اليوم.. عيدك

Cover Image for اليوم.. عيدك
نشر بتاريخ

مقاييس ومقايس

في كل سنة يحتفل العالم في الثامن من شهر مارس بعيد المرأة، اعترافا بما قدمته وتعبيرا عن فضلها وتثمينا لمجهوداتها ، ودعما لما وصلت إليه من مراتب متقدمة في عدة مناصب ومجالات سياسية واقتصادية وحقوقية واجتماعية وثقافية، وذلك بفضل نضالها المستمر لسنين وأعوام من أجل انتزاع حقوقها التي خولت لها اقتحام هذه المجالات وتلك المناصب. لكن مقاييس النجاح ومعايير التفوق تختلف من مجتمع لآخر، ومن جهة لأخرى خاصة وأن الإعلام الاستهلاكي يروج للقيم المادية التي تبضع المرأة وتختزلها في الجسد والزينة. فالمبادئ والقيم في عصرنا أضحت تتقنع وتتلون حسب الأهداف والغايات والحاجات والمرجعيات، فما يعتبر عفة هنا قد يسمى كبتا هناك، وما يقدس في أمة قد يعتبر تخلفا في أمة أخرى، وما يعد رقيا وذوقا رفيعا في مجتمع قد يفهم أنه فتنة في مجتمع آخر. لكن مهما اختلفت المقاييس ووُجِهت المعايير فلا اختلاف حول الكرامة الآدمية باعتبارها مطلبا إنسانيا وحقا من حقوق الإنسان مطلق الإنسان، وبدونه الحياة تفقد معناها والإنسان تتلاشى كينونته.

مكانة ومهانة

إن ما وصلت إليه المرأة من مكانة وما حققته من مكاسب لا يمكن إنكاره، لكن بالمقابل لا يمكن أن نخفي الكم الهائل من التهميش و الإقصاء الذي لا زالت تعانيه في المجتمعات الفقيرة بل الاستبدادية ، ففي الوقت الذي تزين هذه الدول واجهات إعلاناتها و إشهاراتها و منابر إعلامها بإنجازات المرأة التي نالتها بنضالها و وعيها و تدافعها أو بضغط من جهات يهمها أن تحقق المرأة مكتسبات، في هذا العصر الذي أصبح تقدم أي مجتمع يقاس بمدى مشاركة المرأة في اتخاذ القرار و نيلها حقوقا متفقا عليها، نجد أخريات لا زلن يقبعن تحت ظلام الجهل و الأمية، و يعانين من غياب أبسط حقوقهن الطبيعية في الصحة و العيش الكريم و يرزحن تحت آلام ضنك البحث عن لقمة العيش في ظل ظروف عمل لا تراعي خصوصية المرأة بل تستغل ضعفها و تقتات من صبرها و تحملها، و أخريات يذقن يوميا ويلات الحروب التي تفجعهن في كل لحظة بموت قريب أو عزيز و تفرض عليهن مواجهة المعتدي و همجيته، و أخرَ يعانين من أنواع التمييز و العنصرية لا فرق في ذلك بين عالم متخلف أو متحضر.

و في مغربنا الحبيب للمرأة من هذا وذاك نصيب ، فبمقابل تسلق المرأة المناصب الوزارية وتحقيق المكتسبات الحقوقية نجد نساء مغربيات يعانين من العزلة و التهميش و الفقر و التجهيل ، حيث لم يجد عليهن وطنهن بنصيبهن المستحق من كرامة وعزة كان من الواجب أن تتمتع بها كل امرأة في بلدها.

احتفاء بالكرامة

لعل الاحتفاء الحقيقي بالمرأة يكون حين تعود لها الكرامة التي أهدرت تحت وطأة الظلم ولهيب الاستبداد، ومرارة البحث عن لقمة العيش، وقهر العادات والتقاليد ،وتمكن العقلية الذكورية وتفشي الجهل، و غلبة التسطيح و طغيان المظاهر ، و قلة الوعي، وعدم إدراك الأدوار الحقيقية المنوطة بها في الأسرة و المجتمع، و الغفلة عن الغاية الأسمى التي من أجلها خلقت. تعود للمرأة كرامتها حينما لا تضطرها الظروف إلى مد يدها أو بيع لحمها ، أو مزاحمة الرجال في أماكن يخدش فيها حِياؤها و تداس فيها أنوثتها، فتموت قهرا ألف مرة قبل أن يبلغ الضعف مداه فتضع حدا لحياتها حرقا أو شنقا انتقاما من نفس مهينة. تعود للمرأة كرامتها حينما لا تجد نفسها مضطرة إلى حمل عبء أسرة تعطل ربها عن العمل لعجز أو طرد أو إعفاء دون مسوغ قانوني و دون مراعاة لحالة الأسرة، تعود للمرأة كرامتها حين توفر المرافق الإدارية و الصحية لمن عزلن في أعالي الجبال و تقطعت بهن السبل فيشعرن كأنهن لاجئات حينما تحاصرهن الثلوج أو الفيضانات، تعود لها الكرامة حينما لا تلفظ أنفاسها على محمل أموات كان يرجى أن يحملها لأقرب مشفى لكن الموت يصل ليبعدها عن حياة المهانة ، تعود للمرأة الكرامة حين توفر لها المدارس فلا تنقطع عن الدراسة والتحصيل لبعد المسافة أو غياب المدرسة فتنعم بأيام طفولة عادية لا تعوزها الحاجة للاشتغال في البيوت أو المعامل، تعود للمرأة عزتها حينما لا تسحل في شوارع النضال أو يجش رأسها بكل همجية لأنها تطالب بحقها في شغل كريم اجتهدت من أجله سنين في وطن يعاقب المجدين. نحتفي بالكرامة حين يعي ذكور مجتمعنا أن صون المرأة ورعايتها وحمايتها من الابتذال والمهانة هو أصل بناء الأمة، فالمرأة نصف المجتمع تكمله بل تبني أساسة، وكيف لمن نفسيتها مجروحة وقلبها مكلوم أن تمنح مجتمعها وتبذل بحب، إن أعلى ما يمكن أن تصل إليه أن تنتقم لهذه النفس التي ما جبرت ولا أحست بطمأنينة، فيعيش المجتمع على إيقاع حروب طاحنة بين ذكورها وإناثها حول الزعامات والمناصب والقيادات، والأفكار وما يخالفها والمقترحات وما يعاكسها، فتصغر الأهداف وتقصر الرؤية وتضيع مصلحة الأمة.

نحتفي بعيد المرأة حقا في الغد القريب حين تهدأ حرب النفوس بين الذكور والإناث، ويتعاون رجال الأمة ونساؤها على إحياء الكرامة، بدك أساس الطغيان وهدم أعمدة الفساد والإفساد من أجل التطلع إلى حياة كريمة، يحيا فيها الرجال والنساء تحت راية العدل والحرية والكرامة، نحتفل بعيد الكرامة حين يقدر المجتمع مكانة المرأة ويفهم أن أساس الإصلاح امرأة صالحة تخاف الله وتعي واجهتها الحقيقية وما تنتظره الأمة منها، ورجل صالح يقدر المسئولية الملقاة على عاتقه، ينبريان للخير ويسعيان بجد وصدق من أجل انعتاق الأمة من ربقة الذل والظلم والمهانة.

وفي انتظار أن تشرق شمس الغد السعيد نبارك للنساء عيدهن ونحيي صمودهن ونضالهن، وكل عيد وهن في عزة وكرامة.