرب بواسطة ادوات راضة.

وقد خلص تقرير التشريح الطبي إن سبب الوفاة هو: “إصابة رئوية واسعة النطاق Pneumopathie extensive تفاقمت نتيجة رضوض غير معقدة في الصدرtraumatisme thoracique أدت إلى الوفاة لعدم تلقي العلاجات الملائمة” و “أن جسد الضحية يحمل آثار عدة إصابات أخرى متورمة بالأساس lésions traumatiques essentiellement ecchymotiques لكن غير مميتة”.

كما تضمن ملف التحقيق تصريحات لأطباء المرحوم كمال العماري وللطاقم الطبي لمستشفى محمد الخامس ولأفراد عائلته، والذين نقلوا جميعا تصريح المرحوم قيد حياته لهم بأنه كان ضحية تعنيف من طرف عناصر الأمن العمومي خلال تفريق الاحتجاج السلمي ليوم 29/05/2011.

كما استمع قاضي التحقيق لشاهدة، سبق الاستماع اليها من طرف المجلس الوطني، والتي، رغم ظروف الاستماع إليها والظغوط التي تعرضت لها خلاله، اكدت معاينتها لواقع تعرض المرحوم كمال العماري للعنف من طرف عناصر الشرطة:

كما أن السيد قاضي التحقيق، استمع لاحد عناصر الشرطة، ورد اسمه في مراسلة مجهولة، وتبين له أنه كان بعيدا عن مسرح الأحداث يوم الواقعة.

ورغم كل هذه المعطيات، لم يقم باستدعاء أو الاستماع لأي من المسؤولين الأمنين أو عناصر الأمن العمومي، أو موظفي أجهزة الإدارة الترابية، الذي كانوا مسؤولين عن التدخل الأمني لذلك اليوم، والذين قد يفيدوا التحقيق، أو قد تقوم مسؤوليتهم الجنائية عن هذا الاعتداء.

وذلك بالرغم من أن المادة 85 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه “يقوم قاضي التحقيق – وفقا للقانون – بجميع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة”. وكذلك المادة 88 التي تنص على أنه: “يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة وأن يقرر إجراء فحص طبي أو يكلف طبيبا بالقيام بفحص طبي نفساني”. فالسيد قاضي التحقيق، في نطاق الوقائع موضوع المطالبة المفتوحة أمامه، لا يمارس حيادا سلبيا أمام الوقائع المعروضة عليه، بل مهمته البحث عن الحقيقة بشكل ايجابي، وله صلاحيات واسعة في اتخاد جميع الاجراءات والتدابير والقيام بجميع الأبحاث الضرورية للكشف عن الحقيقة. وذلك ما استقر عليه الفقه والقضاء المغربي (والمقارن) كما جاء في قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 30/01/2013 تحت عدد 71/1 في الملف الجنائي عدد 17906/2012 والذي جاء فيه: “إن من حق السيد قاضي التحقيق الأمر بأي إجراء يراه ضروريا للوصول إلى الحقيقة….”.

إلا أن السيد قاضي التحقيق باستئنافية آسفي، بعد 5 سنوات من التأخيرات، وبناء على ملتمسات ختامية للنيابة العامة تسير في نفس الاتجاه، أصدر قراره بتاريخ 24/03/2016، في ملف التحقيق عدد 280/2011 غرفة التحقيق الأولى والقاضي بعدم المتابعة. معللا بالحيثية التالية: “حيث إن التحقيق قد شمل جميع الجوانب ووقع الاستماع إلى كافة الأطراف وهو في نهايته لم يسفر عن الكشف عن المجهول المنسوبة إليه التهم موضوع المطالبة، وأنه لا شيء يؤيد ما تضمنته الشكاية أو حتى وقع ذكر اسم أو أسماء أشخاص محددة بعينها مما يتعين معه التصريح بعدم المتابعة وحفظ القضية إلى حين ظهور أدلة جديدة وذلك عملا بالفصل 216 من قانون المسطرة الجنائية”.

هذا القرار استأنف من طرف هيئة الدفاع أمام الغرفة الجنحية بذات المحكمة، والتي أبقت على هذا القرار بقرارها الصادر بتاريخ 08/06/2016.

إن هيئة الدفاع، تستحضر كذلك، أن الاعتداء على الشهيد كمال عماري، لم يكن صدفة أو عرضا، بل كان بعد ترصده وتتبعه، واستيقافه والتأكد من هويته ومشاركته في المسيرة الاحتجاجية، وفي ظروف كان فيها استعمال العنف ضده في الشارع العام لا مبرر له مادام تفرقة المسيرة قد حصل فعلا، وكان يمكن للمعتدين القيام باعتقاله أو اقتياده لمركز للشرطة، بدل تعنيفه بشكل جماعي وحشي ودون أي تحفظ لمدة تراوحت بين سبعة وعشر دقائق، ثم اهمال الضحية بعين المكان دون تقديم أية اسعافات له.

كما نستحضر أن هذا الاعتداء تم في سياق اعتداءات خطيرة وعنيفة همت جميع مسيرات حركة 20 فبراير في جميع ربوع البلاد خلال يومي 22 ماي و29 ماي 2011، وخلفت عدة ضحايا حالة بعضهم بالغة الخطورة، مما يؤكد أن الاعتداء لم يكن عرضيا أو مجرد مبالغة في القمع والعنف من طرف منفذيه، وإنما هو نتاج سياسة منهجية تستهدف وضع حد للاحتجاجات الأساسية والاجتماعية وكسر شوكة المحتجين والحد من سقف مطالبهم المشروعة.

وفي هذا السياق، فإننا نذكر أن “الدولة المغربية ما فتئت تعلن عقب كل اعتداء سافر على حياة الأفراد وحرياتهم عن فتح بحث أو تحقيق في الأمر كما حدث في مقتل المرحوم كريم الشايب وفدوى العروي وحميد الكنوني، وشهداء الحسيمة، واعتداءات 13 مارس 2011، و22 و29 ماي 2011، ووفاة المرحومين محمد بودروة وعبد الوهاب زيدون، بل وحتى قضية العفو عن الإسباني دانيال، دون أن تظهر أية نتائج لتلك التحقيقات بما يؤدي إلى تحديد المسؤوليات ومحاكمة المسؤولين”.

كما نذكر بأن “جريمة الاعتداء على الشهيد كمال عماري هي جريمة دولة تتضمن المس بالحق في الحياة وفي السلامة الجسدية والتعذيب، وانتهاك الحق في الانتماء والحق في التعبير والحق في الاحتجاج السلمي، وهي جرائم سياسية بعضها لا يسقط بالتقادم وفقا للقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي المغربي”.

لذلك، فإن هيئة الدفاع، تعرب عن احتجاجها على تعامل الجهات القضائية مع هذا الملف، من جهة بتمطيط الإجراءات، ومن جهة ثانية بعدم حصول أي تقدم ملموس نحو كشف الحقيقة وتقديم المتورطين ورؤساءهم أمام العدالة مقابل السعي الحثيث نحو طمس الحقيقة، ومن جهة ثالثة بعدم توفير ضمانات المحاكمة العادلة والمساواة بين الأطراف وتمكين الدفاع من أداء مهمته.

كما تعتبر هيئة الدفاع قرار قاضي التحقيق بعدم المتابعة، حيادا عن القواعد المنظمة لمهمته القضائية، وتكريسا لافلات الجناة في هذا الملف من العقاب، وتوفيرا لحصانة قضائية لهم، بما يشجعهم على تكرار افعالهم واعتداءاتهم الشنيعة.

إن هيئة الدفاع تؤكد إصرارها على كشف الحقيقة كاملة وتحديد المسؤوليات الفردية والمؤسسية ومحاكمة الجناة وكل المتورطين في القضية أمام قضاء مستقل ونزيه مع توفير كافة الضمانات لمحاكمة عادلة. مع أن استنفاد إمكانات الحصول على الحقيقة والإنصاف وجبر الضرر أمام المؤسسات الداخلية، يفتح الباب أمام عائلة الضحية للجوء للمؤسسات الدولية المختصة.

إننا من خلال هذا البيان نعيد تحميل الجهات القضائية المتدخلة في الملف والسيد وزير العدل والحريات وجميع السلطات العمومية المغربية كامل المسؤولية عن الانحراف الذي عرفه مسار الملف، وعن كل إجراء من شأنه طمس الحقيقة والإنصاف.

كما نناشد المجتمع الحقوقي الوطني والدولي، بعدم التراخي في الموضوع، وتكثيف الضغط على السلطات المغربية، وعلى مؤسساته المهتمة بحقوق الانسان، بما يضمن عدم افلات الجناة في هذا الملف وفي سائر ملفات انتهاكات حقوق الإنسان من المسائلة.

الرباط في: 13/06/2016

عن هيئة الدفاع